المناصفة السياسية بين القوانين و إرادة الاحزاب



فاطمة وريط
2021 / 7 / 23

المناصفة السياسية بين القوانين
و إرادة الأحزاب
إن المشاركة النسائية في الحياة السياسية هي ركن أساس للديمقراطية و التنمية بالمغرب، باعتبار أن المرأة تمثل حجر الزاوية في كل تطور ديمقراطي، كما يعتبر التقدم الحاصل في مجال مشاركة المرأة في السياسية من خلال تفعيل مبدأ المناصفة بالتدرج و باعتبار أن ورش المناصفة والمساواة لا يقل أهمية عن الأوراش و القضايا الوطنية الأخرى و ذلك من أجل تنزيل و تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بولوج المرأة المغربية للحياة المجتمعية عموما و السياسية خصوصا.
المسار السياسي و التشريعي للمشاركة السياسية للنساء

تعتبر التجربة المغربية نموذجا رائدا في عملية الإصلاح التي تحتل فيها قضايا المرأة حيزا مهما، ذلك أن تفعيل المشاركة السياسية للنساء، و ارتباطها بالتحديث يعكس مدى الإدراك العميق لدى الدولة و جل الفاعلين بأهمية تشجيع و دعم ولوج المرأة إلى المجال السياسي ،إذ من غير المبرر أن يستبعد نصف المجتمع من الدوائر السياسية التي تتخذ فيها القرارات التي تؤثر على حياة المواطنات و المواطنين، ذلك أن التمثيل السياسي للمرأة له مبررات أخلاقية و سياسية و اقتصادية كمطلب حيوي في البناء الديمقراطي و تكريس الحق في المواطنة الكاملة.
ويعزى التقدم النسبي في الحقوق السياسية التي اكتسبتها المرأة المغربية ما يقارب نصف قرن سواء من خلال الدساتير المغربية و انطلاقا من أول تمثيل نيابي سنة 1993 إلى محطات انتخابية بتفعيل قوانين جديدة خصت تمثيلية النساء بالكوتا " الحصيص " حيث في 2002 خصت النساء ب 30 مقعدا ضمن اللائحة الوطنية و تمكنت 5 نائبات بالفوز في اللوائح المحلية و شكلن نسبة % 11 من مجموع أعضاء مجلس النواب، مما اعتبر مكسبا مهما في عهد حكومة الانتقال الديمقراطي و في ظل توفر الإرادة السياسية العليا، إذ عرف مسار الكوتا السياسية الخاصة بالنساء مدا تصاعديا، فبعد انتخابا 2009 - حيث بلغت النساء المنتخبات 12,17 % في مقابل 0,56% سنة 2003 و بلغ العدد 3406 امرأة منتخبة لكن المشاركة و التمثيلية في مجلس المستشارين بقيت هزيلة جدا- لتأتي محطة دستور 2011 الذي تنص ديباجته على سمو الاتفاقيات الدولية ، و عكس مضمونه مقتضيات متقدمة كالمساواة بين الرجال و النساء في جميع المجالات( الفصل 19)، و تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين النساء و الرجال، كما نص الفصل 30 على تشجيع تكافؤ الفرص لفائدة النساء في ولوج الوظائف، و الفصل 146 الذي وضع أحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المنتخبة................ .
إن الرؤية الديمقراطية لفلسفة المناصفة في التمثيلية السياسية للنساء تنبني على نظريتين:
النظرية الأولى تتطلب إرساء سياسة ضد التمييز مبنية على ما يسمى بالفعل الإيجابي l’action positive الذي يعبر في فلسفة الأمم المتحدة على عملية تصحيحية للأعطاب التاريخية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمعات الأبوية، إذ عملت مجموعة من الدول الأوربية و الأمريكية بمبدأ التمييز الايجابي لتحقيق تقدم مهم في مجال المساواة بين الجنسين.
