إحدى عشر دقيقة ، فقط لا غير ،هي المحورالذي يدور حوله العالم.



عزيز باكوش
2020 / 12 / 24

عندما يكتب باولو كويليو مؤلف الرائعة العالمية "الخيميائي" رواية مذهلة من حجم " إحدى عشرة دقيقة " حول موضوع الجنس ، فذلك لأنه يريد أن يفهم لماذا تم تدنيسه إلى هذا الحد ؟ . وعندما يهدي الرواية إلى موريس غرافلين فلكي يرد جميلا ويؤدي واجبا تجاه موريس الذي قال له يوما "إن كتبك تحتل مكانة كبيرة في حياتي، وإنها تجعلني أحلم "ولتطييب الروح العميقة لباولو كويليو كذلك ، تلك الملكة الملتاعة التي تسكنه، والتي تريد منه التحدث عما يشغلها ،وليس عما يود الناس سماعه"
وتحكي روايته الذائعة الصيت " إحدى عشرة دقيقة" ترجمة ماري طوق وأنجز التدقيق اللغوي روحي طعمة، قصة بطلة تدعى "ماريا" شابة جميلة جاءت من شمال شرقي البرازيل، تحمل معها من سن المراهقة حزنا عارما. كان باستطاعتها أن تتزوج بسهولة، لكنها لم تكن ترغب في ذلك قبل أن تحقق حلمها برؤية ريو دي جانيرو.
في هذا الصدد يصرح يقول کویليز "لا أدعي لكتابي دراسة للدعارة، حاولت أن أتجنب تماما الحكم على الشخصية الرئيسية بسبب اختيارها. إن ما يثير اهتمامي حقا هو الطرق المختلفة التي يقارب بها الناس موضوع الجنس". "بعض الكتب تدفعنا إلى الحلم، وبعضها الآخر يعيدنا إلى الواقع، ولكن لا مجال للتهرب مما هو الأهم بالنسبة للكاتب " الأمانة في ما يكتبه."
لم أفهم في البداية ما دلالة توصيف باولو كويليو عمله الروائي بهذا الإسم (إحدى عشرة دقيقة) ؟ ولماذا اختار هذا العنوان بالضبط ؟ لكن بعد القراءة وتسلسل أحداث ماريا بطلة الرواية وتحديدا في الصفحة 95 سيكتشف القارئ أنه من أجل هذه الإحدى عشرة دقيقة، تنشأ وتزدهر صناعة العطور وأدوات الزينة ودور الأزياء ومستحضرات التجميل والمبتكرات الطبية والرياضية لتنحيف الجسم ، وتصدر المجلات الصقيلة وتصور الأفلام الإباحية ،ويتنافس الناس على تولي المناصب الرفيعة ، إنها بكل بساطة ،كل المحور الذي يدور حوله العالم ، فقط إحدى عشرة دقيقة) وبالواضح المكشوف ، فإن السهرة التي كانت تقيمها بطلة التعري "ماريا" في إحدى الحانات الليلية ببيرن بسويسرا ، تستغرق 45دقيقة ، وإذا اقتطعنا من حسابنا الوقت الذي يستغرقه التعري والمداعبات التي تصطنع الحنان ، وتبادل بعض العبارات المستهلكة وارتداء الملابس من جديد، فإن الوقت يقتصر على إحدى عشر دقيقة ، فقط لا غير ....وهي المحورالذي يدور حوله العالم.
في الصفحة 9 من هذا العمل الروائي الملهم ،الذي نشر في الأصل باللغة البرتغالية وأعيد نشره بالإسبانية بالاتفاق مع سانت جوردي ببرشلونة بإسبانيا، يكشف الكاتب عما حصل له يوم التاسع والعشرين من ماي سنة 2002 ساعات قليلة قبل انتهائه من تأليف هذا الكتاب قائلا " ذهبت إلى مدينة لورد في فرنسا لأجلب القليل من مياه الينبوع العجائبية. كنت أقف في ساحة الكنيسة عندما اتجه نحوي رجل يناهز السبعين، وخاطبني قائلا: «هل تعرف أنك تشبه باولو كويليو..أجبته بأنني أنا هو، عانقني الرجل ويدعى موريس غرافلين وقدم لي زوجته وحفيدته، قال لي إن كتبي تحتل مكانة كبيرة في حياته، ثم ختم كلامه بالقول: «إنها تجعلني أحلم.. غالبا ما سمعت هذه الجملة، وأدخلت المسرة إلى قلبي لدى سماعها. لكني، مع ذلك، شعرت في تلك اللحظة بقلق عميق. كنت أعرف أن روايتي "إحدى عشرة دقيقة" تتناول موضوعا حساسا يحدث لدى القارئ صدمة عنيفة ومزعجة. ثم سألت الرجل عن مكان إقامته فأجابني ،شمال فرنسا قريبا من الحدود مع بلجيكا ،وسجلت اسمه في مفكرتي.
في تقديم وارف خص به الكاتب باولو كويليو سلسلة رواياته الصادرة بالعربية ، وهو في جوهره تقديم ينم عن ثقافة موسوعية وانفتاح ثقافي يستع بحجم الحضارات، يستلهم باولو موقف أحد كبار متصوفي الإسلام عندما سأله أحد تلامذته : من كان معلمك أيها المعلم ؟ وفيما إذا كان لبعضهم تأثير عليك؟ فيجيب بعد ان استغرق المتصوف حسن في التفكير دقيقة " كان هناك ثلاثة في الواقع تعلمت منهم أمورا على جانب كبير من الأهمية .أولهم كان لصا " فقد حدث يوما أن تهت في الصحراء ،ولم أتمكن من الوصول إلى البيت إلا في ساعة متأخرة جدا من الليل .وكنت أودعت جاري مفتاح البيت ولم أملك الشجاعة لإيقاظه في تلك الساعة المتأخرة . وفي النهاية ،صادفت رجلا طلبت منه المساعدة ، ففتح لي قفل الباب في لمح البصر . هذا الأمر أثار إعجابي الشديد ،ورجوته أن يعلمني كيف فعل ذلك فأخبرني أنه يعتاش من سرقة الناس لكنني كنت شديد الامتنان له ،فدعوته إلى المبيت في منزلي شهرا كاملا .كان يخرج كل ليلة وهو يقول " سأذهب إلى العمل، أما أنت فداوم على التأمل وأكثر من الصلاة . وكنت دائما أسأله عندما يعود ما إذا كان قد غنم شيئا .وكان جوابه يتخذ على الدوام منوالا واحدا لا يتغير " لم أوفق في سرقة شيء هذا المساء لكنني إذا شاء الله سأعاود المحاولة في الغد "



