ماذا وراء دعوة المرأة العراقية إلى إرتداء الحجاب ؟



احمد معين
2003 / 5 / 13

             


 عانت المرأة العراقية لأكثر من ثلاثة عقود من شتى أشكال الإضطهاد والإستغلال تحت قبضة نظام البعث سواء كشريحة إجتماعية متميزة أو مع سائر العراقيين .
 فالتمييز بحق المرأة إتخذ في ظل النظام البعثي الفاشي أشكالا لا حصر لها و من خلال شبكة من المؤسسات و القوانين و الممارسات التعسفية الخاصة .
  فقد كانت المرأة العراقية ضحية مباشرة لمئات القوانين والقرارات والمراسيم التعسفية التي كانت تكبل المرأة وتحد من حرياتها وحقوقها . كما تأثرت المرأة العراقية بمجمل سياسات و ممارسات النظام ونهجه الدكتاتوري مثلما تأثرت بالحصار الإقتصادي والتدخل الأمريكي و حروبه اللامتناهية في العراق .
 ومع رحيل الطاغية وتبخر النظام الصدامي العفن , تتجلى اليوم صورة معاناة المرأة العراقية بشكل تدمي قلب كل ذو ضمير حي . فمخلفات ثلاثة عقود وأكثر من  الحرمان و الفقر والتنكيل والتجويع والإرهاب البعثي وإنهيار مجمل أسس المجتمع المدني لازالت تنوء بثقلها على المجتمع العراقي وفي مقدمتها المرأة العراقية .
 وليس في جعبة الأمريكان ولا الأحزاب المتعاونة معها في ( إدارة العراق _ قل إحتلالها ) وإرساء نظام جديد موال لها , شيء يذكر في مجال رفع الحيف و الظلم عن هذه الشريحة الأساسية كما هو الحال مع غيرها من أبناء شعبنا.
 فألمرأة العراقية تتوق كأخيها إلى إقامة مجتمع علماني يستند إلى قواعد الحكم المدني العصري . إنها تواقة لنيل مساواتها في سائر نواحي الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية .
 فإجراء تغيير جوهري وشامل على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات العراقي وسن قانون عمل تقدمي يضمن مساواة المرأة مع الرجل بشكل يحدث تغييرا جوهريا في أوضاعهم المعيشية البائسة و يضمن كافة حقوقها ورفع العبء الأسري و المنزلي عن المرأة بتوفير الحضانات و الروضات وتوفير الخدمات الصحية اللازمة بشكل مجاني وتغيير مجمل القوانين و القرارات المتعلقة بالإرث و التمليك و السفر وغيرها التي تحجر على المرأة وتعاملها , مثلها مثل سائر التشريعات العراقية الأخرى , كقاصرة وضمان مساواتها في تبوء الوظائف والدراسة و التعليم والعشرات غيرها من المطاليب العادلة للمرأة العراقية , هي كلها جزء لا تتجزء من مطاليب وأهداف الحركة التحررية والثورية لجماهير الشعب العراقي في ظل الأوضاع الراهنة .
 وفيما يخص تحقيق تلك المطاليب والأهداف النسوية فإنها لا ينفصل البتة عن تحقيق المهام العاجلة للحركة العمالية والجماهير الثورية وللقوى الشيوعية الحقة ولا يمكن تحقيقها بمعزل عن تقدم وتطور الحركة الثورية عامة .
وفي معمعة الصراع الجاري لرسم ملامح العراق تتسابق مجمل التيارات السياسية بحدة لوضع برامجها و طروحاتها ومشاريعها موضع التنفيذ ساعية لحشد اكبر ما يمكن من القوى الفاعلة حولها .
 ومن بين تلك القوى التي تسعى بثبات لأجل ذلك  مستغلة الفراغ السياسي الناجم عن الحرب و السقوط المفضوح للنظام المقبور هي القوى الإسلامية بمختلف تلاوينها .
 ففيما يخص المرأة العراقية وإزاء تحقيق فوري لمطاليبها الذي ذكرنا نتف منها أعلاه , إلام تدعو تلك القوى ؟
 إن ما يجمع بين برامج القوى الإسلامية  والخيط المشترك الذي يربط بينهم جميعا , وبالرغم من الخلافات الكثيرة في صفوفهم , هي رفض حقوق المرأة وهضمها والإستهانة بدورها وإزدراءها.