نظرية مبنية على مناصفة تسمح بوصول النساء إلى مراكز القرار و تمثيلية سياسية جد متقدمة عبر الانتخابات بترشيح النساء و وضع الثقة في كفاءتهن و قدرتهن داخل المؤسسات الدستورية و الجماعات الترابية في تمثل المسؤوليات و الوظائف الانتخابية للمساهمة في تخليق الحياة العامة و تنزيل أوراش الجهوية الموسعة و التنمية المنشودة .
II. القوانين / نافذة الفرص المتاحة
في إطار توسيع أحكام التمثيلية السياسية للنساء في مختلف الاستحقاقات الانتخابية على المستوى الوطني و الترابي - الجهوي، الإقليمي المحلي، و الإمكانيات و الفرص التي تتيحها القوانين الانتخابية بهدف تشجيع تمثيلية المرأة، و في سياق تقديم الإطار العام لجو التوافق، تارة و التجاذب تارة أخرى، الذي حققته المشاورات بين الحكومة و الأحزاب السياسية للرفع من أعداد المقاعد لزيادة التمثيلية النسائية في أفق تحقيق المناصفة و إمكانية تمثيل دائم في المستقبل بقوة الحضور الواقعي و الفعلي للمرأة من دون اللجوء لمبدأ المحاصصة و تحقيق هدف التمكين السياسي للمرأة كأحد ركائز أهداف التنمية لسنة 2030، تمت المصادقة على مجموعة من القوانين التنظيمية :
القانون التنظيمي 21-04 لانتخاب أعضاء مجلس النواب.
القانون التنظيمي 21-05 لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين.
القانون لتنظيمي 21-06 لانتخاب أعضاء الجماعات الترابية
القانون التنظيمي 21-07 المتعلق بالأحزاب السياسية.
للقانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب
عرف هذا القانون تغييرا مهما على مستوى الدائرة الانتخابية الوطنية التي تم تحويلها إلى دوائر انتخابية جهوية بخصوص انتداب أعضاء مجلس النواب وفق تصور جديد، حيث تمت المحافظة على نظام التمييز الإيجابي و تخصيصها للنساء ب 90 مقعدا، مع تقسيم هذه اللائحة الوطنية إلى لوائح جهوية، و عدد المقاعد المخصصة لكل جهة ستكون متناسبة مع عدد السكان حسب معيار يقطع مع العشوائية و إقرار تقسيم يتلاءم مع العدالة المجالية، لأن مجموعة من الأحزاب السياسية في الاستحقاقات السابقة كانت تحتكم لمنطق الزبونية و المحسوبية و العلاقات العائلية في تحديد و ترتيب النساء في اللائحة الوطنية مما يقصي الكفاءات الجهوية و المحلية، و يخلق استياء و نفورا في نفوس المناضلات داخل الأحزاب، و سيتم تخصيص عدد من المقاعد لكل جهة تتراوح بين 3 و 12 مقعد، للإشارة فكل أحزاب الصف الديمقراطي و الحداثي طالبت بتحويل اللائحة الوطنية للوائح جهوية، كما نص هذا القانون على بنود من أجل ضمان دخول نسبة أكبر من النساء إلى المجلس بإلزامية وضع النساء في المرتبة الأولى و الثانية من اللائحة، لأنها تبقى لوائح في إطار الدوائر الإضافية يمكن للأحزاب ملأها بمرشحين ذكورا كما حدث في الدوائر الإضافية لعدد من الجماعات الترابية خاصة في العالم القروي، بحجة عدم وجود نساء يرغبن في الترشيح، من هنا يأتي مكسب الإلزامية القانونية في الرفع من التمثيلية النسائية و هو مطلب لجمعيات الحركة النسوية و الحقوقية بالمغرب ضمن مطالب أخرى كمطلب إلزامية الأحزاب بوضع رجل إمرأة بالتتابع مع الاختلاف الجنسي في اللوائح الانتخابية المباشرة كآلية لتشجيع النساء على المشاركة السياسية و تحقيق التناصف الانتخابي.
القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب المجالس الترابية.
بالنسبة للجهات بقيت كما هي لأن النص التنظيمي السابق كان جيدا و فيه نوع من التوازن في ولوج النساء للانتدابات و الوظائف، كما خصص ثلث المقاعد للنساء و قد بلغت نسبة التمثيلية به % 37 من أعضاء مجالس الجهات.
بالنسبة لمجالس العمالات و الأقاليم ، فإن القوانين التنظيمية السابقة كرست خللا في العملية الانتخابية فنسبة تمثلية النساء في الجماعات الترابية كان % 21 و لكن بالنسبة للعمالات و الأقاليم إنبثقت نسبة النساء ب % 4 فقط لأن ليس هناك أي تدبير تحفيزي و لو في إطار التمييز لصالح النساء، أما بالنسبة للقانون التنظيمي الجديد فقد وضع آلية تشريعية تمكن من نسبة الثلث لتمثيلية النساء على غرار الجهات مما سيعطي دفعة قوية للنساء في هذه المجالس، و المقتضى المهم في هذا التعديل ينص على أن وكيلة اللائحة لها نفس الحقوق التي لوكيل اللائحة أي أنها يمكن أن تترشح لرئاسة مجلس العمالة أو الإقليم خلافا لباقي الجماعات الترابية الأخرى.
بالنسبة للجماعات الترابية الحضرية و القروية فقد تمت تقوية تمثيلية النساء بالجماعات الترابية التي لها نظام الاقتراع الفردي و خاصة بالعالم القروي بعدما كان عدد النساء بالمجلس 4 سيصبح 5 ، أما الجماعات التي لها نمط الاقتراع باللائحة و عدد سكانها لا يفوق 100.000 نسمة فعدد مقاعد النساء سيصبح 8 عوض 6، و التي يفوق عدد سكانها 100.000 نسمة القانون خصص لها 10 مقاعد للنساء.
أما عدد المقاعد المخصصة للنساء بالمدن الكبرى التي تحتوي على مقاطعات فهو 3 مقاعد عن كل مقاطعة داخل مجلس المدينة ن و 4 مقاعد للنساء في كل مجلس مقاطعة مما يدل على أن هناك دعم تدريجي و تصاعدي لتفعيل مبدأ المناصفة.
III. دور الأحزاب السياسية في ترسيخ مبدأ المناصفة
انطلاقا من أن الأحزاب السياسية يجب أن تكون نموذجا و مثالا لاحترام قواعد الديمقراطية و أن تكون قنوات الترقي في الهرمية التنظيمية للحزب مفتوحة أمام كل الطاقات النسائية و الشبابية لتكسير الجمود الذي يطال دورة النخب و الحكم عليها بتعطيل الطاقات و هدر الزمن السياسي و التنموي للبلاد، كما أن تعزيز المشاركة السياسية للنساء في أحزابهن من أهم العوامل لإرساء الديمقراطية و التعددية إذ من المفارقة الكبيرة أن تكون نسبة مشاركة النساء كقوة ناخبة في كل الاستحقاقات إلى أكثر من النصف 52% و هو رقم لا يعكس تمثيليتها داخل المؤسسة التشريعية و داخل التمثيل الحكومي الذي لا يتجاوز 12% و هي نسبة ضعيفة، كما لا يستقيم الحديث عن ديمقراطية تمثيلية في ظل ضعف أو غياب من يمثل هذه الفئة من الكتلة الناخبة في مواقع القرار و الشأن السياسي العام، ذلك أنه رغم اهتمام الأحزاب بالنساء كقوة ناخبة إلا أن الملاحظ هو تردد أغلب الأحزاب في مشاركة النساء في سلطة القرار مما يؤدي إلى خلل في المشهد السياسي نتيجة إقصائهن و تضييق فرص مشاركتهن مما يعزز الحاجة إلى الدور القيادي للمرأة داخل الأحزاب السياسية و تزويدهن بالمهارات الأساسية عبر التأطير و التكوين للقدرة على القيادة و التفاوض.
