من الشخصي إلى السياسي: النسوية وقضايا التحرّش في تونس



هيفاء ذويب
2020 / 10 / 28

بعد مرور عام على انطلاقه إثر قضية النائب في البرلمان التونسي، زهير مخلوف، المتهم بالتحرّش بتلميذة، نجح حراك “أنا زادة” في تعميم تجارب النساء وتحويل شهادات الضحايا إلى مادةٍ تحليليةٍ لفهم ظاهرة العنف وتفكيكها. فكيف واكبته المنظّمات والجمعيّات ضدّ التحرّش الجنسيّ؟ وأين يكمن مستقبل الحركة النسوية في ظلّ سياسة أبوية مؤسّساتية وقوانين تعجز عن حماية النساء من العنف وضمان ولوجهن للعدالة.

“حفظ تهمة التحرّش الجنسي والإبقاء على التجاهر بما ينافي الحياء” كان هذا الحكم الذي نُطق به بخصوص قضيّة النائب التونسي زهير مخلوف المُتهمّ بالتحرّش بتلميذة بعد تسعة أشهر من التقاضي. وجّهت جمعية “أصوات نساء” (الجمعية التي ترافق الفتاة الضحية) بتاريخ الأربعاء 14 أكتوبر 2020 رسالةً مفتوحةً إلى المجلس الأعلى للقضاء تندّد فيها مع مجموعة من المنظمات النسويّة والحقوقيّة بـ”المماطلة في القضية لأسباب سياسية”. فقرّرت دائرة الاتّهام لدى محكمة الاستئناف بنابل، يوم الخميس 15 أكتوبر 2020، إعادة توجيه تهمة التحرّش الجنسيّ للنائب من جديد. جاءت هذه المستجدات في نفس الوقت الذي دشّنت فيه الجمعية بشارع باريس بتونس العاصمة رسوم جدارية ومعرض “أنا زادة” بالمركز الثقافي الفرنسي احتفالًا بمرور سنة على إطلاق الحملة. يوم 28 سبتمبر، تَزيّنَ المعرض بشهاداتٍ ورسوماتٍ للنساء حاملاتٍ للشعارات نفسها التي رُفعت منذ عام للتنديد بالتحرّش الجنسي وبقضية زهير مخلوف (صور). تشمل مجموعة “أنا زادة” التي تُشرف عليها جمعيّة “أصوات نساء” أكثر من 40 ألف متابعة ومتابع، وآلاف الشهادات التي نُشرت. وحدها هذه الشهادات نجحت في إدانة التحرّش الجنسي بتعميم المؤيدات الحية على لسان الضحايا وتحويل “الشخصي إلى سياسي”.توقفتُ منذ مدّة عن متابعة الملفّ. جمعني آخر لقاءٍ بمجموعة من الناشطات المدنيات والصحفيات بموقع “إنكفاضة” في شهر نوفمبر من العام الماضي لتسجيل بودكاست حول القضية والتفكير بصوت مسموع حول قضايا التحرّش الجنسي. انتهى النقاش بمساءلة أفق حراك “أنا زادة” خارج الأطر المنظماتية والجمعياتية الضيّقة. تشكّلت مجموعات موازية وتحرّكات احتجاجية مقاومة خارج الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني الجديدة والقديمة. التزمت “القديمة” بموقعها المعتاد “فاسحة” المجال لأصواتٍ بديلةٍ عفوية كانت أو مسيّسة لاكتساح الفضاء الافتراضي والعام مثل حركة “فلقطنا“. أثارت القضية السخط من جديد إثر المداخلة الأخيرة للمتهمّ زهير مخلوف، والتي تسلّح خلالها بجمعية النساء الديمقراطيات متحجّجا بأنّها “برّأته لأنها لم تصدر بيانًا في شأنه”. استعمل المتحدّث الأمر كذريعة وهو الذي قضى سنته داخل البرلمان مشرّعًا متمتّعًا بالحصانة البرلمانية. في بيان لها بتاريخ 23 سبتمبر المنقضي، جاء ردّ جمعية النساء الديمقراطيات متأخّرًا لينضمّ إلى بقية الأصوات التي طالبت برفع الحصانة عن نائب الشعب ومعاقبته على جريمة التحرّش.

