لا تَحْزَنَّ أيها الكويتيات!



سعيد علم الدين
2006 / 7 / 3

لا تحزنَّ أيها الأخوات، بل افرحن بما حققتموه، لأن ما تحقق بنضالكن الدؤوب خلال 40 سنة هو محرك مهم لتحريك المجتمعات العربية وإيقاظها من رقادها، تلك التي نحلم بانطلاقها رغم أهل العراقيل، ولأن المشوار الديمقراطي بطيء وطويل، ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة وأنتن خطتموها بثقة فتابعن المسير. وقصة السلحفاة الصبورة المجتهدة المجدة الوديعة التي سبقت الأرنب المغرور المختال القفاز السريع فيها من العبر الكثير. لا تَحزنَّ، فها شقيقاتكن اللبنانيات حصلن مبكرا عام 1953 على حق الانتخاب والترشيح ، إلا أن مشوارهن كان طويلا جدا ولم يستطعن دخول مجلس النواب إلا بعد جهد جهيد عام 1992، ومنهن بالتعيين وليس بالانتخاب. فبالمقارنة، أنتن في وضع أفضل بكثير حيث حصلتن البارحة على حقكن في الترشيح والانتخاب، وحيث أثبتُنَّ للمجتمع الكويتي والعالم العربي والعالم عن جدارة وجرأة وثقة بالنفس جبارة في خوض غمار المعركة الديمقراطية المباركة في الكويت العزيز والتي لم تعد بعد اليوم حكرا على الرجال الكرام فقط. الأيام القادمة ستثبت بأن هذا المجتمع الكويتي الصغير سيكون محرك مهم من محركات السفينة العربية الغارقة في رمال الماضي والإرهاب الفكري الحاضر، والإقلاع بها إلى رحاب المستقبل.
يجب أن لا تَنْسَينَّ هنا بأنكن مثل شقيقاتكن الفلسطينيات والجزائريات واليمنيات واللبنانيات والأردنيات والمصريات وباقي أخواتكن العربيات في مجتمع شرقي عربي إسلامي تقليدي، عشائري طائفي مذهبي. فالدين له تأثير كبير ، والتقاليد لها تأثير أكبر. والعشيرة لها باع طويل، والطائفية باعها أطول.
مع احترامنا الكبير لديننا الحنيف وتقاليدنا العريقة وعشائرنا ومذاهبنا وطوائفنا، إلا أن ذلك يجب أن لا يمنعنا من التعبير عن أفكارنا بجرأة، وتوضيح آرائنا دون مجاملة، وخاصة بالنسبة للمرأة ودورها الحقيقي الذي يجب أن تقوم به بإرادتها الحرة بالطبع في البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي لنهضة المجتمع ليس بالكويت فقط بل وفي باقي الأقطار العربية. التي نريد لها أن تأخذ دورها الحضاري السَّباق إلى جانب الأمم الرائدة الأخرى.
حسب قناعتنا وحسب ما أظهرته لنا بالأرقام والاستنتاجات تقارير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية في العالم العربي، فالانطلاق لا يمكن أن يتم دون انطلاق المرأة العربية وأخذها لدورها في المجتمع بالكامل إلى جانب الرجل. حصول المرأة الكويتية على حق الانتخاب والترشيح فتح الأبواب التي كانت موصدة، وما هو إلا زمن، ربما في الدورة الانتخابية القادمة، الذي سنرى فيه سيدات الكويت وهن يشاركن في صنع المستقبل التشريعي والسياسي والاقتصادي للبلاد إلى جانب زملائهن الرجال.
لننظر إلى الأمم التي تقود العالم اليوم فسنجد أن المرأة فيها تشارك مشاركة جوهرية فعالة كزميلة وند مساو للرجل في انطلاق هذه الأمم. الأمثلة كثيرة جدا: اليابانيات، الفرنسيات، الروسيات، الألمانيات، السويديات ... الخ.
الألمانيات: ألمانيا تقودها اليوم المستشارة السيدة أنغيليكا ميركل التي هزمت في معركة كسر عظم ديمقراطية نزيهة، ندَّها المستشار جيرهارد شرودر، الذي هزم بدوره المستشار الشهير وموحد ألمانيا الكبير هيلموت كول. أي أنها ثأرت لكول ولحزبها المسيحي الديمقراطي من شرودر وحزبه الاشتراكي. وهي اليوم تحكم ألمانيا بجدارة وفي تحالف سياسي مع خصمها السابق الحزب الاشتراكي.
لأن القيم الديمقراطية تفرض التلاقي حتى على ألد الخصوم لمصلحة المجتمع.
ولأنه وفي الديمقراطية يوجد خصوم سياسيين ولا يوجد أعداء متربصين ببعضهم. الخصوم ممكن أن يتحالفوا لمصلحة الوطن، أما الأعداء فهم في تمزق وحروب ومحن. الإنكليزيات: حكمت السيدة ماغريت تاتشر بريطانيا وفي أيامها ازدهرت بلدها اقتصاديا وانتعشت ماديا وانتصرت في حرب الفولكلاند على الأرجنتين. الأمريكيات: السيدة هيلاري كلنتون حاكمة نيويورك حاليا. رغم أخلاقيات زوجها الرئيس الأمريكي السابق المتدنية البائسة وقصته الفظيعة مع مونيكا لوينسكي. رغم كل ذلك حافظت السيدة كلينتون على رباطة جأشها وهدوئها بأعصاب فولاذية جديرة بالاحترام، وجمعت عائلتها بدل الانقسام، ووقفت أمام خصوم زوجها وأنقذته من فقدان منصبه الرئاسي. هذا رغم كل زلاته. وهي اليوم في الطريق لتصبح أول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية
الإسرائيليات: السيدة غولدا مائير حكمت إسرائيل بجدارة، وأدارت الصراع مع العالم العربي بحنكة وشطارة، وانتصرت في حروبها على قادة وزعماء العرب المشهورين وفي مقدمتهم عبد الناصر وحافظ الأسد والملك حسين.
