النِسوية الإسلامية: هل من تناقض في المصطلحات؟



سارة حبيب
2020 / 11 / 30

غالية جلول – ترجمة: سارة حبيب

تنتقد النسوية الإسلامية النظام البطريركي الإسلامي من خلال إضفاء الطابع التاريخي على مصادر السلطة الدينية وإعادة تأويلها. النسوية العلمانية، من ناحية أخرى، تستبعد إمكانية أي توافق بين النسوية والإسلام. في هذه المقالة، تُراجِعُ الباحثة الاجتماعية البلجيكية غالية جلول النقاشات الدائرة في هذا المجال، وتقترح طريقة لتجاوز تلك الثنائيات الضيقة.

«النسوية الإسلامية» هي تيار فكري حديث العهد نسبياً، طَوّرته شبكة من الناشطات عابرة للقوميات في سياقات سياسية-اجتماعية متباينة إلى حدّ بعيد.1 تهتم النسويات الإسلاميات بتطوير قراءة أخلاقية لدعامتيّ الإسلام، القرآن والسنّة، بُغية إيجاد تأويل ديني يدعم وجهة نظرهنّ النسوية. هكذا يصبح من المشروع الحديث عن إنتاج خطاب إسلامي جديد، وعن تملّك ما هو ديني، بمعنىً عام.

تُجري النسويات الإسلاميات مراجعة نقدية للتفاسير الكلاسيكية للمصادر الإسلامية، ويُقدّمنَ تفسيرات جديدة لهذه الأخيرة تهدف إلى تحقيق مساواة سياسية اجتماعية واقتصادية بين الرجال والنساء. لتحقيق هذا الغرض، تتّبع النسويات الإسلاميات منهجاً ديناميكيّاً جندرياً يربط التعاليم الموجودة في الحديث2 ـــــــــ أقوال النبي محمد وأفعاله التي دوّنها الصحابة ــــــــــ بالسياق الاجتماعي والسياسي لِـ «الوحي»، بدلاً من ربطها بــ«رسالة» يُفترض أنها لا تخضع للزمن، وبما تنطوي عليه من مثال أعلى للمساواة والعدالة الاجتماعية. بإضفاء الطابع التاريخي على المصادر بهذه الطريقة، تعطي النسويات الإسلاميات طابعاً نسبياً للنتائج المترتبة على ذلك في التشريع، ويفكّكنَ شرعية «المنظومة البطريركية» التقليدية3 المتبلورة في مفاهيم رئيسية معينة مثل مفهوم «القِوامة»4.

غالباً ما تشير الكتابات التي تتناول النسوية الإسلامية إلى طابعها «المتناقض»، أو تتحدث عنها باعتبارها ضرباً من «إرداف الخُلف» الذي يجمع بين لفظتين متناقضتين5. مع هذا، تدّعي النسويات الإسلاميات وجود إرث نسوي خاص بهنّ، على الرغم من أنهن يرينه جزءاً من عالم ذي أصول إسلامية وليست علمانية. والسؤال هنا إذاً: ما هو معنى نشاطاتهنّ؟ وإلى من يوجهنّ خطابهنّ؟

استناداً إلى النقد ما بعد الكولونيالي، تكشف النسوية الإسلامية أن مجاز «إنقاذ النساء المسلمات» هو نتاج للطبيعة الكولونيالية للسلطة6. لكن أي محاولة لتصفية استعمار الفكر تتطلب أيضاً التعالي على مفهوم الـ «ما بعد» والنظَرَ إلى التاريخ «رجوعاً»، كما يطلب منا الفيلسوف أشيل مبيمبي أن نفعل7. تقتضي عملية التعالي هذه أن نعي، منذ البداية، الطرائق التي يكون بها الماضي حاضراً، ثم أن «ننسى كيف نتعلم» بحيث نُحرّر أنفسنا من القيود الاستعمارية ونفسح المجال لانبثاق منظورات جديدة «مشتركة» في المخيلة السياسية.


