عزيزتي الأنثى ... كوني امرأة



محمود الباتع
2006 / 8 / 19

لا أجد في اللغة العربية مصدراً لاشتقاق كلمة "امرأة" سوى المروءة،

أعيب على بعض الرجال (أو كثير منهم في الواقع) ارتباط فهمهم للرجولة بالذكورة، و اقتصاره عليهاأحياناً. في المقابل لا أجد مدعاة لافتخار المرأة بكونها مجرد أنثى وتجاهل كونها امرأة. فبينما تهدف كلٌ من الذكورة و الأنوثة إلى مجرد تحديد الجنس، فإن كلاً من الرجولة و المروءة تشير إلى مجموع أخلاقيات الإنسان و صفاته الإنسانية. يعني يجوز القول أن امرأة أذكى من امرأة مثلاً، ولا يصح القول أن أنثى أذكى من أنثى، لأن صفة الذكاء هي صفة إنسانية محض، غير مرتبطة بجنس الذكي ذكراً كان أو أنثى. من هنا يوجد الكثير من عدم اللياقة وحتى من قلة الأدب، وصف امرأة جريئة مثلاً بأنها "أنثى جريئة" فهذا الوصف يحتوي من المعنى الجنسي، نفس المقدار الذي تحتويه عبارة "ذكر جريء" للدلالة على الرجل الجريء مثلاً.

تفيد الأنوثة كما الذكورة، الإشارة إلى الجنس أو النوع، فكل شيء في الدنيا من ذكرٍ وأنثى، بينما وجود الرجل و المرأة مقتصرٌ على الإنسان دون غيره من الكائنات. ساحة التمايز بين الذكر والأنثى هي جسد كل منهما، بينما يتمايز الرجل و المرأة في الإنسانية و الأخلاقيات.
وعليه ففي قصر وصف المرأة على الأنوثة تجريد لها من الصفات الإنسانية و الأخلاقية، وحصرها في إطار الجسد، تماماً مثل ما تحصر صفة صفة الرجولة في ذكورة الرجل.

في الإطار الإنساني، كما في الإطار التشريحي الطبي، ليس هناك من فارق بين دماغ الذكر ودماغ الأنثى، وبالتالي لا فرق بين عقل الرجل وعقل المرأة. توجد الفروق الفردية في الحالات الإنسانية بين أي إنسانين، ذكوراً كانوا أم إناثاً، تبعاً لظروف مكتسبة من ثقافة أو تربية أو ما شابه. من هنا أجد من غير الموضوعي التفريق بين المرأة و الرجل في مسائل الفكر أو الإبداع والذكاء وخلافه.

لم أؤمن يوماً بما يسمى بأدب المرأة أو فكر المرأة أو دهاء المرأة أو حتى كيد النساء، بل بالعكس أجد من الرجال من هو أكثر كيداً من كثير من النساء، وحتى من هم أكثر غيرة من كثيرات.
هذه الصفات في الواقع صفات إنسانية أوجدتها الطبيعة البشرية في كل من عنصريها بالتساوي، ولا أظنها تزيد عند أحدهما على الآخر. فإذا كان للإبداع الإنساني أو للمشاعر الإنسانية جنس، فأحرى أن يكون لمقومات الحياة كالماء و الهواء والغذاء جنس هو الآخر، وكذلك للقيم الإنسانية. من سمع عن حرية أنثى وأخرى ذكر. وهل من يخبرنا عن الحق أو العدل مثلاً أذكر هو أم أنثى؟

كان للتفوق الجسماني والعضلي للذكر الدور الأكبر في إغرائه للاستيلاء على عجلة قيادة الأسرة و المجتمع في بدايات الحياة البشرية، نظراً لطبيعة الحياة القاسية وقتها، وعدم حاجتها للمكون العقلي قدر حاجتها للمجهود العضلي، فكان الرجل هو من يخرج لتأمين القوت للعائلة، كما كان يتولى حمايتها من الدخلاء، الأمر الذي مكنه من اكتساب خبرات لم تتمكن الأنثى المشغولة بالحمل والولادة من اكتسابها في ذاك الوقت،ما مكنه من الاستمرار في الانفراد بالقيادة، فأخذت كلمته تعلو بمقدار علو قبضته، حيث ساد منطق القوة على قوة المنطق.

تطور هذا التفرد الذكوري عبر آلاف السنين إلى ثقافة جائرة ذات وجهين، غطرسة ذكورية وإذعان أنثوي ... وأتت الأديان لترسخ هذه الثقافة من خلال مفاهيم عدة بدأت بربط الأنثى بالخطيئة في قصة خروج آدم من الجنة، مرورا بوجوب طاعة الأزواج واعتبارها من طاعة الرب، إلى أن انتهت بأن أمرت المرأة بالسجود لزوجها. ولا عجب وليس صدفة أن جميع الأنبياء هم من الذكور....(!)

حصرت هذه المعتقدات - على اختلافها - المرأة في كونها مجرد أنثى، أي أنها مجرد جسد لا غير. وكونها أتت في سياق أديان وعقائد، فلم يقتصر اعتناق هذه المفاهيم على الذكور دون الإناث، بل كانت النساء أكثر من يتشدد في تطبيقها، ربما لأن النساء أكثر وأعمق تديناً، أو ربما لما رسخ في عقل المرأة المتدينة من ذيول عقدة الذنب نتيجة هذه التعاليم، وربما طمعا في مرضاة الرب التي هي من رضا الزوج، لا أدري تحديداً.

بدأت هذه العقلية في الانحسار مع تراجع دور الأديان في أوروبا بعد الثورة الفرنسية وإبان الثورة الصناعية، وانتقلت إلى أنحاء العالم مع الحملات الاستعمارية، حيث بدأت بعض النساء في الانتباه إلى حقيقة أوضاعهن، حيث بدأت المطالبة بتعديل تلك الأوضاع، إلى أن تنبه بعض الرجال إلى ذلك بدأ متأخراً، وبدأت إرهاصات الدعوة إلى ما سمي بتحرير المرأة و شعارات المساواة. و أفترض أن هذه الدعوة كان يجب أن تلقى قبولاً ودعماً بدون تردد من كل النساء.

لكن الغريب في الأمر أنه عندما يقدم رجل على الاستجابة لهذه الدعوات بمحاولة إعادة الميزان إلى توازنه، وعندما يحاول توخى الإنصاف في حق المرأة، خدمة لكامل المجتمع، تجده متهماً بالضعف ومدانا بجريمة الخنوع، وأكثر الأصابع التي تتجه إليه هي أصابع النساء.

الغير مفهوم هنا لماذا تصر المرأة على الاختباء خلف أنوثتها في مواجهة الرجل؟ لماذا يحلو لها أن تذكره بأنها مجرد أنثى في الوقت الذي يتجاهل فيه ذكورته ليكون رجلاً؟ لماذا تصر هؤلاء الإناث على حبس عقولهن داخل جدران غرفة النوم.

بدون أدنى تحفظ، لا أتردد لحظة في احتقار من يتمترس خلف ذكورته من أجل إثبات أنه رجل، أما التي تختبيء خلف أنوثتها لتصر على أنها (جسد)، فهي لا شك مدانة بنفس القدر! لست أفهم تمسك المرأة بجسدها، كلما جاءتها فرصة لاكتشاف عقلها.

عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ،

قبل أن تعطيني صفراً على هذا الكلام، وقبل إغلاق هذه الصفحة، اسمحوا لي أن أقول أن الإنسانية قبل الجنس، وأن الأخلاق أهم من الجسد.