موجز كتاب: جوزفين دونوفان - النظرية النسوية.



صفوان قسام
2021 / 6 / 12

يعتبر كتاب النظرية النسوية، للكاتبة جوزفين دونوفان، وهو الطبعة الرابعة لهذا الكتاب؛ محاولة في تصنيف الحركات النسوية عبر تنسيقها وفق منظور حراكات فكرية ونظرية نسوية ضمن أهم النظريات الاجتماعية والسياسية الأخرى؛ وفق تسلسلها الزمني مع معالجة آراء أهم منظريها، وهي إذ يغلب عليها الاتجاه الغربي في المراجع والمنظرين، فإنها تنير لنا رؤية من زاوية مميزة للتعرف على هذه المقاربات التي قسمتها إلى ثمانية حراكات/نظريات: النسوية والليبرالية التنويرية - النسوية الثقافية - النسوية والماركسية - النسوية والفرويدية - النسوية والوجودية - النسوية الراديكالية - الأخلاق النسوية الجديدة - في الثمانينيات وما بعدها.

أولا: النسوية والليبرالية التنويرية:
إن أول عمل مهم في تاريخ النظرية النسوية، كتبته "ماري ولستونكرافت - دفاعا عن حقوق المرأة" في عام 1792. قبل ذلك، في عام 1791 نشرت ماري حول المساواة بين الجنسين، في المراحل الأولى من الثورة الفرنسية، كتيب بعنوان (Olympe de Gouges Les Droits de la femme). كانت النسويات في القرن الثامن عشر متحمسة لعصر التنوير والعقلانية. لأن الحقوق الطبيعية كانت حجر الزاوية لإعلان الاستقلال الأمريكي والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان، وبدأت النسويات في المجادلة بأنهن يمتلكن أيضًا الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الرجال.
ركز مفكروا عصر التنوير الليبراليون على الحفاظ على نظام عالمي معزول فلسفيا عن الاكتشافات العلمية المختلفة. فقد كان نموذج نيوتن، عن عمل الكون المادي وفق قواعد بسيطة وعقلانية، هو النظرية التي حددت ملامح تلك الفترة. بينما طور الفلاسفة السياسيون الحقوق الطبيعية، التي تقتنع بالعقل فقط؛ من خلال الادعاء بأن جميع الأدمغة تعمل ميكانيكيا بذات الطريقة، حيث قالوا أن كل شخص سيصل إلى نفس النتيجة من خلال العقل؛ والنساء لا يمكنهم الوصل إلى تلك النتائج! ويقترحوا أن العالم العقلاني متفوق على العالم اللاعقلاني ويجب أن يتحكم فيه! والكائنات العاقلة أي (الرجال) هم السادة؛ ولهم الحق في إعطاء العذر للكائنات الطائشة (النساء). قبل هذا القرن وبعده، كانت المرأة تنتمي إلى منزلها كزوجة وأم؛ وفصلت الثورة الصناعية مكان العمل عن المنزل، وعزلت النساء في مجالات مخصصة. حيث حدد مكان العقلانيين في المجال العام، واللاعقلانيين في المجال الخاص. وطالما أن المجال الخاص هو للمرأة، فهذا يعني أن المرأة ليس لديها حقوق عامة أو قانونية. كانت المرأة تنتمي إلى الأسرة بين ذراعي زوجها الواقيين. لم يتم اعتبار المرأة مواطنة لأنها كانت تعتبر غير حكيمة.

جادل المنظرون النسويون الذين تجاوزوا كل هذه التقاليد حول الحقوق الطبيعية بأن النساء كمواطنات لهن نفس الحقوق الأساسية للرجال. كانت المحاولة الأولى حول هذا الموضوع هي إعلان المشاعر، الذي كتبه ستانتون في عام 1848 في سينيكا فولز - نيويورك. في هذا الإعلان، ذكر أن للنساء الحق في التصويت، والخدمة في الإدارة، وفي التعليم المناسب. وكان تشبيه الاضطهاد الذي يمارسه الرجال على النساء والاستبداد المطلق، كتشبيه النظرية النسوية الراديكالية اليوم التي تقول إن الاضطهاد متجذر في النظام الأبوي. ويمكننا تلخيص الأفكار الأساسية للنسويات الليبراليات في عصر التنوير على النحو التالي: الإيمان بالعقل، والاعتقاد بأن الرجال والنساء على حد سواء وجوديا، وأهمية التعليم من أجل التحول الاجتماعي والتفكير النقدي، ولدى الرجال والنساء نفس الجوهر الأخلاقي والفكري والعقلي، فيجب أن يتلقوا نفس التعليم، ولا ينبغي حصر النساء في المجال الخاص بل يجب أن يدخلن الحياة العامة.

