لماذا نقدس العذرية ؟



حنضوري حميد
2020 / 12 / 25

يقول الكاتب الجزائري أمين الزاوي " أن للدم سلطة رمزية كبيرة في مجتمعاتنا، في الختان والعذرية والحيض وفي أضحية العيد" ولهذا فلا غرابة إدا وجدنا في مجتمعنا الذكوري الهرموني المانوي التقليدي أكثر مما هو عقلاني، يقدس غشاء البكرة أكثر من الدين نفسه، ففي نظرهم البكرة هي الأصل والباقي تقليد، باعتبارها أسّ من أسس المجتمع التقليدي، بل الركيزة الأساس في بناء وصيانة الأسرة والمجتمع معا. لتبقى العذرية أو غشاء البكرة هي المعيار الوحيد والأوحد في مخيلة هؤلاء الأفراد والمجتمعات وبعض التيارات الدينية الرجعية، لإثبات الشرف وقياس العفة والأخلاق و نسب الفتاة ومدى إلتزامها بالحشمة.
أمام هذه القدسية والفكر المتحجر وتركيبة الأبستمولوجيا للمجتمعات التقليدانية القسرية الجبرية، لاحظّ لكل فتاة فقدت شرفها عن خطأ أو عرضة للاغتصاب أو حتى عن طواعية، يرفضن من قبلهم بالبت المطلق، فيبقى مصيرهم مجهول ومستقبلهم عالق. بل أكثر من هذا فإن مسألة "الشرف أو العذرية" مسألة جد مقدسة لدرجة أن الأمر قد يستدعي ارتكاب الجريمة بدريعة " حفاظ على الشرف". التقاليد والأعراف والشرف...وما جدنا عليه أباءنا وأجدادنا هي قانون وضوابط هاته المجتمعات. فحياة المرأة بأنوثتها وكينونتها ومشاعرها وأحاسيسها وعواطفها وفكرها ودورها في هذه المجتمعات، ملخصة في فكر وجماجم دعاة التقليدانية العرفية القسرية الجبرية، في كونها غشاء مطاطي يدعى "البكرة".
ستر الفضيحة، زواج الغصب، العنف المستمر، ضغوطات أسرية تعصبية ونظرة دنيوية احتقارية، امتهان الدعارة، التحرش... مصير النساء اللواتي فقدن هذا الغشاء المطاطي الملعون (الشرف تجاوزا). وضحايا هذا المجتمع الذكوري، ويبقى هذا الأخير هو الجاني وركن في صنع الضحية. فكفنا من هذا العبث وقدسية التقاليد؟ وكفانا من هذه التفهات والترهات التي لا تفض بنا إلى أيّة نتيجة، بل ترجع بنا إلى الوراء سنوات ضوئية ، إلى عصر ما قبل كبرنيك وعصور الوسطى. فقد حان الوقت أن ندرك أن فهمنا بسيط وأفقنا ضيق، وقد حان الوقت أن نفتح عيوننا على عيوبنا وننتقد أنفسنا.
فشرف المرأة لا يتمثل في غشاء مطاطي رقيق لا يتعدى مليمترات، التي يمكن أن يتقبل بأي شيء بغض النظر عن العلاقة الجنسية. فشرف المرأة يكمن في أن تتوفر على تربية أخلاقية عالية وبيئة آمنة، وتعليم جيد، ورعية صحية ممتازة، وعلى احترام وتعامل يحفظ كرامتها ورقّة ماء وجهها في المجتمع. فنقاش العذرية هذه يبقى موضوعا ونقاشا عقيما من الأحسن ألا نجعله من أولويات المجتمع، بل نهتم بمشاكل وقضايا أكبر، ونعود إلى غشاء البكرة عندما نقضي على كل أزمات ومشاكل المجتمع، من الأمية والجهل والتخلف...