مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي



صبحي خدر حجو
2006 / 8 / 28

ملاحظة : سبق وان نشرتُ هذه المقالة في حلقتين ، في عددي مجلة روز الصادرة في المانيا عام 1997 ، الاعداد ( 3 لشهر ايلول و4 لشهر اكتوبر ) ، وتحت اسم ( ستار خدر) وقد اجريتُ عليها بعض التنقيحات ، ولا بأس من نشرها حاليا ايضاً تعميماً للفائدة .
صبحي خدر حجو .

منذ عقدٍ من الزمن ، اتاحت الظروف والامكانيات الذاتية لمثقفي الايزيدية لدراسة أوضاعهم ، والكتابة في موضوع الايزيدية ، من حيث التأريخ ، الجذور ، الطقوس ، الفلكلور، والجانب الفلسفي منها ...الخ ، وهذه الدراسة هي صائبة وضرورية جداً. واذا كان هذا التوجه يعالج وجهاً واحداً من المسألة ( الماضي ) ، فيمكن استكمال الصورة عندما نهتم بالجانب الثاني ايضاً ، وهو المعاصر ( الماضي والحاضر) كيف كانت صورة الايزيدية من جميع الجوانب ؟، او التعرض لجانب او مجال معين او شريحة من الايزيدية ؟ وما هي تأثيرات ذلك الماضي بكل ما يحمله من اعتقادات وافكار، عليهم في الوقت الحاضر ؟.
وهنا يمكن ان نبحث في وضع شريحة هامة من شرائح المجتمع ، ( المرأة ) والتي تشّكل نصف المجتمع الانساني . ماذا كان وضع المرأة الايزيدية في الماضي ، وما هي مكانتها حالياً ؟. يمكن القول ان بعض الصعوبات تواجه المرء عند تناوله موضوعاً ما زال يتسم بالرهافة والحساسية لدى مجتمعنا ، فضلاً عن انه لم يسبق ـ حسب علمي ـ ان كتب في هذا الموضوع بشكل واسع ، سوى بعض الاشارات السريعة المختصرة التي وردت ضمن ما كتب عن الايزيدية ، وهذه الاشارات لا تساعدنا إلاّ قليلاً في مسعانا.
وهنا ارى ضرورة التنويه الى ان الكشف عن بعض الممارسات السلبية التي سادت في فترة من تاريخ مجتمعنا لن تشكل " نقيصة " خاصة اذا كانت هذه الممارسات لا تقتصر علينا فقط ، وانما كانت تمارس في كل المجتمعات الاخرى بهده الدرجة او تلك ، كذلك اذا كانت بهدف تسليط الضوء عليها لأجل المساهمة في معالجتها .
اذا اردنا التعرف بشكلٍ جيد على وضع ومكانة المرأة الايزيدية ، يلزم اولاً ان نتعرف على الخلفية التاريخية لهذ المكانة . واعتقد ان ما يشكّل النظرة الى المرأة ومن ثم مكانتها في المجتمع هي عوامل واسباب كثيرة ولكن يوجد من بينها ثلاثة عوامل اساسية تتمثل في :

اولاً : المرحلةالتاريخية ( العادات والتقاليد والاخلاق المستمدة منها )

ثانياً : نظرة وموقف الدين ( الاحكام والتشريعات الدينية ) .
.
ثالثا : التشريع والقانون المدني .

ومن المفيد القول ان تأثيرات هذه العوامل غير منفصلة عن بعضها البعض ، وهي متشابكة احياناً، وبشكل متفاوت من مرحلة الى اخرى ، ومن مجتمع الى آخر . واذا كان العامل الديني يلعب دوره وتأثيره الاول والمهيمن في مجتمع ما ، فانه لا يكون كذلك في مجتمع آخر ، او ان تأثير الموقف والتشريع الديني في المجتمعات الاسلامية مثلاً تختلف درجة تأثيرها عما في المجتمعات الاوربية والغربية بشكل عام . ويمكن لتشريع ديني مسيحي محدد مثلاً ( تحريم الزواج باكثر من واحدة ) ان يمتد تأثيره الى وقتنا الراهن في المجتمعات الغربية المسيحية .
ويمكن ايضا ان تتعايش تشريعات دينية بصدد المرأة ، وتمارس مفعولها الى جانب تشريعات مدنية حديثة في نفس المرحلة وفي مجتمعات معينة كما هو الحال في بعض البلدان الغربية والعربية ايضاً . وفق هذه الاسس يمكن تقييّم مكانة المرأة في مجتمع الايزيدية قديما وحديثاً . ولتسهيل الصورة يمكن ان نبحث كل عامل على حدة وببعض التفاصيل .

