مشروع الزواج من زاوية أُخرى



بكر محي طه
2020 / 12 / 5

متى تتزوج؟ عمرك كبير...
متى تتزوجين؟ لا يفوتك القطار...
أسئلة باتت تمثل روتيناً قاتلاً وخانق، يتم تداولها في المجتمع وبشكل يومي لاتنم الا عن جهلٍ وسطحية فكرية تجاه الارتباط وتكوين الاسرة وكانما حلول مشاكل البشرية اجمع مرتبط بالزواج!، فمن المتعارف عليه بان الزواج هو رباط مقدس بين شخصين اتفقا مُسبقاً على العيش معاً والمشاركة في حياة الاخر بشكلٍ ايجابي للدفع نحو معيشة رفاهٍ وتفاهم للتغلب على مصاعب الحياة المتجددة يومياً.
اذ لايمكن اعتبار الزواج مصداً للرياح العاتية (المشاكل) والتي تعصف بالبشرية منذ القدم، فهل من الممكن اعتبار الفيضانات او الاعاصير او حتى الفشل في ادارة العمل سببه هو عدم الاقتران او عدم الاستقرار اسرياً منطقياً كلا فلكل مشكلة بداية وتفاصيل تختلف عن المشكلة التي قبلها او التي تليها، الامر الذي سيحول دون اللجوء الى خيار الزواج بسبب الظروف الراهنة القهرية او حتى الشخصية للفرد.
فمن الممكن ان يكون الزواج خطوة سلبية في بعض المواقف وخاصة في حالات عدم التوافق الاجتماعي او الفكري او حتى الاقتصادي، وكذلك عدم القناعة بالفكرة من الاساس وهذا يعود لعدة اسباب اهمها تجارب او حالات اقتران باءت بالفشل أو التركة الثقلية الامر الذي دفع هؤلاء الى الاعتقاد بأن الامر يستكرر معهم، وهنا صار الموضوع قناعة تامة بان الزواج ما هو الا مشروعٍ فاشل.
والجدير بالذكر فقد يتحمل المرء اي شكلٍ من أشكال الفشل في حياته الشخصية أو العملية ويتعايش معه إلا الانفصال من الشريك كونهُ كان يشكل جزءاً مهماً من حياته ومن الصعب ان يتناسى الامر بسهولة، وفي بعض الاحيان قد يذهب الى الكآبة الحادة أو حتى الانتحار.
وهذا الامر بات يشكل تهديداً مباشراً على الحياة الاسرية وخاصة في المجتمع الشرقي الذي صار اليوم بيئة خصبة لحالات الانفصال والتفريق والحضانة للاطفال وغيرها، والسبب الرئيسي يعود لعادات وتقاليد جائرة مازالت تتحكم بشرائح كبيرة من المجتمع، ومن اهمها النهوة على ابنة العم والدية (الفصلية) وكذلك ما يشاع محلياً وهو الاكثر خطورة "زوحوه فلانة جيدة وبنت اصول حتى يعقل!".
كارثة مابعدها كارثة ان يرتبط شخص عديم المسؤولية بآخر ملتزم خرج من بيئة اكثر التزاماً وتحفظاً لمجرد المال الوفير او الجاه او للتغلب على جملة "حتى لا تعنس" على اعتبار ان من في عمرها قد تزوجوا مبكراً، وهذا الامر بات يمثل واقعاً مخيفاً يهدد السلم المجتمعي والاجيال القادمة التي نشأت تحت طائلة الرعب والتعنيف داخل الاسرة والتأثر بالاحداث الجارية وتقلباتها خارج الاسرة، بسبب الجهل والسطحية التي تشكل غمامة كبيرة على المجتمع وخاصة بظل الازمة الاقتصادية التي سببها فايروس كورونا.
ولو دققنا أكثر في الاسباب الحقيقية التي تقف وراء سلبيات زواج اليوم لوجدنا ما يأتي:
1- إنعدام المسؤولية لاحد أطراف الزواج أو الاثنين معاً تجاه مشروع مهم سيرسم مستقبلهم ويحدد طريقة واسلوب حياتهم.
2- الثقة المعدومة أو الضعيفة سواءً بالشريك أو بالنفس والتي تتلخص في الشك بأن المقابل يخون او يخفي علاقات سابقة أو يتستر على علاقة حالية، أو الاكثر سلبيةً وهو عدم النظر الى الشريك بمستوىً انساني وإنما نظرة الدون او النظرة الفوقية التي جاءت نتيجة زواج المصالح أو الطمع أو كما يشاع محلياً زواج التلصيق (زواج التلزيك).
3- التدخل بأمور خاصة تخص الاهل أو الاقارب لينتهي الامر بعدها بالتعاير سواءً الرجل لزوجته أو العكس.