تقدم رسائل "سارة جريمك" حول المساواة (1838) أكثر الإدعاءات إقناعًا في الثقافة الليبرالية. حيث تناولت الفصول الأساسية من الكتاب المقدس، الخاصة بإضفاء الشرعية على اضطهاد المرأة. وأوضحت أنه يتعين على النساء التصادم مع الآراء المكتوبة الخاطئة والتقاليد الراسخة، والتعبير عن حقيقتهن. كانت "جريمك" أول شخص يتبنى مبادئ الحقوق الطبيعية الأمريكية للمرأة؛ وهي من أثارت قضية أن يكون لدى دافعي الضرائب المتساوية في العمل المتساوي، أجرٌ المتساوي. في أول نقد نسوي رئيسي لجريمك للمنزل، ذكرت أنه غالبا ما يكون المجال الخاص استبدادا في حق النساء المتزوجات، ولذلك، استنادا إلى تحليل فكرة التنوير، افترضت أن الرجال والنساء متساوون بشكل طبيعي ومتشابهون من الناحية الوجودية. في القرن التاسع عشر، طور "ستانتون وأنتوني" نظرية التنوير وجعلاها أكثر دقة. صرح "ستانتون" بأن الجنسين متماثلان، وادعى أنهما يستحقان في النهاية حقوقًا متساوية؛ ليس فقط في حقوق التصويت ولكن أيضا في هيئة المحلفين. وشاركت ناشطات في مجال حقوق المرأة في حركة إلغاء العبودية باستخدام صورة العبيد؛ ولكن، أدى انسحاب الجماعات الداعمة لقضية حقوق المرأة إلى فصل النساء من الحركة. مع الأسف، لم تستطع الحركة النسائية في القرن التاسع عشر الحفاظ على تأثيرها على النساء ذووات البشرة الملونة؛ ومع ذلك، استمرت النساء السود في التعبير عن آرائهن النسوية.
وجاء في كتاب جون ستيوارت ميل "إخضاع المرأة"، إن تفوق أحد الجنسين على الآخر هو أكبر عقبة أمام التقدم البشري؛ وبخلاف كونها فكرة خاطئة بحد ذاتها! فللاحتجاج على أزمة المرأة، يعتبر النهج النفعي الذي أورده ميل من أن عدم المساواة هي عقبة أما التطور، هو أفضل ما ورد في كتابه بالنسبة لمعظم الناس. من خلال تحليل ميل النسوي الراديكالي، يستنتج أن: السبب الذي يجعل النساء تحافظ على وضعهن هو أن الرجال يريدون الاحتفاظ بهن هناك. أما ما ينقص نظرية ميل النسوية هو أنه لا يشكك بجدية في الدور المستمر للمرأة والمجال الخاص في الأسرة.
في الولايات المتحدة، تمكنت النساء من الحصول على حق التصويت في عام 1920، بالموافقة على التعديل التاسع للدستور، المعروف الآن باسم تغيير "الحقوق المتساوية".
كانت هناك بعض المشاكل في النظرية النسوية التنويرية: فقد ترك التحليل الليبرالي الفضاء الخاص كما هو. حيث لم يأخذ بعين الاعتبار أن النساء - كفئة - بدأن السباق دون أي أفضلية بسبب الواجبات الموكلة إليهن. ولم يتم تطوير أفكار مؤسسية بديلة للزواج التقليدي والأمومة. كذلك، يدرس الليبراليون ما إذا كانت هناك بالفعل اختلافات وجودية بين الرجال والنساء؛ وبالتالي، تحتاج وجهة النظر النسوية الليبرالية إلى منظور أكثر شمولية لمعالجة هذه الفجوات.

ثانيا: النسوية الثقافية:
هناك اتجاهات أخرى في الفكر النسوي في القرن التاسع عشر. تجاوز المنطق العقلاني والقانوني لنظرية التنوير الليبرالية، يمكن تصنيف هذه الفكرة تحت اسم النسوية الثقافية. فبدلاً من التأكيد على أوجه التشابه بين الرجل والمرأة، يفكرون في بدائل الدين والمنزل والزواج. تقول نظرية نسوية الإصلاح الاجتماعي أنه يجب على النساء دخول المجال الاجتماعي والتصويت، لأن وجهة النظر الأخلاقية للمرأة ضرورية لصقل عالم السياسة (الذكوري) الفاسد. ومن الممكن أن تكون النظرة الأمومية قد وُلدت كرد فعل على الأيديولوجية الذكورية للداروينية. وتؤكد "فولر" في القرن التاسع عشر (1845) على الجانب العاطفي والحدسي للمعرفة وتدعو إلى رؤية عالمية للعالم تختلف تماما عن النظرة الآلية لعقلانيي التنوير. تجادل فولر بأن التطور الجذري للأنوثة سيغير المجتمع بشكل جذري. فولر كانت أول من أدخل "نظرية الاختلاف" بين النساء، فإذا سُمح للمرأة، يمكنها تغيير حياتها وحياة المجتمع.

