حول اختيار جنس الجنين واجهاض الاناث



شيرين عبدالله
2021 / 4 / 21

21.3.2021
يبدأ العنف ضد المراة طويلا قبل ولادتها. يعير المجتمع الذكوري المعاصر اهتماما اكبر بالجنين الذكر عوضا عن الانثى. تواجه الانثى منذ اليوم الاول لتكوينها معركة البقاء او الموت، واحيانا يتم اجهاضها مبكرا، لا لسبب سوى لكونها انثى. تشهد الطفلة الانثى بعد ولادتها وفي كل يوم من حياتها هذه المآساة وتعيش دونيتها، وترى طوال حياتها ظواهر العنف والتمييز الجنسي ضدها وضد مثيلاتها. العنف ضد الاناث، وان لم يكن باشكال بارزة ومرئية، يتخذ عدة اشكال مخفية بحيث ان هذه الانتهاكات تعبر كظواهر طبيعية معمول بها بالرغم من كونها من ابشع الانتهاكات لابسط حقوقهن كانسان..

(سنويا، تموت 240 الف فتاة تحت عمر الخمس سنوات بسبب "اللامساواة المخفية"). كان هذا الاستنتاج الذي توصلت اليه دراسة اجرتها مجلة الـ "لانسيت" الطبية البريطانية في 2018. اغلبية هذه الوفيات هي بسبب اهمال احتياجاتهم الضرورية مثل الغذاء والصحة والتعليم..الخ. هذه الدراسة والعديد من الابحاث الأخرى، تظهر في العديد من المجتمعات، بان الصبيان يُعطونَ الافضلية على البنات في كمية ونوعية الغذاء المتاح لهم، وكذلك في مجال العناية الصحية وزيارة الطبيب وفرص التعليم والنمو كأطفال، يحضى الاولاد بالنصيب الاكبر من تلبية هذه الاحتياجات الاولية.
ان تفضيل الذكور على الاناث من قبل ذويهم ظاهرة اكثر شيوعا في بلدان شرق اسيا وجنوبها والشرق الاوسط والصين والهند وشمال افريقيا. تعود اسباب هذا التمييز الى قدرة الدخل الاعلى للذكور (وخاصة في المجتمعات الزراعية)، في هذه المجتمعات يحفظ الذكر "اسم" العائلة ويأخذ على عاتقه رعاية الوالدين في الكبر والمرض. تعتبر الفتاة " عالة" على الوالدين كونها لاتحظى مثل الولد بفرص العمل ذو الدخل العالي، بالاضافة الى ان نفقات الزواج والمهر والجهاز وغيرها تشكل ثقلا على العائلة، خاصة وانها بعد زواجها تتنقل الى عائلة زوجها، لذا فانها في كبرها لاتنفع الوالدين اقتصاديا. وبهذا، وفي نظر هذه المجتمعات، فان الانفاق على الفتيات هو بدون مردود بل ويُحسب كضرر مادي للعائلة. وبالتالي فمن مصلحة العائلة ان تقوم بتزويجها منذ سن مبكرة. ثم تتورط الفتاة وهي لازالت طفلة في ضغوطات الحياة الزوجية وانجاب وتربية الاطفال وادارة المنزل ووحشية المجتمع الذكوري الذي لايضع اية قيمة لحياتها هي ورفاهيتها.
تمر على مسامع الطفلة البنت كلام ودعوات الاقارب والمخلصين، يقال لوالديها مثلا "الله يرزقكم باولاد"، "الله يقر عينج بولد"، " الله يحفظ اولادج".. وغيرها و كانما مجيؤها هي للدنيا كان خطأ لابد من تصحيحه!
ان عدم الترحيب بالجنين الانثى واجهاضها، هي من العادات القديمة في العديد من المجتمعات وترتبط مباشرة بالذكورية. فلا تتعرض الفتاة فقط للنظرة الدونية، بل تصبح الام ايضا عرضة لضغوطات نفسية هائلة في سبيل انجاب الولد. تتهم المرأة بكونها غير قادرة على انجاب الأولاد، في حين لا يوجد اي اساس علمي لذلك، حيث انها كروموسومات الرجل (ايكس- واي) هي التي تحدد جنس الجنين وليست كروموسومات المراة (ايكس ايكس). احيانا تجبر المرأة على اجهاض جنينها البنت وغالبا بطرق غير صحية وباستخدام اساليب وعلاجات شعبية قد تعرض حياتها وصحتها للخطر. تتعرض هذه النساء للتعنيف، غالبا ما تنفك العائلة ويقوم الرجل بالزواج ثانية وثالثة فقط لانجاب الولد!. لا تتحطم حياة وامن تلكم النساء فقط بل ينظر اليهن المجتمع نظرة دونية وكانهن ارتكبن جريمة كبرى.
بالرغم من عدم وجود او شحة الدراسات والاحصائيات عن نسب اختيار جنس الجنين او اعداد الاجهاض من كلا الجنسين والزواج بثانية او ثالثة واسبابها ودواعيها، الا ان الحياة الواقعية مليئة بأمثلة لرجال تزوجوا على زوجاتهم لا لسبب الا من اجل انجاب الولد، ولكني لا اعتقد بوجود اي مثال على العكس.
في العراق وكوردستان، وفي ضل الاسلام السياسي وذكورية القوى القومية وعقود من الحروب وانعدام الاستقرار في المنطقة، والتي ادت الى تفاقم اضطهاد النساء والاطفال بشكل رهيب، وخاصة منذ 2003، حيث اصبحت الطفلة البنت الضحية غير المرئية وغير مسموعة الصوت لهذه الاوضاع. فاحياء اكثر التقاليد رجعية كتزويج الصغيرات، ختان البنات، فرض الحجاب على الفتيات والقتل غسلا للعار..الخ، ناهيك عما يحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش من اختطاف وقتل واغتصاب وتجارة بالبنات وعرضهن كسبايا في الاسواق.. وغيرها من الجرائم المروعة، حولت حياة البنات الى جحيم وزادت من تهميشهن.