دأبت الحركة النسوية في تونس في العقود الثلاث الأخيرة على تعزيز الترسانة القانونية لحقوق النساء حتى كاد ينحسر دورها في المناصرة الحقوقية. هذا الدور رسّخته السياسة الأبوية المؤسّساتية منذ عهد الاستقلال، وهي سياسة تهيمن على العقليات وتقضي بأن الدولة هي الضامن الوحيد لحقوق النساء، وأن الجمعيات النسوية التونسية وشخصياتها القياديّة يتقدمن جنبًا إلى جنب مع النظام الحامي لـ”حقوق المرأة” ولمكانتها داخل المجتمع. تُقاوم النسويات المناهضات للمأسسة وللنسويّة البيروقراطية اليوم هذا التصوّر السياسي وتطالبن بفضاءات آمنة بعيدًا عن الحاجة إلى سنّ مزيدٍ من القوانين التي لا يمكن تطبيقها. ينصّ القانون رقم 58 لسنة 2017 والمتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة على تجريم التحرش الجنسي ومعاقبة مرتكبه، وعلى الحماية ومنه والتوعية به. ولم ينجح هذا القانون، بعد مرور ثلاث سنوات على إصداره، في إثبات تهمة التحرّش على النائب زهير مخلوف.

لا تستطيع الجمعيات النسوية اليوم حلّ كل قضايا العنف كما لا يمكنها أن تختار “الضحيّات” اللاّتي ستتكفّل بهنّ. إن التقسيم القطاعي والخدماتي الإداري والمركزي يشكّل عائقًا أمام الجمعيات التي تعمل من أجل أن تتمتّع “كافّة” النساء بـ”كافة” حقوقهن. تتقدّم هذه الجمعيات عرجاء ومتعثّرة محاولةً بجهدٍ عسيرٍ سدّ الفراغ الذي تخلّفه الدولة من أجل ولوج النساء للعدالة، وتوفير خدماتٍ شاملة وطاقة استيعاب للتعهّد بالنساء الضحايا، وتوفير هذه الخدمات أصلًا بالجهات إلخ… ومع كلّ حالة عنفٍ جديدة تُسجَّل، تتوجّه كافّة الجمعيات دون استثناء إلى الدولة، حيث تجد نفسها أمام حلقةٍ غير موصولة. تتعهّد الدولة وفق أحكام القانون بحزمةٍ من الإجراءات لكنها محكومةٌ بعملية تنسيقٍ مهترئةٍ، التي أسميتها سابقًا بالحلقة غير الموصولة. إذ تتنقّل المرأة الضحية بين عددٍ من القطاعات المتدخلة لحمايتها تبدأ بمركز الأمن والمستشفى والمراكز المختصة كشبابيك التوجيه النفسي والقانوني ثمّ القضاء. لا تعمل هذه الشبكة دون بعض التدخلات الضرورية ومرافقة الجمعيات المختصة بالتأكيد.

لا تستطيع الجمعيات النسوية اليوم حلّ كل قضايا العنف كما لا يمكنها أن تختار “الضحيّات” اللاّتي ستتكفّل بهنّ

إجرائيًّا، يدخل التتبع والتجريم أيضًا ضمن تعهّدات الدولة والسلطة القضائية التابعة لها. لكن مازال البتّ في جرائم التحرش الجنسي غير ممكن، إن لم يكن لطول الإجراءات والمماطلة وبطء التنفيذ الذي يتطلّب أشهرًا إلى سنواتٍ من التقاضي، فهو بسبب حفظ التهمة أو عدم التمكّن من إثباتها في أغلب القضايا. أمّا سياسيًا، فقد كشف رئيس جمعية القضاء، أنس الحمايدي، في بلاغٍ سابق عن تورّط الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بنابل وتدخّله المباشر لفائدة المتّهم زهير مخلوف، الأمر الذي ذكّرت به نفس الرسالة المفتوحة الموجهّة للمجلس الأعلى للقضاء. إنّ قضية التحرش الجنسي قضيةٌ سياسيةٌ تهدّد بفقدان الحراك النسوي لأصواته. تتكبّد الضحية في المقام الأوّل آثار منظومة الإفلات من العقاب ثم الحراك الجماعي الذي يفقد مع كل قضية خاسرة أصوات الضحايا أو يفشل ببساطة في تحقيق العدالة للنساء. كما تُنتج منظومة الإفلات من العقاب مزيدًا من التطبيع والتعميم للمعايير الاجتماعية السائدة وتؤثر بالتالي على قضايا العنف بشكلٍ مباشر، على الضحايا أولًا، ثمّ على بقية المواطنات والمواطنين عبر تعطيل عملية تشكّل وعيٍ جديدٍ والانقلاب على الخطاب المهيمن.