 ولكي لا نتجنى على تلك القوى وحتى يحين الوقت للخوض نقديا لبرامجهم ومشاريعهم بخصوص المرأة خاصة دعونا نلقي معا نظرة على أحدث التصريحات و الخطب العجيبة التي أدلى بها أحدهم مؤخرا .
فقد أكد( الشيخ ) جابر الخفاجي في خطاب له بمدينة الثورة ( وبالمناسبة يسعى الإسلاميين إلى تغيير إسمه من صدام إلى الصدر عنوة وبدون اخذ رأي الناس بنظر الإعتباركما كان يفعل النظام ) إنه لا يجب بعد الآن السماح للنساء بالخروج من دون الحجاب مشددا على إن هذا الإجراء يجب أن يطبق على ( المسلمين وغير المسلمين).
 كما أكد على إن معظم ( العلماء ! ) يجمعون على أن يطلق الرجال لحاهم .
 وهنا ينتهي الخبر كما تناقلتها وسائل الأعلام.
 وهنا ينبغي التأكيد بأن ما ذكره الخفاجي ليس إلا جزء يسيرا من حملة إعلامية وسياسية أوسع تسعى لأسلمة النظام و المجتمع والأجواء السياسية ولأغراض سياسية معروفة يندر أن تتصفح أدبيات ونشرات القوى الإسلامية دون أن ترى الكثير والأغرب منها .
 إن نظرة بسيطة على وضع المرأة العراقية يبين في الوقت ذاته السبيل الصحيح لحل قضيتها كما يظهر بلا لبس ليس تناقض تلك المشاريع والدعوات مع تطلعاتها الجذرية بل فقط ومع أبسط حقوقها الإنسانية الأساسية أيضا .
 فالمرأة العراقية تنوء تحت ثقل الفقر وعدم الإستقرار والإحتلال الأمريكي مثلها مثل بقية الشعب العراقي كما إن نسبة  لا يستهان بها في صفوفها محرومة من فرص التعليم والدراسة .إنها محرومة من حق العلاج و الطبابة و تنخر الأمراض صفوفها . إنها تعيل أبناءها في ظل فقر مدقع كما تعاني من ظروف السكن البائسة وكثيرات منهن غير قادرات على إرسال أبنائهن إلى المدارس بل تدفع بهم إلى سوق العمل منذ نعومة أظفارهم كي يسدوا رمق أسرهم .
 إن المرأة العراقية تفتقر إلى أبسط الحاجيات المنزلية والخدمات الإجتماعية و الصحية .كما عانت من بطش النظام كثيرا حيث يندر أن ترى عائلة عراقية لم يعدم أو يقتل أحد أفرادها سواء في جبهات الحروب الصدامية أو في غياهب السجون حيث بقيت تواجه محن الحياة اليومية لأسرتها وحيدة مغلوبة على أمرها في ظل غياب تام لمؤسسات إجتماعية تقدم لها أبسط أشكال المعونة . هي التي باعت آخر ما لديها من مقتنيات المنزل لتطعم أولادها الجياع في ظل الحصاروالتي تبين أخيرا لذوي العقول و الأفكار الديمقراطية في البيت الأبيض بأنها كانت غير ذي جدوى لإسقاط النظام بعد أن حصد أرواح أكثر من مليون من العراقيين ! . كما عانت ولثلاثة عقود متوالية من غارات زوار الفجر يقتادونها هي أو أبنائها أو أزواجها إلى غياهب السجون أو المقابر الجماعية ! هي التي تعرضت للقصف و الدمار الأمريكيين لأكثر من عقد من الزمان شاهدة بمرارة تمجيدها والحصار من قبل دكاكين المعارضة التي كانت تفرخ يوميا في مفاقس البنتاغون و لندن ! كما إن المرأة العراقية عانت من الحملات الإيمانية للنظام ولجوئه إلى القرآن و الشريعة لتزيين حكمه الغارق في الفساد ! كما أصيبت في الصميم من جراء بعث القيم الرجعية كالطائفية والعشائرية والدينية وخاصة في مجالات الزواج وتنظيم الأسرة وغيرها تلك القيم التي شاركت قوى كثيرة من بين المعارضة في الترويج والتهليل لهاوشحذها مكملة بذلك من الناحية العملية ما كان يصبو إليه النظام السابق .
