في يوم الطفل العالمي: العدالة لأطفال فلسطين



نهى نعيم الطوباسي
2020 / 11 / 22

يحتفل العالم في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للطفل، وسيجدد زعماء العالم التزامهم نحو الحفاظ على حقوق الطفل وحمايتها، نتساءل في هذا اليوم هل ستشمل تلك الوعود إطلاق سراح أكثر من مائتي طفل فلسطيني أسير دون سن الثامنة عشر في السجون الإسرائيلية؟ معزولين في زنازين إنفرادية لا يدخلها النور، محرومين من الحرية ولقاء الأهل، يستيقظون على رعب السجان، وصرخات الأطفال المعذبين بالزنازين المجاورة. أليس ذلك إنتهاكا لكل المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية؟
لا يمكن إنكار اهتمام المنظومة الدولية والمجتمع الدولي بإرساء مبادئ حقوق الطفل في العالم، وذلك من خلال سن مجموعة من الإتفاقيات والمعاهدات والصكوك الدولية التي تلزم الدول الأطراف بتنفيذ المبادئ والحقوق التي صادقت عليها، ففي عام 1948 اعتمدت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أكد على مبادئ المساواة واحترام الكرامة الإنسانية لجميع البشر على اختلاف أدياناتهم وأجناسهم. وجاءت اتفاقية جنيف في عام 1949، لتدعو لحماية المدنيين بمن فيهم الأطفال وقت الحرب والنزاعات المسلحة.
وفي عام 1959 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلان حقوق الطفل، حيث أكدت ديباجته على أنه لكل طفل بدون استثناء أن يتمتع بحقوقه بالعيش الكريم وحريته الطبيعية، دون تفريق أوتمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الإجتماعي أو الثروة أو النسب أو أي وضع آخر يكون له أو لأسرته. ومن ثم جاءت اتفاقية الطفل لعام 1989 بموادها ال 54 ، لتكون الإطار القانوني العالمي الذي يهدف إلى توفير حماية الأطفال، وإتاحة كل الوسائل والفرص والتسهيلات اللازمة لتمكين الطفل من النمو البدني والعقلي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما. والتي تعتبر ملزمة قانونيا للدول الأطراف الموقعة عليها. لكننا نلاحظ أمام كل هذا الزخم من الاتفاقيات والمعاهدات التي أكدت على حقوق الإنسان ذلك التناقض بين النص والتطبيق. حيث تفاقمت انتهاكات حقوق الطفل في المناطق التي تعاني من النزاعات المسلحة، والحروب، وفي فلسطين كونها واقعة تحت الاحتلال، وبالتالي تنطبق عليها مواد اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وكالعادة تقوم إسرائيل بضرب كل المواثيق الدولية بعرض الحائط، فقد تفاقمت انتهاكات إسرائيل لحقوق الأطفال المنصوص عليها في المواثيق والقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، ألم يصدم ذلك المشهد العالم عندما اقتحمت كتيبة عسكرية إسرائيلية مدججة بالسلاح، إحدى مدارس محافظة الخليل، وأثارت الرعب والخوف في نفوس الأطفال، لتعتقل طفلا صغيرا على الرغم من كل محاولات المعلمين تخليصه من أيدي الجنود، وصراخ الطفل و بكائه، وتوسله بيديه الصغيرتين أن يتركوه، لكنهم اقتادوه وحقيبته المدرسية على ظهره، إلى الدورية الإسرائيلية دون أي رحمة، وغير ذلك من المشاهد القاسية للأطفال الذين تم اعتقالهم تحت الضرب والركل والشتم والإهانة لكرامتهم وبراءتهم.
هل يمكن أن يثق أطفال العالم بأشخاص القانون الدولي وزعماء العالم الذين عجزوا عن حماية الأطفال من القتل والتهجير والإعتقال والغرق بالبحار فرارا من الموت. إن المشكلة لا تتوقف فقط على اعتقال الأطفال، المشكلة أيضا أن اولئك الأطفال يخرجون من المعتقل بمشاكل نفسية، وأمراض جسدية، تصل إلى حد الإعاقات أحيانا تصعب اندماجهم بمجتمعاتهم. وهذا مخالف لنص المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل. وباقي موادها ال 54 التي تكفل للطفل العيش بسعادة وكرامة. حيث تؤكد المادة 37 أنه لا يجوز أن يتعرض أي طفل للتعذيب، أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، وأن لا يحرم الطفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن لا يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه، وفقا للقانون يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، ومع ذلك تنتهك إسرائيل مواد الاتفاقية على الرغم من أنها قد صادقت ووقعت عليها منذ عام 1991 الأمر الذي يلزمها بتطبيقها، إن إسرائيل الكيان الوحيد في العالم الذي يحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية، وإسرائيل كسلطة قائمة بالإحتلال وفقا لأحكام القانون الدولي، لا بد من التزامها وتحمل مسؤولياتها بتطبيق أحكام إتفاقية حقوق الطفل في فلسطين ومبادئ حقوق الإنسان.
لا بد إذن، من وضع الخطط والآليات لإطلاق سراح الأطفال المعتقلين، تبدأ من إثارة الموضوع من قبل الإعلام الفلسطيني، والتواصل مع اتحاد الصحفيين الدولي، لإثارتها في وسائل الإعلام الدولية أيضا، وأن يتم حراك شعبي ورسمي ودبلوماسي، بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان، وأيضا تشكيل فريق من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين، لإثارة القضية في البرلمانات العالمية وخاصة الأوروبية، وأيضا في أروقة الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، للضغط على إسرائيل للإفراج عن المعتقلين الأطفال، خصوصا في ظل تفشي فيروس كورونا، والذي يهدد حياتهم، بالإضافة إلى تقديم مؤازرة حقيقية لأسر المعتقلين وتوفير الدعم المعنوي والقانوني لهم، أما المجتمع الدولي فلا بد من تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وتفعيل آليات الحماية الدولية، للأطفال، وبذل كل الجهود لمساءلة إسرائيل قانونيا على ما تقترفه من انتهاكات لحقوق الطفل في فلسطين.
أخيرا في اليوم العالمي للطفل، نأمل أن يفي زعماء العالم بوعودهم والتزامهم التاريخي اتجاه أطفال العالم، فالوعود لا تكفي، والمطلوب أن يكون هناك حراك فوري وجدي، لوقف معاناة أطفال فلسطين وأطفال العالم، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال" في جميع أنحاء العالم تتجلى لنا قوة الأطفال وروحهم القيادية فيما يقومون به من أنشطة الدعوة من أجل عالم أكثر استدامة للجميع" فهل ممكن لأطفال فلسطين أن تشملهم تلك العبارة؟ وأن يتمكنوا من ممارسة طفولتهم وأنشطتهم بهدوء وسلام، ليقودوا مجتمعاتهم في المستقبل نحو التطور والازدهار، أليس ذلك من حقهم أيضا؟ هنيئا لأطفال العالم بيومهم وفي كل الأيام، أنتم الجزء الأجمل في حياتنا، ونتمنى في اليوم العالمي للطفل في العام القادم، أن ينعم كل أطفال العالم بالهدوء والإستقرار، وأن يتمكن أطفال فلسطين من إطلاق طائراتهم الورقيه لعنان السماء دون رصاصة تباغتها، فتردي أحلامهم قتيلة.
*باحثة، ماجستير في التنمية وحل النزاعات