على الرغم من أن موقفهم النظري الأساسي ظل ضمن الحقوق الطبيعية، فقد تجاوز "ستانتون وأنتوني" الفكر الليبرالي التقليدي منذ السبعينيات. كرر أنتوني طلب جيرمك بالأجر المتساوي للعمل المتساوي. وانتقد ستانتون الدين والمسيحية بشكل جذري. رأى ستانتون أن النظام الأمومي هو العصر الذهبي للسلام والوفرة، وأن النظام الأبوي هو مصدر الاستبداد والحروب والأمراض الاجتماعية. استمرت "جيلمان"، التي غالبا ما تُعتبر واحدة من أبرز منظري الحركة النسوية الأولى، في تقليد النسوية الثقافية؛ ويعتمد عملها على الداروينية الاجتماعية. فحسب نظرية داروين، يحدث التطور بواسطة آلية هي حرب الذكور على الإناث، من خلال الانتقاء الجنسي؛ وهذه النظرية هي نظرية تنشر التفوق الذكوري. فسَرت جيلمان الداروينية الاجتماعية على النحو التالي: لقد تم استخدامها لإثبات أن الاعتماد على الإناث هو شذوذ غير طبيعي يعيق تقدم التطور؛ بينما تدعي أن الناس تحددهم بيئتهم الاجتماعية والاقتصادية. أما البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمرأة مصطنعة لأنها تعتمد اقتصاديا على الرجل! وهذا يولد خطر الانقراض تماما؛ فالاعتماد على الرجل فقط يمنع الانتقاء الطبيعي الذي يتحكم في تطور الجنس. وتقوم جيلمان بنقد جذري للمجال الخاص، ففي حين أن المجال العام منظم ديمقراطيا، فإن البيئة التي خلقها الرجل في المنزل تظل استبدادية! وتجادل بأن المنزل هو عامل مؤثر فعال في عملية التنمية؛ وتقترح بعض التغييرات الجذرية: يجب أن تكون الأعمال المنزلية احترافية، يجب تثقيف الناس في الطبخ والتغذية وتربية الأطفال وكسب المال مقابل خدماتهم، ورغم أن "إيما جولدمان" كانت قوة داعمة للثورة الاجتماعية، إلا أنها رفضت الخضوع لأي سلطة. رفضت فكرة أن الحق في التصويت سيحرر المرأة، وجادلت بأن التغييرات القانونية لن تؤثر على التحرر إذا لم يكن حقيقيا. ورفضت المؤسسات مثل الحكومة والزواج، لأنها تمنع الفرد من التعبير عن حريته وحبه باعتباره القوة الفوضوية الرئيسية. إلى جانب "وودهول"، كانت جولدمان واحدة من أوائل النسويات الذين دافعوا عن الحرية الجنسية للمرأة، وأصبحت أقوى داعية لتحديد النسل. وبينما توافق جولدمان على الحرية الجنسية، إلا أنها لا تقبل الشكل الذي يسمح للمرأة أن ترى نفسها كشيء جنسي بحت. جولدمان هي أول ناشطة نسوية أمريكية تدعم علانية حقوق المثليين.
ساعدت مشاركة النسويات الثقافيات من خلال الشبكات النسائية في شرح وجهة نظرهن الشخصية المتعلقة بالطابع الأمومي؛ لقد اعتقدن أن النساء مختلفات، وهن ورثة ثقافة وأخلاق منفصلة؛ كما طالبت النسويات حضور مؤتمرات السلام الخاصة بالحرب العالمية الأولى، وأعربن عن استعدادهن للمشاركة في أي حدث يقام بالتزامن مع هذا المؤتمر. كان عام 1920 نقطة تحول في تاريخ الحركة النسائية الأمريكية؛ وتعتبر العديد من النسويات هذا العام نهاية الموجة النسوية الأولى. في الواقع، هذا ليس صحيح تماما فمن عام 1920 وحتى الثلاثينيات هي فترة استمر فيها العمل النسوي.
النسوية الثقافية لديها بعض المشاكل أمام القانون الذي يُفسَّر الاختلاف بين الرجل والمرأة عموما لكونه غير منصف وقاصر وعاجز. والمشكلة الأخرى هي السؤال عما يكشف الاختلاف في الهوية والاختلاف المعرفي بين الرجل والمرأة! لم يتم شرح ما إذا كان هذا شكلا بيولوجيا أو ثقافيا بشكل كامل. ومن المهم أن نلاحظ أن النسوية الليبرالية والنسوية الثقافية يتصادمان من حين لآخر، لأنهما يتعارضان مع التاريخ النظري. وتوجد قضيتان مهمتان هنا: الأولى هي موضوع الخدمة العسكرية للنساء؛ حيث يطلب الليبراليون من النساء المشاركة في الخدمة العسكرية مثل الرجال. من ناحية أخرى، تعارض النسويات الثقافيات مثل هذه الخدمات على أساس الهوية السلمية للمرأة! المسألة الأخرى هي قوانين الحماية؛ وهل القوانين التي يتم تبنيها لحماية المرأة تتوافق مع ظروفها أم لا؟ سيجيب الليبراليون بالنفي، وستجيب النسويات الثقافيات بالنفي! ولكن كل منهما من منظورها.

ثالثا: النسوية والماركسية:
النظرية الماركسية لا تأخذ المرأة أو قضية المرأة أو النظرية النسوية كنقطة مرجعية أساسية. علاوة على ذلك، طور كل من ماركس وفرويد نظرياتهم في ظل ظروف ذكورية. ولذلك فإن شرعية هذه المفاهيم حتى ولو كانت مطبقة على المرأة يمكن أن تكون موضع شك جوهري. ومع ذلك، تمكنت هذه النظريات من المساهمة في تطوير النظرية النسوية. إحدى وجهات نظر ماركس المركزية هي فكرة الحتمية المادية، التي تجادل بأن جذور الثقافة والمجتمع تكمن في الظروف المادية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، اعتقد ماركس أن الأيديولوجية المهيمنة في المجتمع تحددها المصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة. إن علاقة هذه الأفكار بالنظرية النسوية واضحة. تعترف النسويات الاشتراكيات بشكل عام بوجود تشابه بين النساء والبروليتاريا. يعتبر مفهوم الاغتراب مركزيا في نظرية ماركس؛ والاغتراب يعني تجربة الانفصال عن الآخرين والشعور بالمعنى؛ ويصبح الشيء الذي تم إنتاجه من خلال العمل مستقلا عن المنِتج. يقول ماركس أن تقسيم العمل له جذوره فيما يسمى بالتقسيم الطبيعي للعمل في الأسرة. ينشأ التقسيم الطبيعي للعمل، والذي يحدث بسبب الفروق بين الجنسين والعمر، ونتيجة لذلك يحدث فقط على أساس فسيولوجي. وهكذا كان يُنظر إلى استعباد الزوج للزوجة والأطفال على أنه الشكل الأول للملكية الخاصة. ويتصور ماركس عالما شيوعيا دون اغتراب، حيث يقيم الناس علاقة أكثر عمقا مع منتجات عملهم ولا ينقسمون بعد الآن ضد بعضهم البعض (مجتمع لا طبقي) بسبب علاقاتهم الطبقية مع أنماط الإنتاج. جانب آخر من فلسفة ماركس المرتبطة بالنظرية النسوية هو نظريات القيمة الاقتصادية: قيمة الاستخدام، قيمة التبادل، فائض القيمة. يشير مفهوم قيمة الاستخدام عموما إلى قيمة العناصر المُصنعة من قبل أعضاء المجموعة، الطبخ والحياكة والنسيج (وهذه عادة من أعمال النساء). ومفهوم قيمة التبادل يشير عموما إلى العناصر المنتجة للتبادل. إن إنتاج مادة من أجل التغيير يدمر ملكيتها المقدسة ويحولها إلى شيء مشترك. طور ماركس ظرية عمالية للقيمة لشرح فائض القيمة. يتم تجريد قوة العمل للعامل في السوق كسلعة للبيع. فائض القيمة هو الفرق بين قيمة منتجات العمل وتكلفة إنتاج قوة العمل، أي مصدر رزق العامل. حاولت النظرية النسوية المعاصرة إظهار إمكانية تطبيق العمل المنزلي على هذه النظرية.