ولعل هذه القصة الجميلة المقتبسة من موروث التصوف في الإسلام، نجحت بقدر كبير في إبراز أن القصص والروايات كانت أحد أقدم الطرق التقليدية، التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله. وفي ما يتعلق بالكاتب باولو كانت الثقافة العربية إلى جانبه خلال معظم أيام حياته ، إذ كشفت له أمورا لم يستطع العالم الذي يعيش فيه أن يفقه معناها."
وعلى طريقة الجدات ومروياتها الخرافية يحكي الكاتب " كان ما كان، كانت هناك عاهرة تدعى ماريا. لكنه يستطرد فجأة " لحظة لو سمحتم ، كان ما كان، هذه هي العبارة المثلى للبدء بقصة خرافية للأطفال، فيما كلمة عاهرة، كلمة تستعمل للبالغين. كيف بالإمكان إذا البدء بقصة على هذا التناقض البين؟ لكن، بما أننا في كل لحظة من حياتنا، لدينا قدم في قصص الجنيات الخرافية ،وقدم أخرى في الهاوية، فلنحتفظ إذن بهذه البداية." ويتابع سرده الممتنع السهل كما لو أن لاشيء حدث . كان ما كان، كانت هناك عاهرة تدعى ماريا، ولدت عذراء بريئة ككل العاهرات ،وحلمت إبان مراهقتها، أن تلتقي فت أحلامها أرادته أن يكون ثري وذكيا وجميلا، وأن تتزوجه مرتدية ثوب الزفاف، وأن تنجب منه طفلين لا يلبثا أن يصبحا مشهورين في المستقبل، وأن تقيم في بيت جميل يشرف على البحر. كان والدها وكيلا لإحدى الشركات التجارية ووالدتها خياطة. لم يكن هناك في مدينتها نوردستا في البرازيل إلا صالة سينما واحدة، وملهى ليلي ، ووكالة مصرفية. لذا، كانت ماريا تنتظر اليوم الذي سيظهر فيه فارس أحلامها بغتة ودون سابق إنذار ،فيمتلك قلبها وتنطلق برفقته لغزو العالم.
بما أن فارس الأحلام لم يظهر، فلم يتبق لها والحالة هذه سوی الحلم. ماريا عرفت طعم الحب لأول مرة في الحادية عشرة من عمرها، عندما كانت تذهب إلى المدرسة الابتدائية سيرا على القدمين. في اليوم الأول من السنة الدراسية، أدركت أنها لم تكن وحيدة على الطريق ،وأن صبيا يسكن في الجوار يمشي على مسافة قريبة منها،"ثابرت ماريا على إذخار المال طوال سنتين، لترحل متوجهة إلى تلك المدينة الشهيرة. وعلى شاطئ كوباكابانا، تجتذب ماريا انتباه رجل أعمال سويسري، دعاها فيما بعد، لمرافقته إلى أوروبا، ووعدها بأن يجعل منها نجمة. ولأن ماريا كانت دائما على استعداد للمجازفة، انتقلت معه إلى جنيف وفي يدها عقد موقع لو قرأته بعناية، لكانت لاحظت العقدة المخفية فيه. لقد ألزمت نفسها بالعمل مقابل أجر بخس، كراقصة في ناد ليلي. ولم يطل بها الأمر حتى أصبحت عاهرة".