مبادرات صياغة دستور الاقليم خطوة مهمة و ضرورية



محمد صالح اميدي
2021 / 5 / 5

مبادرات صياغة دستور الاقليم خطوة مهمة و ضرورية !!
الحلقة الاولى
المحامي المستشار محمد صالح اميدي
تتردد في وسائل الاعلام المختلفة في اقليم بوجود مبادرة من قبل رئاسة الاقليم ،لصياغة دستور لاقليم كوردستان، بغية سنه و تشريعه،و رغم التأخير غير المبرر خلال السنوات الستة العشرة الماضية ،الا ان صياغته و سنه في هذه المرحلة الحساسة سياسياً و اجتماعياً و اقتصادياً لهو امر مهم و ضروري جداً و لا يجوز الاهمال و التراخطي في تنفيذ هذه الخطوة المهمة.بالاخص فيما يتعلق بتثبيت اركان الاقليم و حدوده و الحقوق و الحريات العامة، و حقوق الافراد و الجماعات و الطوائف الدينية و الاثنية في الاقليم و تنظيم السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية بما يضمن سلطة الدستور والقوانيين الصادرة بموجب احكامه،و بشكل مفصل بعيداً عن المطاطية اللغوية و التفسيرات المختلفة للنصوص و اجتهادها وفق امزجة الموظفين العمومين اعتباراً من رئيس الاقليم و انتهاءاً لاي موظف تنفيذي يتولى تنفيذ المهام الرسمية و العامة.
الدستور كما نعلم هو القانون الاساسي والاسمى في اي بلد،و لا ترقى اية نصوص قانونية او اوامر حزبية لسمو النص الدستوري النابع من ارادة الشعب، حيث ان الدولة او الاقليم الذي لا يملك دستوراً ينظم الحياة العامة و تنسق بين السلطات و تضع الحدود الفاصلة بين صلاحياتها لا يعتبر دولة او اقليم فيدرالي.
لكن اي دستور نحن بحاجة اليه في الاقليم...؟
للاجابة على هذا السؤال المهم يستوجب التطرق الى فهم موقعنا السياسي في العراق الفيدرالي، و و تطابقه مع النصوص الدستورية الاتحادية كقاعدة اساسية لترسيم الحقوق و الواجبات و تنظيم السلطات و تنسيقها بما يتلائم مع الاهداف المرجوة للحفاظ على حقوق المواطنيين بشكل خاص و الحريات الاساسية للشخصيات الاعتبارية و الطبيعية.و ابدي هنا ملاحظاتي الخاصة للجنة القائمة على صياغته و اخراجه كمشروع متكامل وحضاري يلبي متطلبات المرحلة القادمة للاقليم و منها:
1. يجب ان تكون صياغة النصوص الدستورية للاقليم ،صياغة واضحة تعكس الحقوق والواجبات العامة و الخاصة بشكل مفصل، بعيداً عن مطاطية التأويل والاجتهاد و الفذلكة اللغوية، لكي لا يكون محل نزاع و تفسير و اجتهاد غير مبرر،حيث ان اكثرية الاحكام الدستورية في الشرق المتخلف و الدول الشرقاوسطية بالاخص العربية منها و الاسلامية تعتمد على النصوص العامة القابلة للاجتهاد والتأويل غير المبررين..و الاتيان ببعض النصوص العامة غير القابلة للتطبيق رغم جمالية النص اللغوي البعيد عن التطبيق من قبل الاجهزة الحكومية..على سبيل المثال ان اكثرية النصوص الدستورية في تلك الدول تقضي بان ((الشعب هو مصدر السلطات)) انها حقاً عبارة دستورية معبرة و جميلة الا ان تطبيقها بشكل عملي امر في غاية الصعوبة..و ان المحاكم الدستورية التي تقوم بتفسير هذا النص تلاقي صعوبة كبيرة في تحديد مقاصد المشرع و هدفه في تدوين هذا النص المطاطي ..مما يستوجب على لجنة الصياغة ان تقوم بصياغة فارهة و واضحة تعكس حقيقة ان الشعب مصدر السلطات من خلال توضيحها و اتمامها وفق باقي الدساتير العالمية..