النسوية الإسلامية: «كل شيء يكمن في الاسم!»
إن فهم النسوية الإسلامية من وجهة نظر تصفية الاستعمار يعني النظر في إمكانية وجودها كلّه. لم يكن للأصوات النسوية الإسلامية أن تظهر إلا عبر سيرورة تصفية الاستعمار، وسِيَر النساء اللواتي ينتمينَ إلى نُخب محلية في الجنوب. معظم أولئك النسوة تلقين قدراً من التعليم في أوروبا وأميركا الشمالية. ينطلق المنهج النقدي للنِسويات الإسلاميات من دراسات جندرية ثقافية، ما بعد كولونيالية، وتنتمي لدراسات التابع. وإذا شعرت النسويات الإسلاميات أنهنّ، لكي يكون لديهن ما يَقُلنه عن وضع المرأة، بحاجة لتحديد موقعهنّ بكونهنّ «من داخل» المجتمعات أو الجماعات الإسلامية، فإنهنَّ يَقُمنَ بذلك بُغية مقاومة الخطابات الأكاديمية، السياسية والدينية التي تعزّز ما يسميه مبيمبي «الأوهام» المتعلقة باضطهاد النساء المسلمات. بوضع أنفسهن موضع مجموعة اجتماعية مهمَّشة، تطالب النسويات الإسلاميات بحقهن في اختيار هويتهنّ بدلاً من المعاناة بسببها، وحقهنّ بالمحافظة على وعي ذاتي مضاعف باعتبارهنّ «نساء» و«نساء مسلمات» يواجهن أشكالاً عديدة من الاضطهاد.

لقد ساهمت العولمة وإمكانية الاتصال ضمن شبكات في زيادة تمكين هذه الطريقة في التفكير. ومَكَّن َهذا النسوية الإسلامية من أن تصبح عالمية وعابرة للقوميات: ما كان في السابق «هوية مقاومة» أصبح «هوية مشروع»8. تتحدث النسوية الإسلامية باسم النساء اللواتي يرفضن الاختيار بين «الطريق إلى التحرر النسوي» و«انتمائهنّ» إلى الإسلام بوصفه ديناً وثقافة. وبتحديد موقعهنّ كنساء مسلمات لسنَ بحكم الواقع عمياوات أو سلبيات تجاه السلطة البطريركية، تهدف النسويات الإسلاميات إلى إنتاج بديل عن النسوية العلمانية التي تستبعد أي شكل للمرجعية الدينية. بهذا المعنى، تكون النسوية الإسلامية «ممارسةً» أكثر منها «موقفاً»9. ومن أجل تأكيد «هوية المشروع» هذه، تنادي أولئك الناشطات بوجود وجهة نظر خاصة متموضعة داخل المجتمعات الدينية. إنهن يحاولنَ أن يُركّزنَ صراعهن وجهودهن النسوية المعادية للتحيز (الجهاد) على تفكيك وإعادة صياغة تصنيفات «مسلمة» و«نسوية» التي يُفترض أن واحدها يستبعد الآخر. بالإضافة إلى «المشكلة»10 التي تثيرها النسويات الإسلاميات، التكتيك الكامن وراء المصطلح هو كفاحهنّ ليظهرن أنهن «سوف يتولينَ مسؤولية تحررهنّ». وبتوسيع شعارهن النسوي بهذه الطريقة، تُنتج النسويات الإسلاميات خطاباً يفترض وجهة نظر ذاتية المنشأ: بمعنى أنها في الوقت ذاته «مبنيّة على» و «تُقِرّ بـِ» وضعهنّ كنساء مسلمات. في هذا الصدد، تتحدى النسويات الإسلاميات كلّاً من الاحتكار الذي تدّعيه السلطات الإسلامية واحتكار نسوية علمانية مُحدَّدة تستبعدهنّ من التضامن النسوي. ومثل نبوءات ذاتية التحقق، يقيّد كلا الموقفين النسويات الإسلاميات وأعضاء آخرين من عائلاتهم وجماعاتهم.


عالمٌ ما بعد كولونيالي ليَرِثهُنّ وفعل نسوي ليتقاسَمَهُنّ
غالباً ما تُلام النسويات الإسلاميات في السياقات العلمانية لأنهن قمن بتحوير «التراث الخطابي» للإسلام من أجل الحديث عن الحقوق السياسية والاجتماعية11. بِزجّ أنفسهنَّ في مسألة حفظ الدين، تُتهم النسويات الإسلاميات بالتشكيك بواحد من الأسس المفاهيمية للديمقراطية، ألا هو الفصل بين المجالات المختلفة. على الرغم من مشروعية هذا النقد، إلا أنه يفشل في أن يأخذ بعين الاعتبار حاجة النسويات الإسلاميات للتشكيك بالقوانين الدينية. لأنهن حتى وإن كنّ محظوظات بما يكفي ليعِشنَ في ظل نُظُم سياسية تدرك أساساً حقوقهنّ في المساواة، إلا أن محيطهنّ الشخصي، على أقل تقدير، سيكون غالباً مشبعاً بالثقافة الدينية البطريركية. وعندما تكون هذه الثقافة مشرَّعة ومفروضة بواسطة قوانين الدولة، يصبح تجنبها أمراً مستحيلاً.