يقع تسليط الضوء على قضية التحرش الجنسي وتسييسها على عاتق الجمعيات والمنظمات النسوية العاملة في مجال مناهضة العنف. وتواجه هذه المنظمات “حقيقة أن هذه القضايا ترمز إلى سلوكٍ لا يتناقض مع النظام وليس استثنائيًا” على حدّ تعبير الكاتبة والأستاذة الجامعية والناشطة النسوية الراديكالية الأميركية، كاثرين ماكينون، بل هو سلوك الأغلبية المهيمنة بثقلها وتأثيرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي. لذلك يختار عددٌ من النسويات الأكثر راديكالية التحرك خارج هذه الأطر الضيّقة من أجل افتكاك العدالة لكافة النساء والمقاومة. طال هذا التشظّي حراك “أنا زادة” منذ أن طُرِح النقاش حول كيفية تسييس الشهادات العفوية التي حرّرت الأصوات وفتحت الباب على مصراعيه للحديث حول تجاربنا الشخصيّة ومشاعرنا. يمكن فهم هذا التشظّي من الداخل ومن خلال الانفتاح على المحرّكين والفاعلين فيه. فلا تنتمي النسويات في تونس ولا الجمعيات النسوية إلى نفس الأدبيات، لكنهن يتقاطعن بشكل أو بآخر في محطّاتٍ واضحةٍ مثل التحرش الجنسيّ.

ينخرط عمل أغلب الجمعيات ضمن برامج وطنية ومحلية وأخرى دولية وإقليمية أو ضمن خطط التعاون الدولي وبرامج المانحين والمنظمات المختصة الحكومية وغير الحكومية. لا تعالج هذه البرامج مقاربة الدولة بشكل مباشر، لذلك لا تفلح في تحويل كل الملفّات إلى قضايا رأي عام. أمّا عملية المناصرة التي لا تُحرّكها قاعدة الشارع تبقى قاصرةً عن إحداث تغييرٍ جذري على المدى المتوسط والبعيد. في حديثٍ مفتوح مع إحدى صديقاتي النسويّات عن مدى تأثير هذه القضايا المتفرقة في التجربة النسوية التونسية، خلصنا إلى فكرة أننا نجحنا جميعًا في مرحلةٍ أولى في كسر حاجز الصمت. تتيح وسائل التواصل الاجتماعي طرق عملٍ جديدة وتسمح بالتشبيك والتعبئة بشكل واسعٍ وسريعٍ جدّا في الزمن. صفحاتٌ ومنصّات إعلامية متعدّدة الوسائط لم تكن متاحةً على امتداد العقود الأخيرة. اعترضتني مؤخّرًا شهادةٌ مصوّرة لضحية اغتصاب على صفحة “LOOk TM”، التي تهتمّ بتسليط الضوء على موضوع العنف كما تقوم بالتعريف بعدد من المبادرات والتجارب المدنية في تونس. ويهمني ما جاء على لسان الضحية في المقطع الأخير من الفيديو: “تكلّمت لأنّني وجدت نساءً تشجّعن وسبقنني بتقديم شهاداتهن. لم أشعر أنني وحدي. لذلك تكلّمت وأتمنّى أيضًا أن تتكلّم فتيات أخريات ويكسرن هذا الحاجز”.