 إن ما ذكرته أعلاه يبين جانبا فقط من صورة المأساة التي عانت ولازالت تعاني منها المرأة العراقية بدون أن نرى أفقا للخلاص منها أو مجرد الحديث عنها  في صفوف لاعبي البرجوازية العراقية او من قبل العم سام ورسل الديمقراطية الآخرين !
 ولا يصعب من خلال قراءة السطور السابقة , تصور ما تصبو إليها المرأة العراقية وكل من يتطلع إلى الحياة الحرة الكريمة في عراقنا .
 إن القضاء على كل تلك المخلفات والتمتع بحياة حرة كريمة , تملؤها الحرية والسؤدد والمساواة والعدل والرفاهية , هي الأمنية الحقة لكل عراقية وهي في الوقت ذاته تحصيل حاصل لما عانت من جور وبطش طوال ثلاثة عقود .
 فالتمتع بحق الزواج الحر وعدم إخضاعها لسلطة الأب أو العشيرة أو غيرها وعدم التعامل معها ك ( متاع الدنيا ! ) ومساواتها في جميع المجالات وأمام سائر القوانين وحقها في التمتع بثروات العراق الجمة وبما توفرها عرق جبينها وأحترام كيانها و شخصيتها المادية و المعنوية وحقها في تأسيس الجمعيات التي تراها مناسبة لنيل تلك الحقوق و رفع الحيف و الجور عنها و غيرها , هي من ضمن التطلعات العادلة التي ترنو إليها المرأة في العراق في هذه المرحلة بالذات .
 إلا إن دعوات القوى الإسلامية والنماذج التي أتينا على ذكرها , لا تتناقض مع تلك النزعة العادلة للمرأة العراقية وخوض معترك النضال من أجل تحقيق تلك الأهداف فقط , بل تقف معها على طرفي نقيض و تنسجم بالضرورة وبشكل موضوعي مع نهج النظام الصدامي المقبور والتي كانت سياسته و نهجه بحق المرأة العراقية , أحد العوامل الأساسية التي حفرت هوة عميقة بينه و بين الشعب العراقي .
ومن جهة أخرى كانت الضحية الأولى لمشاريع وتجارب قيام الأنظمة الإسلامية أو نمو وإزدهار الحركات الإسلامية في العقدين الماضيين , هي المرأة . فالحجر على المرأة وسلب حقوقها وممارسة أبشع أنواع التمييز بحقها كان و لا يزال أحد أركان نهج الحكومات الإسلامية في إيران وافغانستان والسودان وفي ظل الأنظمة الأخرى كمصر والسعودية وبنغلاديش وباكستان كما كانت المرأة احد اكبر ضحايا نشاط الحركات الإسلامية في الجزائر وتركيا واندنوسيا وغيرها .
 وفي الوقت الذي يناضل الشعب الإيراني , على سبيل المثال , وتسعى المرأة الإيرانية بكافة السبل النضالية للتخلص من النظام الإسلامي الجائر الذي حرمه حتى من خيارها في إرتداء نوع ثيابها , نرى حفنة من القوى والشخصيات الإسلامية في العراق تريد تكرار مأساة ما جرى هناك لأكثر من عقدين وما شهده العالم المتحضر من وضع بائس ومزر للمرأة الأفغانية سواء تحت حكم طالبان او النظام الإسلامي الموالي لأمريكا , وتطبيق تلك التجارب المكتوبة بأحرف من دم ونار على المأة العراقية الساعية لتوها للخروج من الآثار المدمرة لأكثر النظم معاداة للحرية وللمرأة وحقوقها .
 إن الدعوة لإجبار المرأة في العراق على إرتداء الحجاب هي مقدمة جلية لمحاولة متعددة الأطراف لحرمانها من سائر حقوقها وإستمرار معاناتها تحت يافطة جديدة وليس ذلك فحسب بل تعتبر خطوة أولية لبسط الدكتاتورية الدينية على العراق بأسره ظنا من الإسلاميين بأنهم بدأوا خطوتهم الأولى من أضعف حلقاتها وأقلها مقاومة ألا وهي الشريحة النسوية .
 ففي الوقت الذي تتطلع المرأة العراقية , مستغلة في ذلك سقوط النظام الدموي البعثي , مع كل القوى اليسارية والتحررية والشيوعية والثورية , للنضال ضد مخلفات العهد الصدامي وضد الإحتلال ومن أجل تحقيق المساواة ونيل حقوقها المهضومة في سائر الميادين , تأتي تلك القوف الظلامية لتبشر بمرحلة أخرى من العبودية والقهر تحت يافطة الإسلام والشريعة ومقرراتها المنافية في جوهرها مع الحرية عامة ومع حقوق المرأة بشكل خاص .