يجب أن لا ننسى في هذا الصدد أيضا طرد الجيش الصدامي الذكوري من الكويت وتحريرها من براثن البعث المجرم. هذا الإنجاز العظيم تم أيضا على أيدي المجندات الانكليزيات والمحاربات الأمريكيات اللواتي شاركن في كل القطاعات العسكرية. وكان منهن جنرالات يخططن ويخضن المعارك. أما المجندات الإسرائيليات فلقد شاركن في كل حروب العدو الإسرائيلي الذي انتصر فيها على جيوشنا الذكورية الجرارة.
هذا الكلام موجه فقط إلى من يأخذ بأقوال أكل عليها التاريخ وشرب، وأثبتت عدم صحتها، مثلا: "وما فلح قوم ولو أمرهم امرأة". "المرأة بنصف ربع عقل". :"بيوتكن ومطابخكن هي مكانكن الأساسي، وتربية أولادكن هي المهمة الاسمى".
من يردد هذه الأقوال ويحاول فرضها على المرأة، إنما يعبر عن تخلفه وانحطاط وكأنه يعيش في العصر الحجري حيث كهوف تره بره في أفغانستان ما زالت عامرة ببعض الأشكال البشرية الغريبة، والتي ستنقرض حتما كما انقرضت من باقي المجتمعات.
الحديث عن العفة والأخلاق هنا أيضا في غير محله. ولو أن المجتمعات الديمقراطية التي تشارك المرأة في حكمها إلى جانب الرجل منحلة وبلا أخلاق لما عاش فيها ومنذ عشرات السنوات عشرات الملايين من العرب والمسلمين!
مشكلة المجتمعات العربية الكبرى مع الحركات الإسلامية التي تردد هذه الأقوال وتعمل بها، ومنهم من طبق القول بالفعل كطالبان، ومنهم من يريد بشغف تطبيقها كالإخوان: أنها حركات رجعية بعقول متحجرة تكفيرية، معرقلة لمسيرة الحياة ولقد انقلبت حقا على روح الإسلام الحقيقي وتتمسك بالمظاهر والقشور وبعض الماديات فقط كاللباس. عودة تاريخية إلى دور النساء في العصر الإسلامي الأول يؤكد على أن الدين رفع شأن المرأة اجتماعيا ولم يضع لها الحدود سياسيا. الأمثلة كثيرة جدا ولا مجال للتكرار. ما فعلته وما تفعله حركات الاسلام السياسي يصب في مصلحة أعداء العرب ومن لا يريد الخير لهم وللدول الإسلامية. سياستهم فقط إبقاء المرأة العربية متخلفة للتحكم بها وهم بذلك يساهمون في تأخر الأمة العربية.
ولهذا ففشلكن ايها الأخوات في الانتخابات لا يسجل عليكن وإنما على المجتمع الكويتي الشرقي الذكوري، الذي لم يستوعب حتى الآن قدرة المرأة على العمل الجاد والإبداع السياسي. فمجتمعاتنا هيمن عليها الذكر وبرر هيمنته وما زال بكل أنواع التبرير. والطامة الكبرى أنه أقنع الناخبة الكويتية بتبريراته.
فهل معقول أن صوتت النساء بكثافة وفاز الرجال؟
ولكن هذه هي الديمقراطية، يوم معك ويوم عليك. وألف مبروك لدولة الكويت على هذا الإنجاز المهم وألف مبروك لكل الفائزين، إلا أنه فوز لزمن محدد. والفوز الحقيقي ليس في الوصول إلى مجلس الأمة، وإنما بالسير بالأمة إلى الأمام وليس عرقلة مسيرتها بوضع الحواجز في طريق تقدمها. النجاح هنا هو تكليف وليس تشريف ومسؤولية تقع على عاتق الناجح لتحقيق طموحات شعب الكويت وحل مشاكل المجتمع.
ولأنه ما زالت العقلية الذكورية هي المهيمنة على مجتمعاتنا وعلى النساء قبل الرجال فلا بد من التفكير بحصة للنساء " الكوتا" في المجالس النيابية العربية الديمقراطية. فليس من المعقول أن تكون هناك وزيرات في الحكومة دون نائبات في مجلس الأمة. هذه الحصة ممكن أن يحصل عليها من المرشحات من حصلن على أعلى نسبة من أصوات المقترعين بالنسبة للنساء.
لا تحزنَّ أيها الأخوات لأنكن شاركتن بظروف صعبة وبعضكن حصلن على أصوات لا يستهان بها أبدا. كل ذلك يبشر بالخير للكويت ولمنطقتنا العربية وعرس ديمقراطي نزيه. أثبت نزاهته انتصار المعارضة. وألف مبروك للإخوة الإسلاميين في نجاحهم.
. كاتب لبناني . برلين