اولاً: المرحلة التاريخية ( العادات والتقاليد والاعراف والاخلاق ...الخ المستمدة منها )

المرحلةالتاريخية برأيي هي الاساس والسبب الرئيسي في رسم مجمل المواقف من المرأة والتي يمتد تأثيرها وتطبيقاتها الى المرحلة الراهنة . حتى انها اثرّت و تؤثر بشكل عام في بناء و تكوّن موقف الدين نفسه ، ليس ازاء المرأة فحسب وانما تجاه العديد من ا لظواهر الاجتماعية الاخرى للبشرية . وما دام هذا العامل هو الاساس فلا بأس من التركيز عليه ببعض الشروحات .
يقسّم علماء الاجتماع والتاريخ ، تاريخ البشرية منذ ان وجد الانسان وحتى وقتنا الحاضر الى مراحل تاريخية عديدة . وتتناول كل مرحلة ربما عصرا من العصور او عدة عصور مجتمعةً ، حسب اسباب وعوامل لسنا بصدد بحثها الان . ولكن ما يهمنا منها ان كل مرحلة من هذه المراحل تطبع المجتمع البشري بطابعها وسماتها . مثلا ان مرحلة الوحشية والبربرية التي مرت بها البشرية ، كانت لها سمات معينة آنذاك ، وكانت هذه السمات تعكس درجة تطور الانسان من حيث ( الاقتصاد ، الوعي ، والنواحي الاجتماعية ) ومستوى العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الافراد والجماعات البشرية ونوعيتها والاخلاق والعادات الناتجة عنها والسائدة فيها . كذلك الحال في مرحلة المشاعية ، حيث كانت لها سمات ومظاهر اجتماعية تختلف عن التي سبقتها ... وهكذا الحال بالنسبة الى مختلف المراحل التاريخية . تجدر الاشارة اى انه لا توجد حدود فاصلة مطلقة بين هذه المراحل ، اذ تتداخل الحدود في الكثير من الاحيان ، وتبقى بعض سمات المرحلةالسابقة للعديد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية مستمرة ومتعايشة في المرحلة التي بعدها ، وحتى المرحلة نفسها يكون اختلاف فيما بين بداياتها عن منتصفها او نهاياتها ... وان كنا حاليا في مرحلة الرأسمالية ، ولكن ما زالت مستمرة بقايا من مرحلة الاقطاع او حتى المشاعية البدائية او ما قبلها في بعض الاصقاع من العالم ... وتورد الباحثة ( جيل ناش ) ان مجتمع ناكوفيس في جزر سليمان ما زال مجتمعا اموميا وفيه ينتقل الرجال عند الزواج الى بيت الزوجة التي تعيش سوية مع شقيقاتها وامها وجدتها ، لذا تتألف القرية من جماعات نسوية تسيطر على الارض وتزرعها وتمارس السلطة السياسية على مستوى الجماعة ( 1 ) .
وما نريد ان نفصح عنه هو ان فكرة الاديان او ظاهراتها بما فيها دين الانسان الاول ( عبادة الظوهر الطبيعية ، الكواكب ، الاجرام السماوية ، الاصنام ، والرموز ...الخ ) . حتى الاديان الكتابية جميعها ظهرت وتكونت في مراحل تاريخية معينة . لنأخذ بعض الامثلة من العصور السحيقة والتي لها علاقة بموضوعنا . يؤكد الباحث والكاتب ( فراس السواح ) من ان التجمع الانساني الاول لم يؤسس بقيادة الرجل المحارب الصياد ، بل تبلور تلقائياً حول الأم ، وكانت اول وحدة انسانية متكاتفة هي العائلة الامومية ، خلية المجتع الامومي الاكبر. وعندما كانت السلطة آنذاك في تلك العصور لصالح المرأة ، حيث انها كانت ( الأم ، الآلهة الوحيدة ) . ويضيف: لقد لعبت المكانة الاجتماعية للمرأة في تلك العصور ، والصورة المرسومة لها في ضمير الجماعة ، لعبت دوراً كبيراً في رسم التصور الديني والغيبي الاول وفي ولادة الاسطورة ( 2 ) .