بالإضافة إلى ذلك، إن النظر إلى «الإسلام» و«الديمقراطية» باعتبارهما في حالة صراع دائم يعني رمزياً استبعاد تمثيل جزء من الجماعة القومية. هكذا تصبح الهوية الدينية إثنية. يعزّز هذا النوع من التمييز اتجاهات محددة في الإسلام السياسي. ويستخدم قادة الجماعات، الذين نصَّبوا أنفسهم متحدثين باسمها، هذا التمييز لتوحيد جمهورهم عبر وضعهم ضمن فئات دينية-إثنية ثابتة.

lnswy_lslmy_hl_mn_tnqd_fy_lmstlht-web.jpg

من وجهة نظري، تشكّل هذه الثنائية الزائفة بين «الإسلام» و«الديمقراطية» سمة مميزة للحظة فاصلة من التاريخ «ما بعد الكولونيالي» الذي نعيش فيه. نحن نؤمن بسيرورة عَلمَنة لا رجعة فيها وبمجتمعات تصبح مُعمّمة، لكن يبدو أننا نتفاجأ بـِ «عودة» الديني (على افتراض أنه غادر يوماً)، على شكل «إعادة أسلمة» المجتمعات والجماعات الإسلامية.

قد تكون النسويات الإسلاميات تجليّاً لتحوّلٍ يجمع حركات العلمنة والأسلمة. إذ أنهن، بِشنّ معركتهنّ ضد النظام البطريركي المتمظهر في الإسلام وضد الإسلاموفوبيا المتمظهرة في النسوية، يقمن بربط السياسي والديني بطريقة تنزع صفة القداسة عن العلاقات بين الجنسين وتنزع عن الإسلام صفته التقليدية. لقد كانت النسوية الإسلامية عبر عقود أداة لطُرُق مختلفة من تصوير العلاقات بين الجنسين، ومَكَّنت من ظهور ممارسات دينية جديدة وأشكال معينة من التقدم القضائي.

بوضعهن تبعية النساء موضع شك، تؤسس النسويات الإسلاميات لتملّك حقوقٍ ترمي إلى الحصول على استقلال النساء على مستوى ديني. لكن النقد العلماني ضد النسويات الإسلاميات، والذي يرفض أن يمنحهن لقب «نسويات»، يتجاهل الجهود التي بذلتها أولئك الناشطات لإدخال ولو أثر طفيف من الديمقراطية إلى الحيّز الديني.

نحو تهجين المعايير اليومية

واحد من الرموز التي تدور حولها هذه المجابهة باستمرار هو الحجاب. وقد برز هذا الجدال من جديد في بلجيكا المتحدثة بالفرنسية في أيلول 2016، عقب ظهور صفحة الويب المعنونة «مواطنات، نسويات ومسلمات»12. رد فعل ناديا غيرتس، نسوية علمانية بلجيكية، على المدونة المعنونة: «رسالة مفتوحة للمواطنات المسلمات اللواتي هنّ “محجبات” و”نسويات”» هو نموذجٌ عن «الطريق المسدود» الذي ينتج عن هذه المجابهة بين «الإسلام» و«الديمقراطية»13.


جاءت صفحة الويب هذه كردّ فعل على منع البوركيني على الشواطئ الجنوبية لفرنسا في تموز وآب عام 2016، والذي أثار جواً من القلق أجّجته الأعمال الإرهابية التي نفذتها داعش في فرنسا وبلجيكا. وقد اتخذت الصفحة شكل مناشدة: «في بلجيكا، تتزايد الإجراءات التي تهدف إلى استبعاد النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب من الحياة الاجتماعية. لا تجبرونا على الانسحاب إلى جماعاتنا؛ دعونا نكون حلفاء». لكن غيرتس رفضت اليد الممدودة، وبرّرت هذا الرفض بأنها تعتبر الحجاب رمزاً للاضطهاد ساعد في تعزيز الإسلاموية التي شكّلت بدورها تهديداً لِـ «الديمقراطية». هذا على الرغم من أن الجماعة القائمة على صفحة الويب كانت في الحقيقة تدعو النساء اللواتي اخترنَ ارتداء الحجاب لأن يفعلن ذلك بناء على تأويلهن الفردي الخاص. وبالإقرار بهذه الفردية، كان هؤلاء ينكرون أي تواطؤ مع «القتلة».