2. علينا ان ندرك بان النصوص الدستورية غير قابلة للتعديل المتبع في تغيير القوانين لان النصوص الدستورية تتميز بخصوصية الثبات و الاستقرار و تتوفر فيها مبدأ الشمولية و التعميم على جميع الحالات و الحقوق العامة و الخاصة.
3. علينا ان ندرك بان العلم الدستوري في الغرب قد وصل الى درجة كبيرة من الرقي و السمو و التعميم و الصياغة الواضحة و الهادة التي تعكس مقاصد المشرع و تتناسب مع جميع الظروف و الاحوال و تجمع في ثناياها الخصوصية العامة لكي تشمل الجميع، و على جميع المستويات من الحقوق العامة و الحريات و ضمان العقائد الدينية و الاثنية و المساواة الدقيقة بين المواطنين و حقوق المرأة و حقوق الاطفال من تاريخ ولاداتهم ، على ان تكون ضامنة لمراميهم الاجتماعية و التكوينية و الدينية و الجنسية.و بعكسه سوف تصبح نصوص جامدة غير قابلة للتطبيق و تصبح عبئاً ثقيلاً على عاتق المحاكم و رجال القضاء و السياسيين.
4. علينا ان ندرك بان التيار الانساني في العالم، تنطلق بشكل مبرمج و انسيابي من خلال تطبيق المفاهيم الحقوقية المعبرة لمبادي حقوق الانسان بشكل خاص، فكلما اندمجنا مع المجتمع الانساني و التيار الاخلاقي للعالم المتحضر ،الذي انجز تقدماً كبيراًمن خلال الاستناد على النصوص و الضمانات الدستورية و احقاق المساواة بين الرجال و النساء و ضمان حقوق الاطفال منذ والدته، سوف ننجز تقدماً كبيراً و على جميع المستويات ..لان الحرية الفكرية و تحرير العقائد من بؤسها، سوف تهيئ المواطن بان يتقدم في جميع مجالات الحياة بما فيها تلقي العلوم و الثقافات و الاداب والمهن و احياء التراث ...لان حرية الانسان و احترام عقائده السياسية و الدينية هي الضمانة الاساسية لتوسيع مدارك الانسان .كما ان كرامة الانسان هي جوهر الحياة فلابد من صيانته و تعزيزه بما يخدم التنمية الاجتماعية و البشرية بما يخدم الانسان الحر و الابي في تفكيره و استقلاله الاقتصادي و الاجتماعي ..عليه يستوجب ان نساير بشكل دقيق المسيرة الانسانية في العالم و ان نصيغ مبادئ دستورنا على ضوء هذه الفلسفة.
5. ان هناك قضايا جوهرية تتعلق بخصوصية المجتمعات الانسانية،و تلك الخصوصيات تستوجب ضمانها بشكل عام مع مراعاة التركيبة الاجتماعية و الاثنية و الدينية بشكل عام، و لا يجوز فرض خصوصية لفئة معينة على خصوصيات و عقائد الاخرين..لان بناء دولة القانون و الدستور تحتاج الى مهارة فنية كبيرة، و دقيقة في آن واحد..مهما كانت تلك الفئة صغيرة في حجمها او تعميم خصوصيات الاكثرية على الاقلية ، لان ذلك تتناقض مع مبدأ حقوق الانسان و المساواة بين المواطنين بشكل عام.
6. يجب ان يكون الدستور متكاملاً و بشكل واسع و ينظم الحياة العامة سياسياً و اجتماعيا و اقتصادياً و اثنياً، و تضع الحدود الفاصلة بين السلطات الثلاثة و بشكل لكي يكمل كل سلطة مهام السلطتين الاخرين..و ترسم النصوص الدستورية حدودها بشكل دقيق.
7. لكل دولة او اقليم في عالم (هوية اقتصادية و سياسية)فعلينا ان نعرف اقتصاد اقليمنا هل هو اقتصاد حر او مختلط او اشتراكي او رأسمالي،بموجب نصوص دستورية واضحة لكي يفهم المواطن حقوقه و واجباته تجاه نفسه و تجاه المجتمع و الدولة و سلطاتها، و بعكسه سوف يخلط الحابل بالنابل ، و تدب الفوضى والتخبط في الاقتصاد و التجارة و المهن الحرة و غيرها..