الخرافة والتكنولوجيا وتحقير الجنس الانثوي
لا توجد ،الى الان، اية طريقة علمية موثوقة لتحديد جنس الجنين قبل الاخصاب. مع ذلك، وبغية تحقيق رغباتهم (والتي هي في الاصل رغبات وضغوطات المجتمع) تلجأ الزيجات الى طرق تقليدية وغير علمية مثل اتباع نظام غذائي معين او تحديد مواعيد الممارسة الجنسية او الجدول الصيني.. وغيرها. لا يوجد اي اساس علمي لأي من هذه الطرق ولم يتم اثباتها.
يروي لنا التاريخ تقاليد عجيبة وغريبة اتبعتها المجتمعات عبر العصور، فمثلا اعتقد اليونانيون بان الجنين الذكر مخزون في يمين الرجل والانثى في يساره، وبهذا لجا الرجل اليوناني القديم الى شد خصيته اليسرى لتجنب انجاب الاناث. في حين كان الرجل الهندي يمسك بخصيته اليسرى بشدة اثناء الممارسة الجنسية. اما في فرنسا فكان الرجال يستاصلون خصيتهم اليسرى بالكامل كي لايتسنى لهم انجاب البنات على الاطلاق. في تايوان كان هناك اعتقاد سائد بان زواج الرجل البدين من امراة نحيفة يخلف البنات وبالعكس. اخرون اعتقدوا بان الحمل بالبنت يحصل نتيجة الجماع في الايام الفردية والولد في الايام الزوجية!.
منذ سبعينات القرن الماضي، اصبحت مسالة تحديد جنس الجنين محل البحث العلمي، وبهذا وخاصة في المجتمعات التي تسود فيها الذكورية مثل معظم بلدان شرق وجنوب اسيا والصين والهند..الخ، اصبحت بضاعة وازدهرت المتاجرة بهذه العملية. ظهرت المئات من العيادات والمستشفيات الخاصة واتيح للاباء والامهات فرصة "الاختيار" وتحديد جنس المولود المرتقب قبل وبعد الاخصاب. وهكذا اصبح العلم والتكنولوجيا في خدمة الادامة بهذا التقليد الاجتماعي الرجعي والذي هو بالاساس يتناقض مع كل حقوق الطفل والمراة بالدرجة الاساس.
منذ بدء فحوصات تحديد جنس الجنين في السبعينات الى الان تناقصت اعداد البنات المولودات ب 63 مليون بنت.
حسب احصائات الامم المتحدة، يتم سنويا اجهاض مابين 1.2 الى 1.5 جنين انثى في العالم وان 90% منها هي في الهند والصين.
في المجتمع الراسمالي، كل شيء بامكانه ان يصبح سلعة ومصدر الربح حتى رغبات الأشخاص، ولايهم ما اذا كانت هذه الرغبات مناقضة للمعايير الانسانية، وبما انه كانت هناك ضغوطات مجتمعية و"حاجة" اجتماعية لتحديد جنس الجنين، لقف الراسماليون هذه الفرصة وتم تسخير التكنولوجيا الحديثة مثل ال (دي اين اي) في خدمتها.
سأورد في هذا المضمار مقطعا من مقالة لجريدة الرياض في صفحتها الالكترونية يوم 13.3.2013 بعنوان (النساء "مقتنعات" خوفا من الزواج عليهن.. والرجال "مستحين") التي تدعو بكل صراحة ولامبالاة الى الذكورية وتحقير المراة والطفلة الانثى، يأتي فيها:
"لم يعد تحديد جنس المولود امرا صعب المنال لمن يرغب ان يكون ضيفه القادم بنتا او ولدا، وتحديدا لمن يريد ان ينجب الولد بعد عدة بنات رزق بهن، حيث يجد هذا الموضوع اهتماما واسعا من النقاش بين الزوجين، خاصة الزوجة التي تخشى ان يرتبط شريك حياتها ب ((ضرة)) اخرى بحثا عن الولد."
ليس فقط تفضيل الولد على البنت تطرح وكانها حاجة وظاهرة طبيعية جدا، بل حتى كون المرأة مهددة بان يرتبط زوجها بامرأة اخرى بحثا عن الولد! ايضا كأمر طبيعي جدا ولا بد منه!، ويعرض المقال "الحلول" الموجودة للعوائل لضمان انجاب الاولاد وتجنب البنات!.

من اجل ايجاد حلول واقعية لهذه القضية وهذه اللامساواة، ينادي البعض بسن القوانين ومتابعة مدى تطبيقها وتدوين الحالات وتقديم التقارير والاحصائيات حولها. هذه كلها مهمة وواجب اجرائها، ولكنها لا توفر اجابة على الاسس والاسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة البغيضة والتي هي الذكورية والمجتمع اللامتساوي والطبقي الذي يشكل اكبر تهديد لحياة ومصير الجنس الانثوي في العالم.