من حكايات أمل



نادية خلوف
2021 / 8 / 2

كانت أمل فتاة ذكية ، فقدت جزءاً من ذكائها عندما ألحّت على الزّواج وهي في سن الثالثة و العشرين . كانت تذهب لبيت صديقتها من أجل التسلية، رشحت لها زوجاً . كان محام ، ولديه بيته الشخصي ، وهو أمر جيد حسب مفاهيم المجتمع، لكنّه أكبر منها بعشر سنوات ، لم تتجرأ والدتها على تشجيعها من الزواج منه ، مع أنّها -أعني الوالدة مقتنعة به-، قالت لها : والدك يكبرني بخمس سنوات ، ويعاملني كأمّه، ما الضير أن يكبرك بعشر سنوات ؟
أخيراً رأت أمل فتى الأحلام . طبيب ، يكبرها بعامين ، وعندما أتت عائلته ليطلبوا يدها كانوا قليلي الأدب ، فقال لها والدها اطرديهم . لا يناسبونك. لم يكن والدها محل ثقتها ، فقد كان مدمن كحول، وله علاقات نسائية ، و لا تأمل منه أن يساعدها، فقرّرت الاستمرار ، وقالت لها والدتها : أنا مع قرارك.
ما بعد العرس ، ليس كما قبله، وبعد شهرين أتت أمل إلى أمها، وقالت لم أحبّه أشعر أنّه مخنّث ، فاعترضت والدتها و طلبت منها أن تعود لأنّ للتسرع نتائج وخيمة، وبخاصة أنّ أمل حامل بابنها الآول .
يبدو أنّه غسل دماغها في هذه المرّة ، وقدمت له المال من عملها، ليس هذا فقط بل استغلت والدتها التي كانت بالكاد تؤمن مصروف العائلة ، وفيما بعد أصبحت تحبّه، تعلّقت به، اعتقدته رجلاً حقيقياً ، وفي مرّة قالت لها أمّها انتبهي إلى المال . لا تقدمي كل شيء ، فقاطعتها لساعات، لكنها لم تستطع الاستغناء عنها من أجل الطفل، ومن أجل الطّعام.
هاجرت أسرة أمل إلى أمريكا ، كانت تطمح بحياة كريمة ، و أن يكون لأطفالها شأن ، لكنّه كان بارد فاتر حتى تجاه أولاده، بل كان يقول عن ابنه أنّه نصف مجنون .
يحاول " الدكتور " أن يظهر بمظهر مثالي ، فيتحدث بشكل ناعم، وترتسم ابتسامة صفراء على محيّاه، وفي يوم من الأيام قال لها: أنت مختلة، ولن أعود إلى العيش معك.
أرسلت الرسالة إلى والدتها ، و قالت لها أخشى أن نبقى في الشّارع ، فأنا لم أعمل هنا ، و سوف يقطع المصروف، لقد سرق مالي وشبابي .
لجأت إلى قس كانت صديقتها ، فعرفتها على نائبة في البرلمان عن منطقتها ، ثم أحالتها النّائبة إلى محامية ، جلست معها ، وركزت على أسئلة محددة مثل كيف كنت تشعرين عندما تكونين معه ، أجابتها : أشعر أنّني مشوهة، و أعود لأبكي ، و نتعارك جميعاً فيكون يوماً أسود على العائلة . قالت لها المحامية : تصرف نموذجي عن الرجال الشرقيين، لكن هناك خوف على حياتك، وحياة الأطفال ، وعلينا أن نبلّغ الشّرطة ، قاموا بتبليغ الشرطة ، وكانت الشرطة تتواصل مع أمل ، تقول لها: أول ما يصل إلى المطار سوف نمسك به، ونرحلّك أنت و الأولاد عن البيت . بقي الأمر كذلك حتى انتهت إقامته فأقامت دعوى طلاق ، و أصبحت عازبة . طبعاً زوج أمل عاد إلى حضن الوطن، وتزوج من قريبته، وهو سعيد مع عائلته التي تتصف بالإجرام حيث أن زوج زوجته هو قتيل، وزوج أخته هو قتيل، هم قتلوا الناس فأتى من يقتلهم ، و الحياة تناسبه كثيراً ، فهو لم يستطع فراق القطيع!
ماذا جرى لها بعد ذلك؟
يعتقد أنّه انتصر عليها، لكن ما وراء الأكمة ماوراءها، لقد خسر أعز ما يملك: " أولاده" ، حتى لو رآهم بعد عشر سنوات، أو عشرين ينة، فهو لا يمثل لهم شيئاً ، وتلك الفرنكات التي صرفها عليهم لا تعادل ذهاب أب مع ابنه لحضور حفل تفوقه.
لا أحد يموت من الجوع إن استعمل عقله. أمل موظفة بدخل مقبول اليوم ، أولادها متفوقون في المدارس، وأصبحت تقضي رأس السنة هي و أولادها كل عام في دولة، لكنها وحيدة تحتاج لشريك، ومعه كانت وحيدة أيضاً ، وقد طلبها زميلها بالعمل ، لكنها لم تستطع الموافقة . قالت : لن أدخل رجلاً إلى بيتي ، ليعيش مع أولادي، لكن كلمته عندما قال لي : " سوف تعوّين مثل الكلاب" و ليس لك أهل تحتمي بهم كادت تجعلني أكاد أوافق ، ثم تراجعت ، فأنا لا أقوم بردود الأفعال .
هل يعتقد أن الزواج صعب؟ تقول أمل. يمكنني شراء رجل مثله لو أردت، فأنا أملك الجنسية و المال. اسألوا ذوي الخبرة، لكن لا. لن أقع في نفس المطبّ، قد ألتقي برجل يحترمني ، نتفاهم على الحياة ، لكنني لن أنظر إلى شهادته ، و لن أركض خلف الرّجال.