إذا اعتبرنا أن النساء اللواتي يرتدين الحجاب يمثلّن الإسلام والإسلاموية، أكثر من كونهن عالقات في علاقات الجنسين، فإننا بهذا نعيد إنتاج فئة إثنية ودينية من أجل تبرير إقصائهنّ عن التضامن النسوي. بالمقابل، إذا قبلنا خيار ارتداء الحجاب باسم الحق بـِ (وإدراك) الاختلاف، فإننا بهذا نسمح بخلق شكل هجين من تراث ديني (خطابي) وإطار سياسي ديمقراطي.


الظروف الاقتصادية-الاجتماعية، وغياب المركز الاجتماعي والثقافي، هي الأمور التي تؤثر، في المقام الأول، على أشكال اندماج الناشطات النسويات الإسلاميات. إن اللواتي تأثّرنَ بشكل خاص بالنبذ المكاني والاجتماعي، واللواتي اختبرنَ شعوراً بالاختلاف منذ عهد المدرسة، يَكُنّ فاعلات في المشهد السياسي-الاجتماعي باعتبارهنّ أعضاء منتمين إلى جماعة دينية وإثنية. بينما تعبّر الأخريات، اللواتي هنّ أكثر حركة مكانياً واجتماعياً، عن آرائهنّ عبر منابر أكاديمية ودينية، مقدمين أنفسهنّ كأفراد كامليّ العضوية «ضمن» و«بعيداً» عن انتمائهنّ الديني في الآن ذاته. تستفيد النسويات الإسلاميات البلجيكيات المتحدثات بالفرنسية من المؤلفات الدينية من أجل إعادة بناء الرابط الإثني (الإسلام كمحرك للتضامن بين أفراد الجماعة)، ولإزالة الروابط المفروضة من قبل المجموعة الإثنية والدينية (الإسلام كرابط بين الأجيال، مترافقاً مع ممارسات متحيزة جنسياً). في كل هذه الأمثلة، تجد النسويات مصدر التزامهنّ في «مواطنَتهن»، أي في عضويتهن المعيارية في نظام ديمقراطي ووفق مبدأ المساواة بين أفراده.

إنّنا نعيش في سياق عالمي يحكمه الصراع، سياق يجد فيه «الإسلام» و«الديمقراطية» صعوبة في إيجاد سبيل للتعايش. لكن أليست النسوية، كشكل للثورة، حاملاً لرسالة عابرة للثقافات، رسالة للاعتراف ببشرية متساوية؟ أليست معركة ضد كل شيء يجعل النساء مُغيَّبات، وضد تشريع العنف تجاه المرأة؟ كيف يمكن، إذاً، لبعض اتجاهات النِسوية العلمانية أن ترفض أي تضامن مع نسوية إسلامية تحارب ضد ثقافة الاغتصاب، مثلاً، عبر رفض صحة أو تفسير المصادر التي تبرّر حق الرجل بالتحكم بجسد زوجته ومعاقبتها في حال عصت أوامره؟ بأخذهنّ التراث الديني على محمل الجد، تساعد النسويات الإسلاميات في إمكانية تطويره.


تصفية استعمار النسوية الإسلامية؟
بعد مناقشة إسهام النسوية الإسلامية في الفكر النسوي، دعونا نلتفت إلى حدودها ما بعد الحداثوية وما بعد الكولونيالية. في كتابها تصفية استعمار النسوية: مقاربة عابرة للثقافات14، تنتقد سمية المستيري النسوية الإسلامية لأنها استبدلت بصورة «النساء المسلمات اللواتي يحتجنَ إنقاذاً» (أسطورة شهرزاد) صورة النساء اللواتي يبرّرن السلطة البطريركية (أسطورة «فاطمة»).


وفقاً للمستيري، على الرغم من أن النسويات الإسلاميات يستخدمن الشرعية الدينية كأداة، إلا أنهن منخرطات في إعادة إنتاج شكل من أشكال الكولونيالية يضع البشر في فئات إثنية-عرقية ثابتة، تبعاً للولاء الديني في هذه الحالة. وموقفهن هذا، المتّسم بحاجة «لتبرير» الإسلام، إنما يكبح تطلعاتهنّ إلى إصلاحه. بالإضافة إلى ذلك، تنتقد المستيري النسويات الإسلاميات لكونهن مستعدات للحديث عن «تكامل» الجنسين و، بالنتيجة، وضع النقاش الكياني (الأنطولوجي) قبل النقاش السياسي، بدلاً من رفضه تحت اسم النضال ضد الحكم البطريركي. من وجهة نظر المستيري، النسويات الإسلاميات «يحددنَ كمبدأ لهنّ فكرة أن السلطة البطريركية هي شرٌّ يمكن أن نتغلب عليه، شريطة أن نقرأ النصوص المقدسة بشكل صحيح. والمشكلة في هذا النوع من التفكير أنه لا يأخذ على محمل الجد مهمة التفكيك التي يُفترض أن تقوم بها النسويات الإسلاميات»15.15. المصدر السابق نفسه.