وكلما حدث تغير او تطور في المرحلة نفسها ( اقتصادية ، تطور وسائل الانتاج ، اكتشافات اولية ) ، كلما ترك تأثيره على الظواهر الاجتماعية ايضا ، و يسير بها للأمام ويغيّر ما يطرح نفسه كضرورة لا غنى عنها ... وهكذا فقد ادت التطورات الجارية في الحياة آنذاك ، الى تغييّر في مسار الظواهر الاجتماعية أيضا بحيث ادى الى انتقال السلطة من المرأة للرجل ، ولكن لم يحدث ذلك دفعة واحدة ، وانما من خلال مرور المجتمع الامومي عبر تاريخه الطويل بمراحل متعددة انتهت بالانقلاب الكبيرالذي قام به الرجل مستلماً دفة القيادة من المرأة ، ومؤسساً المجتمع الذكوري البطريركي (3) . .. وهكذا عندما تزعزعت مكانة المرأة ، نلاحظ ان الانظمة الدينية ( النيوليتية ) تتزعزع مع بزوغ عصر الكتابة ، وظهور المدن الكبيرة ذات التنظيمات المدنية والسياسية الاقتصادية المعقدة والتي عكست واقعها على الحياة الجديدة ( * ) ويضيف فراس السواح : مع انتقال السلطة في المجتمع نهائيا الى الرجل، وتكوين دولة المدينة القوية ذات النظام المركزي والهرم السلطوي والطبقي التسلسلي الصارم ، الذي قام على انقاض النظام الزراعي البسيط ، يظهر الالهة الذكور ، ويتشكل مجمع الالهة الاكبر ، ذلك المجتمع الذي يعكس تشعب الاختصاصات وتقسيم العمل في المجتمع الجديد وتمركز السلطة بيد الملك . هذا التحول في مكانة الام الكبرى ، لم يتم الاّ على النطاق الرسمي ، بينما بقيت مكانتها القديمة على حالها في ضمير الناس عامة ولفترات طويلة جداً(4).
غير ان هذا التحول في السلطة قد استتبع اجراء سلسلة من التغييرات الاجتماعية السلبية لمكانة المراة ولصالح الرجل، حيث افلح الرجل اخيرا في القضاء على " حق الأم " واحلال " حق الاب " وظهرت العائلة الاحادية التي تقوم على سيادة الرجل مع الرغبة الصريحة في ولادة اولاد تكون ابوتهم ثابتة لا جدال فيها ، من اجل تمليكهم وتوريثهم . فكان اسقاط حق الام هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي ، ابتدأ معه تاريخ استذلال المرأة واستعبادها عند اعتاب التاريخ المكتوب (5) . الاّ ان الجنس النسائي لم يهزم دون مقاومة في ذلك الصدام التاريخي مع الرجل والذي حصل في زمن ما.
المصـــــادر :
1ـ مقالة مالينوفسكي ، مجتمع امومي من المزارعين ، الثقافة الجديدة ص 106 العدد 266 لسنة 1995 .
2ـ فراس السواح ، لغز عشتار ، الالوهية المؤنثة واصل الدين والاسطورة . دار علاء الدين دمشق ، الطبعة الخامسة 1993 ص 25
3ـ نفس المصدر ص 34
4ـ السواح نفس المصدر ص 25 الى 26
5ـ انجلس ( اصل العائلة والملكية الفردية ) ، نقلا عن فراس السواح ص 36 من نفس الكتاب لغز عشتار .
* التشديد من عندي
يتبــــــــــــع