حينما يكذبون جهاراً و علانيةً .



يوسف حمك
2020 / 11 / 27

من أرقى أكاذيب الرجل الشرقيِّ التي لا تنطلي على الطفل الرضيع ، هو رفع صوته عالياً برفع الغبن عن المرأة و الادعاء بمواجهة العنف الممارس بحقها .
و كلما كان المدافع عن حقوقها رفيع المستوى ، كان نفاقه أعظم و مكره أغزر و أكثر دهاءً من عمر بن العاص و معاوية ...
و من الذي يردعه بمنحها الحرية إذا كان صادقاً ؟!!!

قد نغفر عنف جاهلٍ من عامة الناس ضد زوجته ، أو سطوة أبٍ ساذجٍ على بناته ، أو حتى جريمة قتل شابٍ متهوِّرٍ بقتل امرأةٍ أو فتاةٍ - ربما نمررها له بسبب تضامن القانون معه - و ذلك تحت بند جرائم الشرف !!!!

من الذي يسن القوانين ، و يضع المراسيم و التشريعات بحجة ضمان المساواة و تحقيق العدالة و تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع على أسسٍ سليمةٍ ؟!
أليس أصحاب العقول الثاقبة و المتفوقون من القضاة و رجال السياسة و كبار المسؤولين و المثقفين و رجال الدين .... هم الذين سنوا ... و وضعوا ... و كتبوا طبقاً لعقولٍ ينطبق عليها المثل القائل " كل إناءٍ بما فيه ينضح " ؟!!!
أي حسب ثقافةٍ تميل للإنسان الذكر و إليه تنحاز ، مقابل احتقار المرأة و إذلالها و وضعها على الهامش .

مرعبٌ جداً أن تُقتل المرأة ذبحاً بقوة القانون الذي ينحاز للجاني ، و يخفف الحكم عليه بذريعة - غسل العار - و تنظيف شرفٍ ملوَّثٍ مدنَّسٍ ، ثم إطلاق سراحه مرفوع الهامة كطاووسٍ مغرورٍ يستعرض ريشه الجميل .
من هو الأكثر عداوةً للمرأة في هذه الحالة و أكثر إيذاءً لها ، القانون ، أم القاتل ؟!
أو ليس الجاني أداةٌ بيد القانون للنيل من المرأة و سحقها و التنكيل بكرامتها ؟!

المفاهيم النمطية من قبل النخبة وضعت شرف الرجل و العائلة و العشيرة كلها بين فخذي المرأة ، و ربطته بسلوكها .
أما القانون فصادق على قولبتها الذكورية و باركها .

معاييرٌ اجتماعيةٌ تسمح للذكر بالتطاول على المرأة حتى و إن كان المزاج هو الدافع .
و عرفٌ سائدٌ يقلص من مساحة فرصها في الحياة .
و دينٌ شرع بمنح الزوج حق الضرب لتأديب الزوجة في حالة نشوزها ، مقابل السكوت عن حق الزوجة في حال نشوز الزوج و الإساءة إليها أو بفضحها .
و أي إهانةٍ أعظم من إبطال وضوء الذكر حين ملامستها حتى و إن كانت زوجته ؟!
أعرافٌ و تقاليدٌ تعطي الحق للذكر بإلحاق الأذى للمرأة لمجرد أنهما يشتركان في النسب أو الانتماء للعائلة .
و سلسلةٌ من الانتهاكات الصارخة بحقها تُرتكب كالتحرش بها ، و اغتصابها ، أو تزويجها في سنٍ مبكرٍ و إجبارها على الزواج ممن تكرهه ، و القول بالحرف : " اعتبرها شاةً و ذبحتها لك "
يقصد ترفعاً من قدر طالب الزواج ، و التدني من قيمة الفتاة إلى مرتبة ذبيحةٍ تقدم فديةً لمقامه الذكوريِّ !!!

فجوةٌ عميقةٌ بين أقوال المطبلين بتحريرها و المدافعين عن حقوقها و بين أفعالهم المناقضة التي تخالف ظاهر كلامهم و بطلان زعمهم .
و أخيراً أين الفكر المتنوِّر للضغط على التراث المتحيز للذكر و مساءلته لتفكيك بنية العقلية الذكورية ، و تفتيت أسس القبلية ، و تمزيق ثقافة الإقصاء ، و تصفية الوعي و تنقيحه من كل إعوجاجٍ ؟
لن يحدث ذلك ما لم تستطيع المراة التحرر من عقلية الإذعان للضمير الاجتماعيِّ حينما جعلت نفسها دمىً بيد الرجل ، ترضح لمشيئته ، يحركها كخاتمٍ في إصبعه ، و ما لم تتكاتف مع بعضهن لكسر تلك القيود .
طالما هي التي تتحمل الوزر الأكبر من مأساتها و ذلك بالاستسلام الكامل و سكوتها بالإذعان و القبول بمصيرها البائس .