ما الذي تقترحه المستيري إذاً؟ يمكن التغلب على كولونيالية السلطة، تقول المستيري، بقبول فكرة أن «الثغرات ليس مُقدَّراً لها بالضرورة أن تختفي؛ ووجودها ليس مترادفاً مع الهزيمة». «النسوية الحدودية» التي تقترحها المستيري تتطلب منّا تبني طريقة تفكير حدودية متغيّرة، طريقة ليست ثابتة: طريقة نقوم فيها «بالتفكير وفق مفاهيم ثنائية بدلاً من تصنيف العالم إلى ثنائيات». وفقاً للمستيري، لقد أخطأت النسويات الإسلاميات عدوهن الرئيسي؛ إنهن «يحاولن إنكار الحدود»، بينما، في اعتقادها، «الحدود هي الشرط الضروري لأيّ انسجام نظري». ولأنهنّ يبنين حراكهنّ النسوي على التراث الخطابي الذي يعيد إنتاج الإطار المفهومي الإثني-الديني السائد الذي وضعته الطبيعة الكولونيالية للسلطة، فإن النسويات الإسلاميات محكومات بالبقاء منغلقات في حدود «الـ ما بعد». بالنتيجة، العمل المطلوب من أجل فتح أفق لنِسوية مرتبطة بتصفية الاستعمار تشمل الجميع، سواء أكانوا ينتمون إلى ثقافة ودين وتقاليد إسلامية أم لم يكونوا، سوف يشمل «نسيان كيف نتعلم» والكف عن تعلم الشيء ذاته بطريقة أخرى.

في بناء أفكارها على الدراسات ما بعد الكولونيالية لكي تلائم الحديث في السياق الأكاديمي، تبدو النسوية الإسلامية، أولاً وقبل كل شيء، مكاناً للتفكيك الفكري للسلطة البطريركية وللعنصرية، مكاناً تكافح فيه أولئك الباحثات والناشطات لإزالة فئة «النساء المسلمات» من موقع التبعية، من أجل أن يتم سماعهنّ والاعتراف بهنّ من قبل النسويين الآخرين في المقام الأول، ومن ثم من قبل المكافحين ضد العنصرية. لكنهن، كما أشارت المستيري، يفتقدن للمؤيدين. وحقيقة أن النسوية الإسلامية قد أصبحت عابرة للقوميات منذ العقد الأخير وحتى الآن ليست بالضرورة مؤشراً على ازدياد تأييدها من قبل المؤمنين العاديين، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً.

النسوية الحدودية التي تدعو إليها المستيري مثيرة للاهتمام فعلاً، لا سيما أنها تدرك إسهام النسوية الإسلامية في إنشاء مقاربة مرتبطة بتصفية الاستعمار. تقترح المستيري أننا يجب ألّا نطبّق تأويلات المجتمعات التي يُشتق أفقها السياسي من تراث فكري علماني على مجتمعات تعود إلى مناطق من العالم خبرت مسارات سياسية مختلفة. تأخذ المستيري الحاجة لمهاجمة الحقل الديني على محمل الجد، بما أنه يتحكم بمفاتيح العالم المحلي. ومن خلال قيامها بذلك، فإن المستيري توضح كيف تعمل النسوية الإسلامية على إرجاع النسوية العلمانية إلى جغرافيتها المحلية عبر إظهار حدود تفكير هذه الأخيرة التي تدّعي «الكونية» أو «الشمول». في الوقت ذاته، تحذر المستيري من «التوقف عند هذا الحد»، بحيث لا يعاد إنتاج عملية التغيير. بهذا المعنى، يقدم مسار تصفية الاستعمار إمكانية تخيل ما هو «مشترك بيننا» (وفق تعبير مبيمبي)، والذي هو بالضرورة تعددي عالمي ويجب أن يتم بناؤه عند الحد الذي تلتقي عنده وجهات النظر المختلفة هذه.