أصل العائلة لإنجلز (1884) هو الجزء الوحيد الذي تم إنتاجه في الموجة الأولى من الماركسية والنظرية النسوية المستدامة. تتجه نظرية إنجلز أكثر نحو تحليل الأسرة ودور المرأة في الأسرة. ويعكس وجهة نظره حول النظام الأمومي لعصور ما قبل التاريخ. ويعتمد تحليله حول اضطهاد المرأة بالكامل على النظريات الاقتصادية. ويربط الانتقال من النظام الأمومي إلى النظام الأبوي بالتطورات الاقتصادية، ولا سيما إنشاء الملكية الخاصة، وظهور السلع المستخدمة للتبادل والربح. وعلى الرغم من وجود تقسيم للعمل بين الجنسين في الأسرة الشيوعية، إلا أنهما يتمتعان بسلطة متساوية داخل مجالهما؛ الجميع سادة في مجالهم. بل والمرأة أكثر مساواة قليلا. تستند حجته المادية على القبائل التي تسيدت فيها النساء، ونتيجة لتدجين الحيوانات، تم الحصول على المزيد من المنتجات الغذائية والحيوانية، وتم الحصول على مواد للتبادل والتغيير في شكل المنتج؛ وكشفت القدرة على إنتاج منتجات أكثر مما هو مطلوب للحفاظ على الحياة عن وجود فائض في القيمة، وأدت الحاجة إلى العمالة الرخيصة إلى استخدام العبيد؛ في الوقت نفسه، اكتسبت المرأة أيضا قيمة تبادلية؛ وأصبحت الأعمال المنزلية للنساء ضئيلة مقارنة بالثروة التي جمعها الرجال. وبعد أن أصبح لديهم ممتلكات ليوُرثها، أصبح الرجل أكثر اهتماما بتأمين الأبوة. يتزامن الصراع الطبقي الأول في التاريخ مع تطور التعارض بين الرجل والمرأة في الزواج الأحادي؛ الرجل هو البرجوازية، والزوجة تمثل البروليتاريا! وحلُ إنجلز هو تشجيع المشاركة في القوى العاملة، وهو يشجع على إلغاء الأسرة أحادية الزواج باعتبارها الوحدة الاقتصادية للمجتمع، وكل هذا سيحدث في الشيوعية. لتقديم النقد هنا؛ إن مجال الإنتاج الصناعي الذي يسعى فيه إنجلز إلى مشاركة المرأة هو عالم من العمل بعيد عن الكمال. بعبارة أخرى، لن تكون خطوة تحريرية للمرأة على الإطلاق.
كما جادل "أوغست بيبل" بأن حل مشكلة المرأة مطابقٌ لحل المشكلة الاجتماعية. لقد التزم كل من "لينين وألكسندرا وكولونتاي وكلارا زيتكين وروزا لوكسمبورغ" بهذا النهج بشكل عام. وقد دفعت الحركة النسائية المعاصرة الماركسيين إلى إعادة التفكير في مسألة المرأة من أجل تطوير النظرية؛ ولذا حاولوا إقامة علاقة بين الرأسمالية ووضع المرأة. تمحور اهتمام النسوية الاشتراكية المعاصرة حول مشكلة العمالة المنزلية ومساهمتها في الرأسمالية، مع تحول الأسرة إلى التصنيع، لم تنفصل المرأة عن العمل والحياة. لكن ربة المنزل لديها تحكم أكبر بوقتها من عاملة المصنع. من ناحية أخرى، فإن الأعمال المنزلية مفروضة ومتكررة وغالبا ما تكون غير مهمة. يوافق غالبية الماركسيين على أن الأعمال المنزلية تؤدي وظيفة الحفاظ على النظام الرأسمالي. إن أخطر عيوب النظرية الماركسية حتى الآن في هذا الصدد هو ربط خضوع المرأة لصعود الرأسمالية! ولا يمكن تفسير اضطهاد المرأة في مجتمعات ما بعد الرأسمالية التي شهدت ثورة اشتراكية. يعود تقسيم العمل بين الجنسين إلى ما قبل الرأسمالية، لكن الرأسمالية فصلت المنزل عن مكان العمل. بالإضافة إلى ذلك، زاد التخصص في العمل والتسلسل الهرمي وكان على النساء العمل في كلا المجالين، وتوقعات ربات البيوت بالمساواة في الأجر لها تكلفتها! فهذا الإنفاق يقلل من فائض القيمة وبهذه الطريقة يزعزع استقرار الرأسمالية. وتعتبر التفرقة في الأجور من أهم العوامل التي تساهم في اضطهاد المرأة؛ لأن فرق الأجر مأخوذ من أجر الأسرة ككل، والنتيجة هي استمرار اعتماد المرأة اقتصاديا على الرجل.

قضية أخرى تنظر إليها النسويات الاشتراكيات هي مسألة الطبقة التي تنتمي إليها النساء. بينما تقول النسويات الراديكاليات إن النساء يشكلن طبقة، تستمر النسويات الاشتراكيات في التأكيد على وجود اختلافات طبقية بين النساء. المجال الأخير في التحليل النسوي الاشتراكي هو الأسرة ودور الأم، فهناك انسجام بين السلوك الذكوري والقيم الرأسمالية حيث تتم التنشئة الأيديولوجية في المنزل من قبل النساء! ويتم بها التقليل من قيمة عمل المرأة في المنزل ودور الأم، لأنهما خارج نطاق التبادل النقدي، ولا يمكن قياسهما بالمال، ولا يُنظر إلى الحب والعاطفة إلا على أنه مجال ضعيف وعاجز، حتى لو تم تقديره.

