نحو اعداد أستراتيجية وطنية لوقاية الشباب من الأنتحار في العراق وفق منظور منظمة الصحة العالمية



سوسن شاكر مجيد
2021 / 6 / 13

يعد الانتحــار ظـاهرة واسعة الانتشـار تفاقمت في الوقـت الراهـن بشكل خـطير، فبين الحين والآخر تنشر وسائل الإعلام أنباء حول إقدام شاب أو فتاة على التخلص من الحياة بسـبب تعرضه لضغـوط عصبية أو مالية أو اجتمـاعية أو عاطفية. وان الانتحار هو السبب العاشر للوفيات على مستوى العالم بعد حوادث المرور، يعد من القرارات الشخصية جدا التي يتخذها الفرد دون الرجوع إلى الآخرين، وتسهم العوامل النفسية والاجتماعية بدور كبير في وقوعه، كما يبدو الانتحار وكأنه موجه إلى تدمير الذات فقط لكنه عمل عدواني أيضا ضد الآخرين .
وفي كل عام يضع مايقارب 900000 شخص نهاية لحياته، ويشكل ذلك حالة وفاة واحدة في كل 40 ثانية. ويعتبر الانتحار، على الصعيد العالمي، إحدى مسببات الوفاة الرئيسية الثلاث لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 عاما هذا فضلا عن الكثيرين ممن يحاولون الانتحار. وتمثل كل حالة انتحار مأساة تؤثر على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها بما تحدثه من آثار طويلة الأمد على من تركوهم ورائهم.
والانتحار لا يحدث في البلدان المرتفعة الدخل فحسب، بل هو ظاهرة عالمية في جميع أقاليم العالم. وفي حقيقة الأمر، إن أكثر من 78% من حالات الانتحار العالمية في عام 2015 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويمثل الانتحار مشكلة خطيرة للصحة العمومية بيد أنه يمكن توقيه بفضل تدخلات آنية مسندة بالبينات والتي عادة ما تكون منخفضة التكاليف. ولضمان فعالية الاستجابة الوطنية يتعين توفير استراتيجية شاملة متعددة القطاعات للوقاية من الانتحار.
اولا: تعريف الانتحـــار: Suicide
هو كل فعل أو أفعال يقوم بها صاحبها لقتل نفسه بنفسه وقد تم له ذلك وانتهت حياته نتيجة هذه الأفعال، والانتحار ليس حدثا منعزلا، بل هو عملية معقدة، وأن السلوك الانتحاري يمكن تصوره باعتباره واقعا على متصل لقوة كامنة تشمل تصور الانتـحار، ثم التأملات الانتحـارية، ثم محاولة الانتحار، وأخيرا إكمال هذه المحاولة الانتحارية.
ثانيا:مشكلة الأنتحار في الوطن العربي:
أن الانتحار أصبح ظاهرة مقلقة في السنوات القليلة الماضية في أغلب البلدان العربية والعراق، وأشارت الإحصائيات إلى أن أكثر من 78% ممن يقدمون على الانتحار تنحصر أعمارهم بين 17-40 عاما، وأغلب دوافع التخلص من الحياة يدخل فيها التدهور الاجتماعي والاقتصادي والفشل.
وأن الدول العربية سجلت أعلى معدلات الانتحار في العالم وسجلت ارتفاعا سريعا وصل إلى 4 منتحرين في كل 100 ألف نسمة في العقد الأخير، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2012. وان كلا من السودان ومصر والمغرب وتونس والجزائر تتصدر قائمة الدول العربية التي تسجل أعلى معدلات حوادث الإنتحار لكل 100 ألف شخص، فيما صنفت السعودية وسوريا في أسفل القائمة.
وتأتي السودان في المركز الأول بمعدل 17.2 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، فيما يأتي المغرب في المركز الثاني بمعدل 5.3 حالة انتحار، وصنفت قطر في المركز الثالث بمعدل 4.6 حالة انتحار، يليها اليمن بنسبة 3.7 ، ثم الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.2 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص.
ووصلت معدلات الانتحار في موريتانيا إلى 2.9 حالة، وتأتي بعدها تونس بمعدل 2.4، أما الأردن فقد سجل ارتفاعا في معدلات الانتحار مقارنة بإحصاءات عام 2012 مسجلا نسبة 2 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة، أغلبهم من الأطفال.
وتغلب نسبة الانتحار بالجزائر على فئة الشباب والمراهقين، خاصة منهم الإناث، وقد وصلت حالات الانتحار في عام 2014 إلى 1,9 حالة ، ثم تأتي ليبيا بعدها في التصنيف بمعدل 1,8 حالة انتحار، وتليها مصر بمعدل 1,7 حالة، أما العراق فوصلت فيه معدلات الانتحار إلى 1,7 حالة.
اما ادنى حالات الأنتحار كانت في سلطنة عمان بنسبة 1 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، يليها لبنان ب0.9 حالة.
وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الانتحار في منطقة الشرق الأوسط ترتفع خاصة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاما، والنساء والرجال من عمر 60 عاما فما فوق.