4- التقليد الاعمى لحياة الغير أو محاولة الظهور بشكل يختلف عن الواقع الذي تعيشه اسرتهم مما يسبب فجوات وتباعدات داخل الاسرة وخاصة الابناء مستقبلاً سينمو معهم إحساس النقص الدائم والذي سيعرضهم الى عقد نفسية قد تترجم في بعض الاحيان الى تنمر على الغير في محاولة للتعويض عن واقع يفتقدوه.
5- الاختلافات الفكرية والقناعات والالتزامات الاسرية والدينية والتي من شأنها قد تتعارض مع احد الاطراف، الامر الذي سيخلق مشاكل قد تظهر اثارها على الابناء مستقبلاً.
6- الجانب المادي والذي يعتبر الاساس في بناء الاسرة، فلا يمكن البدأ بإنشاء اسرة والشخص لايستطيع تأمين قوت يومه وفي المقابل ينجب اكثر من ستة اطفال وهنا سيواجه مصير اظلم كونه لايستطيع تامين حياة محترمة تليق بهم الامر الذي سيضطرهم الى العمل وهم في سن صغيرة لندخل في مشكلة اكبر الا وهي عمالة الاطفال التي اخذت تزداد في الاونة الاخيرة.
وكرأيٍ شخصي أجد بأن الزواج يبنى على أساس مستوى الثقافة الفكرية للفرد ومدى تقبلها لحاجات الشريك والتي تعتمد على الصراحة والشفافية وليس على اساس الشهادة أو سمعة الاسرة أو حتى مايملكه الفرد من ماديات، كون الزواج ليس مشروع شراكة اسرية فحسب بل هو تجربة العيش مع المشتركات والاختلافات مع الشريك ولمدى الحياة حتى يفرقهم الموت، وبالتالي فأن اغلب الامور ستزول ويبقى معدن الانسان وذاته الداخلية (نفسيته) هي من ستُحدد تعامله مع الشريك سواءً كان بالسلب أو الايجاب، لذلك فأن الصراحة تلعب دور مهم في الموضوع.
أما عن الزواج الناجح فيمكن تحقيقه من خلال ما يأتي:
1- النضوج الفكري والقدرة على تخطي المشاكل الكبيرة المصيرية الامر الذي سيضعف الامور والمشاكل السطحية -والتي تعتبر من المسلمات- أو سليغي وجودها أصلاً.
2- المساحة الخاصة لكل فرد أمرٍ ضروري فهي تعتبر حديقة خلفية بعيدة عن روتين الحياة بغض النظر عن ماهيتها فقد تكون هواية أو عمل أو حتى جهود شخصية تجاه موضوع أو امر ما، فلا يحق للشريك التدخل بها إلا اذا طلب منه ذلك.
3- الثقة بالنفس ومن ثم الثقة بالشخص المقابل من خلال الاختيار وفق مبدأ هو مكافئ لي في العقلية والطموح والتفكير، لاجل التواصل الفكري والحلول المنطقية والتي تتناسب معهم وان كانت هناك فروقات بسيطة يمكن تحاشيها للحفاظ على الرباط الاسري.
4- الاحترام المتبادل والذي يعد اساس في بناء الاسرة، فكما انت تريد تقديراً واحتراماً عليك ان تعطي نفس الشيء للشريك كونه ليس اقل منك شأناً فهو انسان وله مشاعر واحاسيس.
5- العيش كما يريدون وفق نظام خاص بهم يحددوه بأنفسهم لا كما يريد الاهل او الاقرباء او حتى الناس لان الحياة نعيشها مرة فليس من العيب ان نعيشها كما نحب ولكن المعيب هو تضييعها في ارضاء الغير.
5- عدم التدخل بحياة الاخرين والعكس صحيح لان كل انسان حر في ما يلبس ويعمل وفي النهاية هو من يتحمل جريرة عمله لا اسرته ولا اقربائه، الامر الذي سيخلق ترابط أُسري اقوى داخل الاسرة.
6- لا عيب في ان يكون الانسان عصامي ويبدأ من الصفر ويُكون حاله المادي بنفسه، فمتى ما يكون جاهزاً لفتح بيتٍ وإعالة اسرة والتكفل بكل احتياجاتها ومتطلباتها والصبر على بناء اقصى اجواء الطمأنينة والالفة، فأن زواجه سيكون بالتأكيد ناجحاً فيما عدا منغصات الحياة الروتينية، لكن تبقى الحالة المادية ذات اهمية بمقابل الوعي الكامل لموضوع الانجاب وعدد الاطفال حتى لايكونوا عبئاً وكثرة بلا هدف مستقبلاً.
وفي المحصلة النهائية فأن الثقة بالمقابل (الشريك) قبل الزواج أهم من الزواج نفسه.