رابعا: النسوية والفرويدية:
لم يكن فرويد نسويا؛ كان أول شخص حاول تحليل العلاقات داخل الأسرة التي كانت لا يمكن المساس بها من قبل الليبراليين. عمله التجريبي في تحديد أدوار الرجال والنساء في الأسرة، والأهم من ذلك، وصفه لعملية نمو الطفل نحو دور الكبار المحدد اجتماعيا هو الأساس لمجال مهم من النظرية النسوية المعاصرة. يربط فرويد بين المذكر والمؤنث مع السلوك في السادية والماسوشية في عام 1905. يستخدم عامل الذكورة ليظهر سلبية الأنوثة. في وقت لاحق، صرح فرويد أنه لا توجد ذكورة أو أنوثة خالصة في شخص واحد. بمعنى ما يقول أن كل الناس لديهم ميل ثنائي الميول الجنسية.
طور فرويد نظريته الشهيرة حول مراحل النمو النفسي-الجنسي للطفل؛ وفقا لفكرته الأساسية، فإن الأولاد والبنات متشابهون جدا مع بعضهم البعض حتى سن المراهقة، ولكن في مرحلة المراهقة، هناك فرق حاد بين سمات الأنثى والذكر. تختلف المراهقة، التي توفر دعما كبيرا في الرغبة الجنسية للرجل، بموجة جديدة من القمع لدى الفتاة. منذ عشرينيات القرن الماضي، طور فرويد مفهوم حسد القضيب. مقالة أخرى بعنوان "الجنسانية الأنثوية" 1931، هي أفضل تعبير عن نظريته وهي الأكثر أهمية من وجهة نظر النسوية. يحدد فرويد المرحلة النشطة الأولى الطموحة للفتاة ذات الارتباط القوي بالأم؛ وتعتبر مقارنة هذه المرحلة بالمجال الأمومي أمرا مهما من منظور نسوي. الفتاة مجبرة على مغادرة هذه المنطقة؛ إنها تقبل السلبية التي هي جوهر الأنوثة الحقيقية.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم النسويات الرئيسيات كن ينتقدن بشدة نظريات فرويد. أحد الانتقادات هو فكرة فرويد القائلة بأن علم التشريح يحتوي بوضوح على الحتمية البيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، تم انتقاد النظرية القائلة بأن عدوان الذكور في الاتصال الجنسي ضروري بيولوجيا.. ويرى "فايرستون" أن خطأ فرويد أنه لم يأخذ النشأة الاجتماعية للاضطرابات النفسية على محمل الجد. لا يمكن قبول أن الضغط الاجتماعي غير قابل للتغيير، ومن الواضح أن الآراء الفرويدية حول علم النفس الأنثوي مؤيدة للذكور. أحد تعبيرات التحيز الذكوري هو حسد القضيب والتعبير عن الرغبة الجنسية الذكورية. من الافتراضات الفرويدية الأخرى التي تنازعها النسويات المعاصرات هو ربط النضوج بتغيير المتعة من البظر إلى المهبل. تنشأ هذه الاستجابة من حجة النظرية الفرويدية القائلة بأن النشوة المهبلية طبيعية وأنثوية بحتة وأن النشوة البظر ليست كذلك. ينعكس هذا التصور اليوم إلى ختان البظر الذي يُمارس في الشرق الأوسط وأفريقيا. التأكيد على أهمية المهبل مرة أخرى يجعل المرأة تعتمد على الرجل جنسيا.

