العلاقات العاطفية في العمل ما بين السلب والإيجاب



بكر محي طه
2020 / 12 / 30

قد يصل المرء الى آخر بقعة في الكون في رحلة البحث عن نصفه الاخر، انساناً يراه توأم روحه يشاركه اهتماماته وافراحة واحزانه وانكساراته ونجاحاته، شخصٌ من إلتقاء نظرات العين يمكن ان يترجم ما تُخفيه حنايا الفؤاد، حكيم وناصح وساعدٌ أيمن وسند وقت الشدة، انه شريك الحياة.
وفي بعض الاحيان تبقى الرحلة مستمرة وقد لا يصل المرء الى مبتغاه ليس بسبب عدم توفر الشخص المناسب إنما لعدم توفر الصفات التي يبحث عنها في الشخص المقابل، الامر الذي يجعله يكمل مشوار الحياة لوحده أو حتى يسلبه الموت من الدنيا بدل الاختيار العشوائي الذي قد يدفع ثمنه مستقبلاً بحياة بائسة تملؤها السلبية والحكمة هنا تلعب دوراً باررزاً في الاختيار ومدى تقبل النتائج النهائية.
وعند الحديث عن العلاقة لا نعني الجنسية فقط المجردة من الاحساس ذات اللذة المؤقتة وانما الحديث هنا عن علاقات طويلة الاجل تتمحض عنها ثمرة العاطفة الفياضة (الاطفال) بدئاً من الاعجاب الى الاندماج الفكري وصولاً الى التعلق بالاخر وأخيراً الحب والذي يمثل الحالة الاخيرة من العلاقة العاطفية، والتي تتسم بالود والاحترام وتقبل آراء المقابل وإحترام رغباته.
والعاطفة لا تبنى على أساس التعاطف فقط بل ترتكز على عدة عوامل مشتركة كأن احد الاطراف او الاثنين كانوا قد تعايشوا معها مما سبب جسر للتواصل والتفاهم الفكري العميق اي ليس مجرد حكم ومواعض يتم تبادلها بل كانت خليط من المشاعر الجياشة بحزنها وفرحها ومدى إتخاذ القرار المناسب في التأقلم مع الوضع الراهن في السابق او حتى حالياً، لان الاختبار الحقيقي لمشاعر الناس هو ليس ما يروه أو يسمعوه وانما ما يحسون به بداخلهم وما يخبرهم به حدسهم تجاه الامور.
أما عن طبيعة وأماكن العلاقة العاطفية فهي لا تحدد ضمن أُطر أو ضوابط معينة فمثلاً العلاقة التي تنشأ من خلال إعجاب موظف في دائرة حكومية بموظفة من قطاع خاص أو مراجعة والعكس، لا تدخل ضمن أُسس وثوابت لانها جاءت نتيجة التكرار والمُواصلة في التعامل مع بعضهم البعض ولفترة معينة الامر الذي خلق نوع من الأُلفة بينهم قد تتحول الى إعجاب ومشاعر متبادلة تنتهي بعلاقة عاطفية، أي ان الموضوع مرتبط بمدى معرفة الشخص الآخر والتعمق أكثر بتفاصيل حياته وهذا الامر يتعلق بمصداقية التعامل والحفاظ على الاسرار بين الطرفين ليكون هنالك فسحة خاصة للتعبير عن الخواطر بمنتهى الحرية الأمان.
وبما ان العلاقات العاطفية لاتحدد ببيئة بشرية معينة فالسؤال يطرح نفسهُ "هل علاقات العمل فاشلة؟ ولماذا"، إذ يمكن الوقوف على أبرز سلبيات علاقات العمل العاطفية وكما يلي:-
1- تؤثر على الجانب النفسي لكلا الطرفين مما ينعكس على أسلوبهم في العمل.
2- الاطلاع على أسرار شخصية جداً مما يسبب نوعاً من الاحراج أو حتى التخلخل في ثقة النفس.
3- المُعايرة ببعض الامور الخاصة أو حتى الظاهرية (تشوهات خلقية / ولادية - حروق) بسبب خلاف بسيط قابل للتطور.
4- هناك من يذهب الى ان الشخص في العمل نفسه في البيت سيكون روتين مُمل وقاتل للطرفين.
5- الاختلافات الجوهرية بين الناس من حيث البيئة والنظام الاسري واسلوب الشخص وثقافته وعقليتهِ.
6- العواطف تؤثر على نتائج العمل عكسياً لانهُ يحتاج الى ذهنية صافية لاتخاذ القرار المناسب.
ومن خلال ما تقدم فقد تبين بأن العلاقات العاطفية تؤثر بشكل سلبي على الاشخاص وعلى العمل المكلفين بأداءه نسبةً الى الخلفية العقلية التي يتبنوها كونها المعيار الاساس في التحكم بالمشاعر.
ومن زاويةٍ آخرى يمكن النظر إيجابياً الى الموضوع وبتعمقٍ أكثر ليبرز سؤالٌ مهم وجوهري"هل هناك أسباب لنجاح العلاقات العاطفية في العمل؟" إذ يمكن الوقوف على أبرز إيجابيات علاقات العمل العاطفية وكما يلي:-
1- التقارب مابين زملاء العمل بحكم التنسيق المباشر فيما بينهم لانجاز الاعمال الموكلة اليهم.
2- التواصل بين زملاء العمل وخاصة خارج ضغوط العمل مما يقوي روابط الاتصال فيما بينهم.
3- التفاهم او كما يقال (نفسٍ واحد) أي التفكير يكون مشابهاً الى حد كبير ليكمل كل شخص جملة او فكرة المقابل.
4- المشاهدة الحية لسلوك ومزاجية الشخص وبكل حالاتة من فرح وحزن وغضب وتعاطف ..الخ.
5- الاختلاف في التفكير يخلق تنوعاً في القرار وخاصة لدى الاشخاص الذين ينحدرون من بيئاتٍ ذات قرارات أو التزامات حدية غير قابلة للنقاش مما يخلق لهم بيئة صديقة وحميمية لدى المقابل في محاولة للتعويض عن اختزال حياتهم الخاصة لتنفيذ إملائات الغير كأن تكون اسرية او عشائرية او حتى دينية او ثقافية.
وفي المحصلية النهائية فان العلاقات بكل اشكالها تبنى على اساس الثقة والالتزام بحدود الانسانية لا استغلال المقابل، وتبقى وجهة نظر المقابل وقناعاته هي من تحدد الخوض في العلاقة من عدمها.