إن الأحزاب السياسية لها دور محوري في بناء نخب نسائية، لأن المرأة أصبحت عنصرا فاعلا في التدبير و التخطيط و وضع القرار، كما لا نغفل التحول الحاصل سواء داخل المجتمع أو داخل تمثلات الفاعل السياسي، بأن مشاركة المرأة في العملية الانتخابية و السياسية أضحى ضرورة ملحة لإتاحة الولوج المنصف للنساء في تدعيم مسار الديمقراطية و التنمية.
من هذه المنطلقات الاعتبارية و نظرا للفرص و التدابير التي يتيحها الدستور المغربي و القانون المنظم للأحزاب و دورها في ترسيخ مبدأ المناصفة و تفعيله على مجموعة المستويات ك:
الرهان على الأحزاب في توسيع أحكام التمثيلية السياسية للنساء لإتمام الثلث في الجماعات الترابية الحضرية و القروية، و ذلك بترشيح النساء بالدوائر التي بها حظوظ للفوز.
إقرار الثلث كحد أدنى لفائدة المرأة في إدارة و تسيير مختلف أجهزة الحزب.
التزام الأحزاب بتخصيص نسبة لا تقل عن 10% من الدعم المخصص من الدولة لدعم أنشطة و دورات التأطير و التكوين لفائدة النساء و الشابات.
تقوية تواجد النساء على رأس اللوائح المحلية بجميع الدوائر المباشرة.
تقوية و دعم المنظمات النسائية الحزبية بالتكوين و التأطير لتجاوز محدودية و صورية حضور المرأة داخلها لتكون مشتلا لإنتاج النخب و الكفاءات.
يجب أن تتوفر في الأحزاب الإرادة السياسية على تخصيص نصف اللوائح الانتخابية للنساء، أو يتم ترتيب المترشحين داخل اللوائح الانتخابية على أساس التناوب بين الجنسين و تحتوي وجوبا كل لائحة على نسبة 33% من النساء على الأقل، غير أن التخوف هو أن يختار الحزب الدوائر التي ليست بها حضوض للنجاح ، أو الدوائر التي لا يتوفر فيها الحزب على تنظيماته و هياكله الإقليمية و المحلية و في هذه الحالة يتدخل الوصي على الحزب بترشيح النساء و الشباب وفق اعتبارات المحسوبية و الزبونية أو لأي اعتبارات أخرى فيضيع الحزب في كفاءاته و تضيع فرص النجاح.
الخلاصات :
إن التنصيص على مبدأ المناصفة بالتدرج السلس سواء من خلال القوانين الانتخابية أو إرادة الأحزاب يتميز بمجموعة من الإيجابيات منها :
تجديد نظرة الفاعل السياسي و المدني للديمقراطية و تعميقها و نبذ منطق إقصاء النساء ( نصف المجتمع) من بناء الدولة الديمقراطية المواطنة.
النقلة النوعية التي أدخلتها فلسفة المساواة سواء على علاقة المواطنات و المواطنين بالعملية السياسية أو على تجويد الأداء السياسي و خاصة في غرفتي البرلمان بفاعلية النوع الإجتماعي.
صيغة الرمزية التي تتلمس توفير مناخ ديمقراطي في الواقع لتحقيق المشاركة الفعالة للنساء في العملية الانتخابية و تشجيعهن على الالتحاق بالعمل السياسي و بالأحزاب.
رد الاعتبار لنضالات القوى الديمقراطية بالبلاد من جمعيات الحركة النسائية و الجمعيات الحقوقية و الأحزاب الحداثية لما قدمته طيلة عقود من المعارك و النضالات و الترافعات من أجل الحقوق الإنسانية للنساء بما فيها التمكين السياسي و مراكز صنع القرار.