خامسا: النسوية والوجودية:
اثنان من أهم أعمال النظرية النسوية المعاصرة: Beauvoir s The Second Sex (1949) و Daly s Beyond God the Father (1973) مشتقان من الوجودية، إحدى الحركات الفلسفية في القرن العشرين. وجدت الوجودية تعبيرها الأكثر شعبية في أعمال المفكر الفرنسي سارتر. من ناحية الأنا المتعالية والمراقبة، للذات الثابتة أو الأنا المرصودة. في نقد نسوي مهم لنظرية سارتر، أشار "كولينز وبيرس" إلى أن الذات المتعالية تمثل الذكورية وتمثل الذات المرصودة قدرا كبيرا من المواقف الأنثوية. واستخدمت "بوفوار" الرؤية الوجودية لشرح الوضع الثقافي والسياسي للمرأة. في الثقافة الأبوية، بينما يتم تأسيس الذكر والمذكر كإيجابيات أو معايير، يتم تأسيس الأنثى أو الأنوثة على أنها سلبية، وغير أساسية، وغير طبيعية، باختصار هي الآخر. يتم تعريف الرجل وتميزه على أساس الرجل ليس المرأة، فالرجل هو الموضوع والمكانة المطلقة، والمرأة هي الآخر. يأخذ الرجل دور تثبيت المرأة كشيء وإدانتها في حالة من الباطنية الأبدية، لأن سموها سيطغى عليه ويقمع الرجل الذي لا غنى عنه والمسيطر. تتكهن "بوفوار" بأنها تستنتج الهوية والاغتراب الأساسي للمرأة باعتبارها الآخر من وظيفة ما قبل التاريخ لتقسيم العمل، ويرجع ذلك جزئيا إلى جسدها. الحمل والولادة والحيض أحداث جسدية تربط المرأة بجسدها وجوهرها وتفرغها. جسد الأنثى مقيد؛ والواجبات المنوطة بالمرأة قائمة على التكرار، والرجل يهيمن على الطبيعة والمرأة بمخططاتهما. تعتقد "بوفوار" أن النساء حافظن على هذا الوضع حتى يومنا هذا إلى حد ما تتهمهن بالتواطؤ. وتذهب إلى أبعد من ذلك، قائلة إن المرأة تغويها المزايا المعروفة لدورها، كونها أشياء محمية، والتي تُسهل على المرء أن يتحمل المسؤولية عن حياته. ولكي تكون المرأة الآخر، عليها أن تجعل من نفسها شيئا. هناك أيضا جوانب مزعجة لهذه النظرية. أحدها هو أن هذه النظرية تركز بشكل أساسي على ربة المنزل البورجوازية البيضاء. ومنه يجب مناقشة جانبين آخرين للنظرية الوجودية النسوية. الأول حول استيعاب الآخر والثاني حول إعادة البناء للواقع الضروري للتحرر. فدخول الآخر هو أن تعريف نفسه بأعين المجموعة المهيمنة في المجتمع. فالتعريف العنصري الأبيض بأن السود هم الآخر من حيث اللون؛ والمرأة هي الآخر من حيث الجنس. هذا هو قبول أن يكون الكائن على ما هو ليتم احتضانه من الأصل. في سبعينيات القرن الماضي، قالت "تاكس" إنه من أجل البقاء على قيد الحياة، يجب أن تكون المرأة على دراية بنظرة الرجل. وعلى النساء يجب أن يدركن تماما بيئتهن للحماية. وتقول إن الهتافات اليومية تصور حالة المرأة المُستعمرة؛ الضريبة: "ما يفعله الناس هو ترك علامات على النساء، سيطالبون بتوجيه أفكارهم إليها، سوف يستخدمون جسدها بأعينهم، سوف ينظرون إلى سعرها في السوق، سوف يعلقون على نقاط ضعفها أو يقارنوها بنقاط ضعف الآخرين، سيضيفونها إلى تخيلاتهم دون الحصول على موافقتها، سيجعلوها تشعر بالسوء أو القبح.. قبل كل شيء، ستجعلوها تشعر وكأنها شيء". وتقول؛ عندما تكون النساء على استعداد لرؤية هويتهن كشيء، فإنهن عالقات مع أنفسهن الجسدية، وبالتالي، فإن أجسادهن تتناسب مع فهم الرجال للجمال. كتبت "دنسمور" أن أسطورة الجمال الأنثوي ضرورية للتعريف الثقافي للمرأة؛ لا يُنظر إلى المرأة القبيحة على أنها أنث، بل أنثوية. إنها عقوبة الأنثوية أن توضع على وجه جميل، تم إنشاؤه بمساعدة مستحضرات التجميل. وتصف طقوس وضع المكياج قبل الاجتماع؛ بأن الهدف المنشود هو إنشاء كائن جميل.. الوجه التجميلي هو مجرد شيء. لدى النساء خياران: إما أن نبتعد عن القناع ونتجه نحو الداخل، ونجعل أنفسنا الحقيقية غير مرئية، ونرى القناع على أنه اصطناعي وغير طبيعي؛ أو ننزلق إلى عالم الألعاب والنرجسية. كما تشير "بوفوار" مثل كل المضطهدين، تخفي المرأة عن عمد مشاعرها الحقيقية، فقد تعلمن كل أولئك اللواتي يدمنون نزوات سيدهن أن ينظرن إليه بابتسامة ثابتة أو قسوة غامضة؛ يتم إخفاء مشاعرهن الحقيقية وسلوكياتهن المعتادة بعناية. وهكذا تتعلم النساء الكذب على الرجال، والغش والدهاء والتعبير الزائف والحذر والنفاق والتظاهر. وتقول "ريتش": “لقد كانت المرأة مجنونة ومضللة لعدة قرون، وتنكر تجاربنا وغرائزنا في ثقافة لا تقدر إلا تجربة الذكور. حقيقة أجسادنا وعقولنا جعلتنا غامضين". لذلك يجب على النساء تفكيك وإعادة بناء العالم، حيث يتم تحديد العالم والواقع من منظور ذكوري.

سادسا: النسوية الراديكالية:
تم تطوير النظرية النسوية الراديكالية في نيويورك وبوسطن من قبل مجموعة من النساء الناشطات السابقات في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. كانت هؤلاء النسوة من اللواتي شاركن في الأنشطة السياسية للحقوق المدنية والحملات المناهضة للحرب في الستينيات. ووصلن إلى وعيهن من خلال رد فعلهن على السلوك المهين للمتطرفين الذكور تجاه اليسار الجديد؛ لأنهم تعرضوا لمعاملة من الدرجة الثانية. لقد كن مصممات على غرس فكرة أن قضاياهن الذاتية الشخصية لها نفس الأهمية والشرعية لقضايا العدالة الاجتماعية والسلام، واعتقدن أن أساس التغيير الثوري الحقيقي هو النسوية. والأطروحات الأخرى هي أن الهيمنة السياسية أو الأبوية أو الهيمنة الذكورية هي أساس اضطهاد المرأة، وأن النساء يعتبرن أنفسهن طبقة أو طبقة مكبوتة، وأن الرجال والنساء يجب أن يوجهوا طاقاتهم إلى حركة تناضل ضد الرجال الذين يضطهدونهم مع النساء الأخريات. وأظهر "دنيسمور" أن حرية المرأة والحرية الجنسية ليسا مترادفين، فيقول إنه لا ينبغي للمرأة أن ترى الحرية الجنسية على أنها الحرية الكاملة والهدف النهائي.

