شبكات الكراهية : بحث في عداء المرأة الهاذي في أوطاننا



إقبال الغربي
2020 / 12 / 9

شبكات الكراهية : بحث في عداء المرأة الهاذي في أوطاننا .

يتنامى اليوم الخطاب المعادي للمرأة في أوطاننا حني أننا أصبحنا نسمع صداه في وسائل الإعلام و في أكثر المؤسسات ديمقراطية و حداثة مثل البرلمانات .
إن كراهية المرأة و عداءها ليست مشكلة النساء فحسب . أنها سمة من تناذر أي سلسلة من الميول الرجعية الخطيرة التي تهدد امن المجتمعات .
اذ غالبا ما يصاحب عداء المرأة التعصب و التطرف و تحقير الأقليات و النزعة إلى العنف و العدوانية . و يؤثر عداء المرأة على المزاج العام و على السيكولوجيا الجماعية إذ يشجع الناس على الاعتقاد بان التحامل و التمييز ضد مجموعة معينة أو حتى ممارسة العنف ضدها هي أمور عادية و مقبولة .
و يمكننا أن نتساءل حول عوامل و أسباب كراهية المرأة في ديار الإسلام . ولعل التأويل السيكولوجي يساعدنا على فهم عالم التعصب و التطرف الذي هو مجال المخاوف العصابية و الهلوسات الذهانية بامتياز.
فما هي الجذور السيكولوجية للخطاب المعادي للمرأة في بلداننا ؟
يخبرنا مؤسس التحليل النفسي فرويد أن الكراهية هي جزء من الطبيعة البشرية و أن عاطفتي الحب و الكره متلازمتان.
و تعمق العالمة النفسانية ميلاني كلاين هذه المقولة بل و تؤكد وجود تفاعل دائم و مستمر بين الحب و الحقد . الموضوع الأول في الحب و الكراهية بالنسبة لهذه المحللة هو الأم المرغوبة و المكروهة في نفس الوقت بكل القسوة و الحدة التي تميز انفعالات الرضيع الأولية. فعندما تشبع الأم حاجات رضيعها و تسد جوعه فهو يحبها و عندما تتأخر عن تلبية حاجياته و تحبط رغباته و يشعر بالحرمان و القلق و الألم تتأجج مشاعر الكراهية و العدوانية تجاهها . طبعا عناية الأم الدائمة و محبتها اللامشروطة تولد لدي الرضيع مشاعر الاعتراف بالجميل و الامتنان و تساعده على تجاوز محنة ازدواجية الحب و الحقد و على التحكم في الدوافع العدوانية لاحقا . إذن الرابطة الأولية مع الأم تحدد نمط و شكل العلاقات المستقبلية مع الآخرين . فالمتطرف الحقود هو مبدئيا طفل عجزت أمه عن بناء مناعته النفسية و ترميم ثقته بنفسه مما سبب له جرحا نرجسيا و خصاء مذلا . هذه العلاقة السقيمة مع الأم سوف تنعكس في خطابات و علاقات لاعقلانية مع المرأة نشاهد آثارها اليوم عند بعض الأحزاب و التيارات .

من الأسباب التي تغذي خطاب و مشاعر الكراهية تجاه المرأة نجد :

1) الأزمة الاقتصادية .
يبحث الخطاب المتطرف على الأمن و الطمأنينة و راحة البال . فهو يواجه هذا العالم بتفسيرات بسيطة و قليلة التكلفة نفسيا و عقليا لا تتعب مريده المنهكين أصلا.
سرعت الأزمات الاقتصادية تفكك المجتمعات و تهميشها ، فالمنوال التنموي الرأسمالي لم يعطي الرفاهة الموعودة بل عكسها و نقيضها . حيث تحولت أحزمة المدن إلى مصانع للعنف و الجريمة نتيجة اقتلاع الآلاف من بيئتهم الأصلية و عجز السياسات الحالية عن إدماجهم في المؤسسات التعليمية أو الدوائر الاقتصادية العصرية و تفشي اليأس من المستقبل. لدي هذه الجموع المقصاة من الحداثة الاستهلاكية المستفزة يجد الخطاب المعادي للمرأة صدى ايجابيا . فالحل الأمثل بالنسبة لها هو الرجوع إلى الطبيعة إلى الفطرة الأولى إلى العصور الذهبية . فالطبيعة حددت الأدوار و الهويات الجنسية بكل دقة و ثبات . فمهمة المرأة هي الحفاظ على الأمة و على النسل من خلال إنجاب عدد كبير من الأطفال و رعايتهم وفقا للمعايير الأخلاقية التقليدية بينما تبرز مهمة الرجل من خلال صورة الجندي المستعد لحماية نسائه و أطفاله و عقيدته . كما ام تقسيم العمل القائم على الدونية الجوهرانية للمرأة هو أمر صادر عن الطبيعة أو عن الله لخيرها وخير مجتمعها. و بالتالي فكل حياد عن هذا التقسيم يؤدي ضرورة إلى الفوضى و بأس المصير ..