 إن اليقظة وكل الحذر من مخاطر قيام نظام إسلامي في العراق أو إضفاء الشرعية على التمييز الجنسي بحق المرأة العراقية أو السعي لأسلمة القوانين وخاصة المتعلقة منها بالمرأة كقانون الاحوال الشخصية على سبيل المثال , مسألة ضرورية بل ولا بد من التصدي  وعلى نطاق جماهيري شامل لتلك الدعوات وقبرها في مهدها .
 إنها نهج تتكامل من الناحية الموضوعية مع ما رأيناه و لمسناه خلال حكم صدام ورهطه المجرم وإن لبست لباسا مختلفلا . كما إن التساهل و التضليل بتلك الدعوات والمشاريع سيكون وبالا ليس على المرأة العراقية فقط بل على كل من يتطلع إلى الحرية في العراق .
 إن تجربة كردستان العراق في خلال العقد المنصرم غنية بالعبر والدروس في هذا المضمار . فقد راحت ضحية الإرهاب الإسلامي اكثر من 5000 من النسوة بتهم واهية مختلفة إلا إن  ( تهمة ! ) تلك الأعداد الغفيرة في الواقع لم تكن إلا رفضهن لمسايرة الرجعية الدينية والتقيد بتقاليد القرون الوسطى وعدم رضوخهن لمشيئة القوى الظلامية الإسلامية هناك .
 إلا إنه وبرغم السعي الدؤوب لتلك القوى كأنصار الإسلام والحركة الإسلامية والإتحاد الإسلامي وصرف ملايين الدولارات في مؤسسات ( خيرية ! ) تبث سموم الرجعية الدينية التي كانت تنثرها إيران والسعودية وغيرها من الأنظمة مستغلة شقاء وفقر الجماهير الكردية , تلك المؤسسات التي كانت حلقة مكملة للإرهاب الإسلامي المسلح لتلك المنظمات الإسلامية , وبالرغم مما أغدق عليهم من إمتيازات مادية ومعنوية من قبل الحزبين المتسلطين على رقاب جماهير الشعب الكردي ( الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني و الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني ) وإطلاقهم لأيدي تلك القوى الإسلامية لمحاربة الحركة النسوية واليسارية والشيوعية الثورية في كردستان , فإن جبهة قوى اليسار والماركسية والشيوعية الثورية والحركة النسوية الناهضة ومن ضمنها منظمتنا- حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين - العراق-, إستطاعت دحر تلك المحاولات الخبيثة وقبرها مع سائر مخططاتهم المشبوهة والمدعومة بشكل خاص من قبل إيران الساعية لأسلمة المجتمع الكردستاني وكل ذلك بفضل ثبات الموقف والممارسة الثورية الشيوعية التي ظفرت في الدفاع عن كرامة وحقوق المرأة الكردستانية .
 إن النضال وفي هذه المرحلة الحساسة في العراق , لتحقيق الأماني والطموحات المشروعة للمرأة العراقية وفرضها بالنضال الثوري الموحد يمر في أحد ميادينه عبر فضح و تعرية احد اكثر التيارات المعادية للمرأة ولحقوقها ألا وهو التيار الإسلامي .
 كما إن إقامة المجتمع العلماني الحقيقي ونيل اكثر ما يمكن من حقوق المرأة تتطلب وحدة صفوف مناضلات الحركة النسوية العراقية وتنظيم صفوفهن في منظمة نسوية تقدمية وثورية والإلتحام مع سائر القوى التحررية والعمالية و الشيوعية الثورية المناضلة بثبات نحو إقامة عراق ثوري وتقدمي لا أثر فيه لأي شكل من أشكال الإستغلال وفي مقدمتها إستغلال المرأة .
 إن الدعوة إلى إرتداء الحجاب وفرضها على المرأة العراقية , ما هي إلا سعي رجعي لا يمكن التغاضي والسكوت عنها . سعي يقف على النقيض بشكل تام مع رغبة واماني المرأة العراقية وتنامي محاولاتها النضالية لإثبات ذاتها والمطالبة بحقوقها العادلة .

حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين - العراق
   احمد معين 
    آيار 2003
   ٌ