ثالثا: مشكلة الأنتحار في العراق:
كشفت مفوضية حقوق الانسان العراقية عن زيادة معدلات الانتحار في العراق خلال العام 2013 عن سابقتها بنسبة 60 % ماعدا اقليم كردستان، واشارت الى ان محافظة ذي قار سجلت اعلى حالات الانتحار في محافظات العراق بـ (119) حالة، و76 في ديالى و68 في نينوى و44 في بغداد و33 في البصرة و16 بالمثنى و15 في ميسان و12 في واسط، وبينت ان طرق الانتحار تراوحت بين الشنق بالحبل والغرق واستخدام السلاح الناري والحرق.
وان هناك 439 حالة انتحار مسجلة بشكل رسمي في العراق خلال العام 2013 وأغلبهم من الشباب وأن المشاكل الأقتصادية والأجتماعية والنفسية، فضلا عن حالات التفكك الاسري وزيادة المشكلات الأجتماعية كحالات الطلاق، وانتشار العنف الأسري، وكثرة المشاكل الزوجية، وتسلط الأباء على الأبناء، واحداث الحياة الضاغطة وتناول الكحول والمخدرات كلها تقف وراء دفع العراقيين الى الانتحار.






رابعا: طرق الانتحار
يقدر أن حوالي 30% من حالات الانتحار العالمية تنجم عن التسمم الذاتي بالمبيدات، والتي يقع معظمها في المناطق الزراعية الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويعتبر الشنق والأسلحة النارية من الطرق الأخرى الشائعة للانتحار، فضلا عن القفز من المباني المرتفعة والجسور او امام القطارات ، وتناول كميات كبيرة من الأدوية وغيرها. ووجد ان البلدان المرتفعة الدخل يمثل الشنق 50% من حالات الآنتحار وثم الأسلحة النارية 18%.
إن معرفة أكثر طرق الانتحار شيوعا من الأمور المهمة في وضع الاستراتيجيات الي أثبتت فعاليتها في الوقاية من الانتحار مثل تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار.
خامسا: العوامل المؤدية الى الأنتحار تتجسد بما يلي:
ا. عوامل صحية: كالأمراض وعدم الحصول على الرعاية الصحية.
ب. المجتمع: مثل التقارير الأعلامية غير الملائمة والأستخدام السيء للأنترنت ووسائل التواصل الأجتماعي، سهولة الحصولة على وسائل ألأنتحار، الوصم المصاحب لسلوك طلب المساعدة.
ت.المجتمع المحلي : مثل الكوارث والحروب والصراعات، التمييز ، الصدمة والأنتهاك، وغيرها
ث. العلاقات: الشعور بالعزلة وفقدان الدعم الأجتماعي، الصراع او الشقاق او الخسارة في العلاقات.
ج. الفرد نفسه : مثل الأضطرابات النفسية بأشكالها ، تناول االكجول والمخدرات، المحاولات السابقة للأنتحار ، فقدان الوظيفة او الخسارة المالية، الألم المزمن، اليأس، العوامل الوراثية والبيولوجية، تاريخ عائلي للأنتحار.

سادسا: الأستراتيجية الوطنية للحد من الأنتحار وفق منظور منظمة الصحة العالمية:
وضعت منظمة الصحة العالمية استراتيجية متكاملة للوقاية من الأنتحار تضمنت الأهداف والغايات ووسائل التنفيذ والمخطط بوضح ذلك:



المقترحات والتوصيات:
1- ضرورة التزام العراق بخطة منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية (2013-2020) بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بنسبة 10% بحلول عام 2020.
2- وضع أستراتيجية وطنية لوقاية الشباب من الأنتحار بالتنسيق مع الوزارات المعنية ( التربية والتعليم العالي، الصحة، الداخلية، الشباب) والمنظمات والجمعيات الدولية المتخصصة .
3- الأستعانة بدليل منظمة الصحة العالمية والعمل على ترجمته وتوزيعه على مدارس العراق والجامعات ووزارة الشباب والأستفادة منه لأغراض التوجيه والأرشاد وتطبيق ماورد فيه.
4- توفير الحماية والتدخلات النفسية والأجتماعية والتربوية والأسرية والمجتمعية للأفراد والشباب الذين يعانون من الآنتهاكات والصدمات او الصراعات او الكوارث واللاجئون والمهاجرون والسجناء وغيرهم للحد من الأضطرابات النفسية التي قد يعانون منها جراء الأنتهاكات والتي تؤدي الى الأكتئاب والقلق واليأس ومن ثم الأنتحار.
5- تجنب الوصف التفصيلي للأعمال الأنتحارية والأثارة واستخدام اللغة المسؤولة عن اعداد التقارير الأعلامية، وتجنب الأفراط في التبسيط وتوعية الجمهور بموضوع الأنتحار والعلاجات المتاحة.
6- توفير الحماية والرعاية النفسية والصحية للعسكرية في الخدمة او المحالين على التقاعد ، وكذلك العاملين في سلك الشرطة، للحد من مخاطر الأنتحار بين هذه الفئات.
7- تطبيق السياسات والخطط للحد من استهلاك الكحول على نحو ضار؛
8- التشخيص والعلاج والرعاية المبكرة للمصابين باضطرابات نفسية أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والآلام المزمنة والاضطرابات العاطفية الحادة.
9- تدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري والباحثين النفسيين ، والأطباء، ووالمعلمين ، وقادة منظمات المجتمع المدني، ورجال الدين، وغيرهم لتقديم الرعاية النفسية والصحية وألأجتماعية والروحية للمعرضين لخطر السلوك الأنتحاري.
10- توفير قاعدة بيانات تفصيلية عن حالات الانتحار من خلال تسجيل بيانات الأحوال المدنية المتعلقة بالانتحار، وسجلات المستشفيات الخاصة بمحاولات الانتحار والمسوحات الأخرى والتي تقوم بجمع المعلومات حول محاولات الانتحار المبلغ عنها ذاتيا وخصائص وأساليب الانتحار وغيرها
11- ايجاد مراكز اتصال عامة التي يمكن للأفراد ان يلجأوا اليها عندما لايتوفر اي دعم اجتماعي او رعاية مهنية
12- التصديق على المعاهدات والأتفاقيات الدولية الخاصة بالمواد الكيمياوية والمبيدات الخطرة والنفايات الخطرة وتطبيق التعليمات على بيع المبيدات والمواد الكيمياوية والحد من فرص الوصول اليها من خلال تخزينها في مكان آمن او التخلص منها.
13- التشديد بشأن حيازة الأسلحة النارية في المنازل واجراءات الحصول عليها وتسجيلها والحد من امتلاك الأسلحة اليدوية كأسلحة شخصية واصدار حكم بالحد ألأدنى للعمر المسموح له شراء سلاح ناري.
14- تقييد فرص الحصول على الأدوية التي تستخدم في ألأنتحار كتدبير وقائي فعال.
15- اجراء البحوث والدراسات ذات العلاقة بأثار السلوك الأنتحاري للشباب على الفرد والأسرة والمجتمع وتحديد البرامج الأرشادية العلاجية التي يمكن استخدامها من اجل ايجاد حل للمشكلات.
16- تبادل الخبرات مع المنظمات الدولية المعنية بالوقاية والتدخل بمنع الأنتحار من خلال عقد مؤتمر متخصص ودعوة الخبراء العراقيين والاجانب للمشاركة فيه
17- اقامة ندوات التوعية من قبل منظمات المجتمع المدني في العراق حول مخاطر هذه الظاهرة ومايترتب عليها من اضرار التي قد تنعكس على المجتمع وعلى الشباب انفسهم
18- تقديم خدمات الزيارات المنزلية لعوائل واسر الشباب الذين اقدموا على الأنتحار من قبل الباحثين الأجتماعيين في وزارة العمل والشؤون ألأجتماعية ووزارة التربية.
19- ضرورة قيام المؤسسات الاعلامية بفحص الافلام والبرامج الخاصة ومراعاة خلوها من العنف والقتل والأنتحار وما شاكل ذلك.
20- الاهتمام بتعيين المرشدين التربويين في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات للتدخل في معالجة مشكلات الطلاب بوقت مبكر لتلافي اقدامهم على الأنتحار.