2) رهاب المساواة و منطق المنافسة
أول ضحيا البطالة في عالمنا العربي هم الشباب الطامح إلى الاندماج و استثمار مؤهلاته في سوق شغل ميؤس منه.
و غالبا ما يكون هذا الشباب الطموح فريسة سهلة للتحريض المتطرف و المعادي للمرأة الذي يخاطب فيه غرائزه البدائية و يوفر له شماعة لتعليق فشله .
المعروف انه في ضل الأزمات عندما تنحسر الآفاق و تتضاءل الإمكانيات ينصرف الأفراد إلى التسابق لتامين حياتهم و يعاش نجاح الآخر المنافس - المرأة - كعدوان ضد الذات و كتهديد للانا فتتأجج الغيرة و تتنامى الأحقاد .
فمن الطبيعي أن تجد المقولات الاقصائية و التبريرات المضللة التي تدعو إلى بقاء المرأة - العورة - في المنزل للإنجاب و تربية النشء عوض التهالك على غزو سوق الشغل و حرمان الرجال من الوظائف صدى . فالخطاب التحريضي لا يتوجه إلى العقل و لا يبحث عن الأسباب العميقة و المتشعبة لازمة البطالة و لا يحلل هيكلة المنظومة الاقتصادية الحالية ، بل يخاطب الاحباطات و المخاوف و يريد فقط تسمية كبش فداء يسقط عليه البؤساء عدوانيتهم و يريحهم من شبهات الضعف و القصور البشري . الخطاب التحريضي لا يصنع الحلول بل يعد متابعيه بتحويلهم من ضحايا يثيرون الشفقة إلى جلادين يرهبون النساء ينادون بقبرهم فعليا أو رمزيا .

3) الكراهية هي الطريق إلى الهوية
يعيش المتطرف العولمة ،التي هي تدامج السوق الرأسمالية الدولية في اقتصاد مفتوح على بعضه بعضا ، كاندثار للثوابت الثقافية و الاجتماعية و الجنسية كتفريغ للهوية التي يختزلها طبعا في البعد الديني . بينما يتفق الجميع على أن الهوية مسار ديناميكي و منظومة متكاملة مترابطة قائمة على الاستمرارية و الكلية و التمايز . وهي تتكون من جانب انطولوجي و معنوي يتمثل في تشرب قيم و معايير المجموعة و جانب قيمي يلبي حاجة تقدير الذات و الانسجام مع الدور الاجتماعي المتعارف عليه و جانب براغماتي أو الواقعي أي التكيف و التأقلم مع مستجدات الواقع المتحول بطريقة مرنة و جدلية . المتطرف يعيش أزمة الهوية بشكل مأساوي . كجرح نرجسي، كانهيار لمنزلته الاجتماعية و الرمزية . لذلك نراه يتشبث بالثوابت المتعالية على الزمان و المكان و يشيطن كل من يخرج عن "صحيح الدين" و خاصة المرأة التي اقتحمت سوق الشغل و نزعت الحجاب واختارت زوجها بكل حرية و أكدت ملكيتها لعقلها و لجسدها . ذلك أن تحرر المرأة فتنة تقوض المجتمعات التقليدية القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فهو عدوانا على ملكية الزوج . كما يعاش هذا التحرر كتمرد ضد حقوق الزوج و سلطته كافتقاد لأمنه المادي و الوجداني و كانتقاص من رأسماله الرمزي أي سمعته و مكانته الاجتماعية .


4) رهاب الاختلاف و البحث عن النقاء و الطهارة .
تؤجج أزمة الهوية هوس البحث عن الطهارة و النقاوة في ضل مجموعة متجانسة و متماثلة لا تشوبها أية تناقضات تدعم هويته و ترمم ثغراتها و نقائصها . لذلك نرى المتطرف ويطالب بوحدانية الدين - بوحدانية اللغة المقدسة بوحدانية الأمة و بوحدانية الجنس أي حجب الجنس الآخر و طمس الأنثوي و إقصائه . ويؤدي هاجس الوحدة والتوحد إلى معاداة ومحاولة نفي وفي بعض الحالات إلى إبادة كل ما ومن يهدد هذا الوهم ويكذب هذه الادعاءات الهلوسية. لماﺬا ؟ لأنه يعرض المجموعة إلى الخطر- خطر الشك - خطر زعزعة اليقينيات - خطر الانقسام - خطر التلوث. وهو ما تجسده بامتياز مقولة "الولاء و البراء " أو "نحن" و "هم " التي تعزز لديه الشّعور اللذيذ بالانتماء، والإحساس بنشوة القوّة. ولعل اخطر اختلاف يعاني منه المتطرف هو الاختلاف الجنسي الذي يطرح عنده قضية الازدواجية الجنسية و إشكالية الفحولة السامة التي لا تكتمل إلا باهانة النساء و التسلط عليهن .