عملية المناصرة التي لا تُحرّكها قاعدة الشارع تبقى قاصرةً عن إحداث تغييرٍ جذري على المدى المتوسط والبعيد.

تقدّم كاثرين ماكينون مدخلًا نظريًا مهمًّا لتحليل الموضوع، ترجمه كرم نشّار على موقع “الجمهوريّة” تحت عنوان “النسوية، الماركسية، المنهج، والدولة: أجندة للعمل النظري“، حيث تقول الكاتبة: “النسوية هي النظرية الأولى التي تخرج من رحم من تدافع النظرية عن مصالحهم. منهجها يستجمع الواقع الذي تسعى لتصويره كنظرية”. نجحت “أنا زادة” في تحويل الشخصي إلى سياسي. ووجب التوضيح هنا أنّ “أنا زادة” منقسمة إلى حركتين؛ الأولى بدأت منذ سنوات وتشكّلت مع بداية حراك “أنا أيضًا” العالميّ وتُدير صفحتها مجموعة من النسويّات المستقلات (تجاوزت أكثر من 59 ألف متابعة ومتابع)، والثانية تشكّلت منذ أكثر من سنة بعد قضيّة زهير مخلوف وهي عبارة عن مجموعة مغلقة في فايسبوك تابعة لجمعيّة “أصوات نساء”. سأتكلّم هنا عن “أنا زادة” في المطلق أي كمجموعة من الشهادات بغضّ النظر عن اختلاف الحركتين. تجارب النساء الشخصية التي تحدث في الفضاء الخاصّ والعام أيضًا، كأن يلمس أحدهم مؤخرتك في المترو فهذا حدثٌ شخصي، هي “ابستمولوجيا السياسي” كما تعرّفه الباحثة. وهو ما يجعل هذه المقاربة التي ترواح بين الشخصيّ والسياسيّ ممكنة.

سأعود إلى مسألة لمس المؤخّرات في وسائل النقل العموميّ. أعتقد أنّنا جميعًا تعرّضنا إلى هذا الموقف أو بالأحرى إلى هذا النوع من التحرّش الجنسي. أذكر مرّة صديقةً لي نسويّة وسليطة اللسان، وسلاطة اللسان هنا بمعنى أنّها قادرة على الدّفاع عن نفسها وعلى زجر كلّ محاولات التحرّش والأذى على الأقل نظريًّا، لمسها أحدهم في المترو فعادت إلى المنزل منهارةً لأنّها لم تكن قادرةً على ردّ الفعل رغم وعيها بواقع التحرّش وبحرمة جسدها. تحوّل هذا الاعتداء إلى فعلٍ اعتياديّ روتينيّ سائد ولم تقدر صديقتي ولم تقدر قبلها صديقاتٌ كثيراتٌ على صدّ المعتدي لأنّه لم يُوجد شخصٌ واحدٌ داخل وسيلة النقل تحرّك وأدان فعل التحرّش بصوتٍ مسموع. يجب أن تتحوّل مثل هذه المواقف إلى أفعالٍ مُستهجنة من قبل كلّ النّاس وفي المقابل يجب أن تُسمع أصواتنا وصرخاتنا. يجب أن نفتكّ مساحتنا ونقلب المعايير ويتحوّل فعل التحرّش وغيره من أفعال الهيمنة الذكوريّة إلى أفعالٍ مُدانة بشكلٍ جماعيّ في الفضاء العامّ. علينا تصديق الضحيّات. لا صوت يعلو فوق أصواتهنّ حتّى لو لم يُنصفنا القضاء ودخلنا في دائرة الإجراءات والتعقيدات. أوّل خطوةٍ لقلب الطاولة بكلّ ما فيها وما عليها هو تصديق شهاداتنا عن العنف والاغتصاب والتحرّش والاستغلال الاقتصاديّ.