طورت الجماعات الإدارية الراديكالية في نيويورك التي تشكلت في عامي 1967 و 1968 الجسم الرئيسي للنظرية النسوية الراديكالية. الفرضية الرئيسية التي ظهرت هي أن نظام أدوار الرجل والمرأة القمعي سياسيا هو النموذج الأول والأصلي لكل أنواع الاضطهاد. دعت النسويات أيضا إلى إلغاء الزواج والأسرة، وإنشاء الجنس المغاير، وتطوير وسائل خارج الرحم للتكاثر. الأطروحة النسوية الراديكالية هي أول بيان يجادل بأن اضطهاد المرأة يرجع في المقام الأول إلى عوامل نفسية وليست اقتصادية؛ والعلاقة بينهما سياسية، ويستخدمون مصطلح السياسة الجنسية للتأكيد على أن السياسة تسود في المجال الشخصي للحميمية الجنسية. ويرى "ميليت" أن الأسرة هي المصدر الرئيسي للتلقين الأيديولوجي. حيث تعمل الأسرة على تنشئة الشباب في إطار الفكر الأبوي وبالتالي، يتم ضمان إعادة إنتاج النظام الأبوي. إن استخدام الاغتصاب كأداة سياسية لترويع النساء هو أطروحة تم تطويرها من قبل النسويات الراديكاليات الأخريات. إن الاغتصاب ليس عملا من أعمال العنف التعسفية، بل هو عمل من أعمال القمع السياسي، ويمارسه أعضاء طبقة قوية ضد أفراد طبقة ضعيفة. يقول "براونميلر" واصفا الاغتصاب بأنه أيديولوجية ذكورية، "لقد خدم الاغتصاب في الواقع طليعة من الذكور كجنود صاعقين، مقاتلين إرهابيين في أطول حرب شهدها العالم على الإطلاق". يشير "براونميلر" إلى كيفية مساهمة المواد الإباحية والدعارة في الاغتصاب، حيث إنهما يروجان لإيديولوجية تحط من جسد الأنثى وتستخدمه، قائلة: "إن الفكرة القائلة بأن الدافع الذكوري القوي يجب أن يُرضى فورا بفئة تعاونية هي جزء لا يتجزأ من علم النفس الجماعي للاغتصاب. في واقع الأمر، حتى يوم اختفاء الدعارة تماما، فإن التصور الخاطئ بأن الوصول إلى النشاط الجنسي هو امتداد لسلطة الرجل وامتيازه سيستمر في تغذية عقلية المغتصب". تدور أكثر نقاشات "أتكينسون" جذريةً وإثارةً للاهتمام، حول فكرة الحب باعتباره علم الأمراض المتجذر في الهويات المشوهة وغير المكتملة للرجال والنساء. ويقول: "ظاهرة الحب هي المحور النفسي في تعذيب المرأة. تنمي المرأة الحب كوسيلة نفسية للتعامل مع الاضطهاد اليائس. الحب هو الجهد البائس الذي تقوم به النساء للارتقاء إلى مرتبة الإنسان". يقول "أتكينسون": "إذا كنا أحرارا، فهل كنا بحاجة إلى الحب؟" وفقا لـ "فريستون": "الحب هو حجاب يخفي الاهتمام الجنسي الأساسي للرجل". فإيديولوجيا الحب هي أفيون النساء، وهو يشجع فكرة أن تعيش المرأة من أجل الرجل والجنس/ الحب. وفريستون يساوي بين التحرر السياسي والجنس؛ فإذا نظرنا إلى النظريات النسوية التي طورتها النساء الملونات والمثليات؛ ندرك أن النساء السود ونساء الأقليات الأخريات في الولايات المتحدة يواجهن خطرا مزدوجا، إنن يتحملن الضغط بسبب سلالتهن وبسبب عرقهن، والتمييز العنصري داخل المنظمات النسوية والتمييز بين الجنسين في المجموعات السياسية. تستمر النساء من مختلف الألوان في تجريب تجربة ثقافية مختلفة عن النساء البيض؛ إنهن قلقن من تجاهل هذه الهوية المختلفة لأنها ستنكر واقعهم الخاص. إذا احتجنا إلى إعطاء أمثلة لتجارب مختلفة، فإن مشكلة حرمان النساء البيض من الطبقة العالية من الوصول إلى العمل المنتج هي أن معظم النساء السود تعملن على أساس إلزامي في ظروف صعبة. تتحدث "موراي" عن الاختلاف بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء السود والبيض. النساء السود يبقين بمفردهن في كثير من الأحيان، ولديهن أطفال أكثر، ويبقين لفترة أطول في سوق العمل، ويتلقين تعليما أقل، ويكسبن أقل، وما إلى ذلك. وبينما تحارب هؤلاء النساء جنبا إلى جنب مع الرجال السود ضد العنصرية، فإنهم يقاتلون الرجال السود بسبب التمييز على أساس الجنس. طورت النسوية السحاقيات عدة نظريات منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، جادلت السحاقيات بأن أساس اضطهاد المرأة هو إضفاء الطابع المؤسسي على الجنس الآخر. مثل النساء ذوات البشرة الملونة، كانت المثليات ضحايا لخطر مزدوج؛ عليهن محاربة الخوف من المثلية الجنسية داخل الحركة النسوية والشوفينية الذكورية في المجتمع. تمت محاولة إنقاذ مصطلح السحاقيات من كونه مجرد هوية جنسية ورفض تعريفه بمصطلحات الرجال؛ السحاق ليس مجرد مشكلة اتصال جنسي، إنه أسلوب حياة. تجادل المنظرات السحاقيات بأن الجنس الآخر هو حجر الزاوية في النظام الأبوي، حيث يفترض التغاير الجنسي أن أي امرأة يعرفها الرجل هي ملك له، وإذا لم ترد ذلك، فإنها يمكن أن تنام مع أي غريب.