نجحت “أنا زادة” بشقيّها في تعميم تجارب النساء وتحويل شهادات الضحايا إلى مادةٍ تحليليةٍ لفهم ظاهرة العنف وتفكيكها ومناهضتها. يدين هذا الشخصي/السياسي جريمة التحرش الجنسي ويثبتها من جهة، ويشبّك من جهة ثانية التجربة “الداخلية الجامعية والعطوفة” – حسب قول كاثرين ماكينون – “لبناء نظام حسب ضرورته الداخلية”. تركّب هذه الشهادات الحيّة الصورة الكاملة. تعرّي سردياتها العفوية “المساحات الأكثر تأذيًا، الأكثر تلويثًا، ولكن أيضًا الأكثر خصوصيةً والأكثر حميميةً ومعرفةً، فتعيد استملاكها”، فقًا لماكينون، وذلك سياسيًا خارج الأطر الهيكلية المهيمنة. من هذا المنظور تقدّم هذه السرديات مادةً للتحليل النقدي النسوي والتفكير في ديناميكيات العمل النسوي في حدّ ذاته وهو ما ينطبق تمامًا على القضية التي بين أيدينا.

مستقبل الحركة النسوية في تونس يكمن في الدور الذي ستلعبه في المعارك السياسية الكبرى

بعد مرور سنة يصبح الأمر منهكًا. أستجمع طاقتي حينًا وأتراخى أحيانًا أخرى. وحدها شهادات الضحايا لا تتراجع، تنهال دون انقطاع. تؤكّد هذه الشهادات ارتفاع منسوب العنف، كما تؤكد كافّة المؤشرات النوعية كالتطبيع الكلي مع المنظومة البطريركيّة والوصم الاجتماعي المجحف في حقّ “الضحيّات”. لذلك بدت لي عملية تقييمٍ هيكلية لعمل المنظمات النسوية المنفذ الوحيد من أجل تصوّرٍ جديدٍ من خارج المربّعات المهيمنة. يتمتع المتّهم المذكور اليوم بالحصانة البرلمانية ويواصل وغيره من نوّاب الشعب سنّ قوانين جائرة. كما يواصلون ممارسة التمييز والوصم والعنف على أساس الجنس داخل البرلمان وخارجه. يقدّمهم الإعلام كشخصيات عامّة ومؤثّرة ويعطونهم المساحة للتعبير عن مواقفهم وآرائهم. قد يبدو هذا المثال اختزاليًا. لكن هيكليًا، نحن أمام لعبةٍ سياسيةٍ غير عادلة ولا يمكن المطالبة بقلب موازين القوى ثم المجاهرة بكل هذا الغشّ والحيف معًا.

صحفية وناشطة نسوية في تونسصحيح أن عودة ملفّ زهير مخلوف على الطاولة دفعني للكتابة مجددًا عن الموضوع. لم أعرف مسبقًا ماذا أريد بدقة من خلال التأمّل في المنحى السياسي الذي تأخذه القضية حتى مرّت لحظةٌ واحدةٌ فارقة. تجلّت لي رؤية واضحة كأنّها مشهد من فيلم: من أمام مجلس المستشارين بباردو، خلال الوقفة الاحتجاجية الأخيرة ضدّ قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، اجتمعت المحتجّات والمحتجّون، شاباتٌ وشباب، أغلبهم أصغر سنًّا منّي، يرفعون شعاراتٍ بعضها بالإنجليزية (صور). استحوذ عليّ في المشهد حضور مجموعات كويرية وعددٌ هام من الناشطات النسويات، إلى جانب عددٍ من شباب اليسار ومن الحركات المقاومة السابقة كمجموعة “مانيش مسامح” وغيرها. كان هذا المشهد كافٍ لأعود مسرعةً لإنهاء مقالي وأنا أفكّر أنّ مستقبل الحركة النسوية في تونس يكمن في الدور الذي ستلعبه في المعارك السياسية الكبرى، كحركة مقاومة نابعة من سرديات صاحباتها اللواتي تحررت أصواتهن ولا يمكن تقييدهن من جديد. وقبل أن أخطّ جملتي الأخيرة، اعترضتني تدوينة على فايسبوك، كتبت فيها إحدى الصديقات،هندة الشناوي: “الأهم في نظري هو تطوّر الحركات نحو تقاطعية فعليّة لطرق التنظّم في صفوف المقاومة”.