سابعا: أخلاق نسوية الجديدة:
تنص الحركة النسوية المعاصرة على أن الأخلاق السياسية النسوية يمكن أن تتشكل من خلال الجمع بين الثقافة والممارسات والخبرات التقليدية للمرأة. تختلف النسويات الثقافية السياسية اليوم عن الحركة النسائية السابقة؛ وهناك تشابه بين تجارب النساء الشخصية مع القمع والواقع الموضوعي، مثل إمبريالية الحرب، والتدمير التكنولوجي للبيئة، والاضطهاد السياسي على مستوى العالم.. حيث لا تشارك المرأة في السلطة السياسية في المجتمع ولا تتحكم في الحقائق التي تشكل حياتها؛ وفي كل مكان وفي جميع الأوقات تقريبا، يُنظر إلى المرأة على أنها تنتمي إلى الفضاء المنزلي.. وعلى مر التاريخ، تم تكليف النساء بالأعمال الخاصة والمنزلية. الوظائف الاقتصادية التاريخية للمرأة تصلح للاستمال لا للتغيير. تمر النساء بتجارب جسدية مختلفة مع الرجال، وتشير التجارب الاجتماعية في ظل هذه الظروف إلى أن المرأة شديدة الحساسية تجاه بيئتها، وهو امر مفروض، لأنه إذا لم تكن متيقظة باستمرار في شوارع المدينة، فهي في خطر حقيقي؛ وتم تطوير وسائل منع الحمل بسبب حقيقة أن النساء لا يمكن أن يمارسن الجنس مع الرجال دون المخاطرة بالحمل.
في"The Anatomy of Freedom" يجادل "مورغان" بأن وجهة نظره الأخلاقية للنسوية الجديدة مشابهة لتلك الخاصة بالفيزياء الجديدة. على عكس الفيزياء النيوتونية، التي تكسرها نظرية الكم الحتمية الدقيقة. وتتوافق النظرة الأنثوية للعالم مع العديد من جوانب الرؤية الكونية الجديدة. ونرى في كتاب "فيرجينيا وولف -Three Guineas " أن النسوية هي النضال الأساسي ضد الفاشية الأبوية. والفاشية هي تمييز على أساس الجنس ضد المرأة. وقول إذا كانت النسوية دائما صراعا ضد الاستبداد، فإنه إذا تم إنشاء مدرسة يتم فيها تدريس قيم المرأة، عندها يمكن تجنب الحرب. بالإضافة إلى ذلك، إذا تمكنت المرأة من تولي مناصب في السلطة، فيمكن أن تتطور أخلاقيات مناهضة للعسكرية ووقائية للحياة.

ثامنا: في الثمانينيات وما بعدها:
كان الموضوع المركزي للنظرية النسوية هو مقاومة استبداد الخطاب الأحادي. خلال هذه الفترة، تم التركيز بشكل أكبر على الاختلافات بين النساء (العرق والطبقة والإثنية والجنس). وظهرت اشتباكات بين النظريات النسوية المختلفة، واستمرت الليبرالية في كونها الاتجاه السائد. فتركزت المناقشات حول التحول من الموقف الليبرالي التقليدي إلى الموقف الأكثر انعكاسا من تجارب وممارسات المرأة. كما أن التعبير عن خصوصية اضطهاد النساء ذوات البشرة الملونة أو المثليات أو المسنات أو المعاقات خلق احتجاجا على النظرية الليبرالية التي تجاهلت هذه الاختلافات. يجادل "باتيمان" بأنه في النظام الأبوي، تعكس القوانين المبدأ الأبوي الأساسي بأن الرجال لديهم بعض الحقوق الجنسية على النساء، وهو العقد الجنسي؛ وبالتالي، فإن عقود الزواج وقانون الزواج يضمنان للأزواج سيطرة الزوج على زوجاتهم وطاعتهم، وحتى اليوم هناك أماكن لا يُقبل فيها الاغتصاب الزوجي لهذا السبب. كما يمكن أن نرى، فإن التمييز بين المجالين العام والخاص لا يزال لب المناقشات. وهذا التمييز بين المجال العام والخاص يتوافق مع تباينات من قبيل العقل والجسد والعواطف والرغبات.. وبالتالي، فإن الخطاب العام يتطلب استبعاد الأنوثة والمرأة من المؤسسات التعليمية إلى المستشفيات والسجون والجيش، وتعتمد البيروقراطية على افتراضات تأديبية تجبر المعنيين على اتخاذ مواقف ممنهجة. فالنساء والفئات المهمشة الأخرى أقل تضمينا في الهيكل البيروقراطي. كما امتد النقد النسوي للعلم في السنوات الأخيرة؛ حول قلة عدد النساء في هذا المجال وتعاون العلم مع صناعة السلاح. ويتجاهل القانون أيضا التميزات الفردية لمكانة المرأة. فالمعايير المستخدمة تحاكي حياة الرجال. بينما كان العنف الجنسي هو أحد المجالات التي نجحت فيها النساء في توسيع مطالبها ضدها. وطورت النسويات خطا في النظرية الماركسية حيث نظرن إلى القوة العاملة التقليدية للنساء، وأظهرن أن وضعها حرج ومدمّر. ولكي تنجح النسوية كحركة سياسية جماهيرية، على النسوية أن تظهر للجميع أنها تفسير سياسي لظروف المرأة.
مصطلح النسوية البيئية صاغته النسوية الفرنسية "فرانسواز ديوبون" في عام 1974. ويشير هذا المصطلح إلى التقاء الإيكولوجيا والنسوية معا. كانت هؤلاء النسويات أيضا على دراية بقضية حقوق الحيوان في النسوية البيئية. ويعود التعرف السلبي بين النساء والحيوانات إلى أرسطو. النسويون الإيكولوجيون هم رواد التعريف الذي ماثل بين المرأة والطبيعة. وبينما رفضت النسويات الأوائل هذا التعريف، جادلن بأنه لا ينبغي لنا قطع العلاقة بين الطبيعة والمرأة. وعلى الرغم من أن النسويين الإيكولوجيين يتفقون بشكل عام على المبادئ الأساسية، إلا أن هناك بعض الفروق النظرية داخل الحركة. وهناك الكثير مما يجب حله في نظرية النسوية الإيكولوجية؛ حيث كانت هذه الأشياء معظم المناقشات التي استمرت حتى يومنا هذا.