مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 3



صبحي خدر حجو
2006 / 9 / 4


ب ـ مرحلة ما بعد الشيخ عدي بن مسافر .
بما اننا لا نملك دلائل ومصادر ثابتة عن الموضوع الذي نحن بصدده ، لذا فاننا قسمناه الى مرحلتين ( قبل الشيخ عدي وبعده ) حصرا ومن باب الافتراض . واعتقد ان الديانة الايزيدية في المرحلة الثانية أطرّت
ورسمت حدودها الداخلية والخارجية عن طريق ما يوصف بـ ( الحد والسد ) الذي يشكّل ما يشبه الدستور الذي يتضمن القوانين والاحكام الذي يقوم عليها المجتمع الايزيدي الحديث . وهذه القوانين والاحكام ترسم وتعينّ مكانة كل طبقة دينية ، والحدود بينها وبين الطبقات الاخرى والعلاقات المتبادلة ...الخ . وهي بنفس الوقت تشكلّ " ضمنا " التشريعات والاحكام التي على الايزيدية ان تتبعها . والى جانب ( الحد والسد ) توجد القصائد والادعية والاقوال التي تشكل الجانب الديني والفلسفي ، وعلاقة الفرد الايزيدي بالأله او الآلهة ...الخ .وما يهمنا هنا هو ما يتعلق بموضوعنا آنف الذكر : ماذا كان موقف المعتقد الايزيدي تجاه المرأة خلال هذه الفترة ؟. لنبحث في ثنايا الادعية والاقوال والقصائد اوالاحاديث والادب الديني لنتعرف على هذا الموقف .
من المفيد هنا التذكير ان الايزيديون ليس لديهم كتاب خاص للاحكام الشرعية ينظّم قضايا الزواج والاسرة وحقوق الافراد ، وعلاقة الرجل بالمرأة وقضايا الطلاق وحضانة الاطفال و...الخ . لكي يستند المرء اليه في تحليلاته. لهذا نضطر الى اللجوء لمصدرين : الاول :الادب الديني ، والثاني : ما كتبه بعض الكتاّب عن الايزيدية ، مستمدين بعض كتاباتهم من كتابي مصحف ره ش والجلوة ، اللذين يشكك الكثير من الايزيدية بصحة ما نشر عنهما، ويعتقدون بأنهما ليسا الكتابين الاصليين اللذين فقدا في فترات سابقة .
اذا نظرنا الى اغلب الأدعية والقصائد الدينية ، نلاحظ ان هناك مساواة بين المرأة والرجل ، اذ غالبا ما تخاطب تلك الادعية والاقوال الفرد الايزيدي ( رجلا كان ام امرأة ) بـ ( ئه ي به ني ئاده مو ) ـ او ايها الانسان ، او انتم بنو البشر ) في طلبها لتأدية الادعية والقيام بالمهمات الدينية ، وهنا لايضع فرقاً بين الاثنين عند تأدية الواجبات الدينية . الاّ انه من جانب آخر نلاحظ ان هنالك موقف مختلف إزاء حقوق كل منهما ، فالكفة في الاحكام في نهاية المطاف ، تميل لصالح الرجل بشكل كلي . اذ يورد السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه " اما البنات ليس لهنّ وراثة في بيت ابيهن " (19) . وفي موضوع الزواج ، يقول للايزيدي ان ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع ...الخ ( 20 ) . ويعود الكاتب في مجال آخر ليؤكد بطريقة اخرى " .... ان البنت تنقطع عن ابيها عندما تتزوج فلا ترثه ، لان الزواج في نظرهم بيع ، فان رفضت الفتاة الايزيدية الزواج او احبت ان تبقى عانساً ، وجب عليها ان تخدم اباها ، واذا مات زوجها ترجع اليه ( لوالدها) ويزوجها ثانية ، وهكذا .. دون ان ترث زوجها المتوفي " (21) . وفي مجال الطلاق يقول : " ليس الطلاق بمحظور في مذهب هذا الفريق من الناس ( يقصد الايزيدية ، ص. خ). ويجب ان يحضر الطلاق الشيخ والكريف واخ الآخرة "22 ) .
لنطلّع على بعض الاحكام الاخرى المتعلقة ايضاً بشؤون الاسرة ، الزواج ، الارث ، والتي بحثها الدكتور سامي سعيد الاحمد وضمنها كتابه ( اليزيدية ، احوالهم ومعتقداتهم ) ، وهو يستند ايضا الى ما كتبه له الصديق اليزيدي ـ كما يسميه س.خ. ـ مدعياً نقله عن كتاب الجلوة . .... ومن ضمن قرارات اجتماع احد المحافل جاء :
فقرة 5 / لا فرق بين النساء والرجال بالأرث ، وان لم يكن هناك وريث، فيرجع المال المنقول وغير المنقول الى صندوق المحفل لتلك البقعة .
فقرة 6/ يكون المهر ثمانية مثاقيل ذهب ، منها ثلاثة للأب وثلاثة للأم ، وواحد للصندوق العام ، وواحد لمركز المقاطعة .
فقرة 7/ لا امتياز بين جميع المؤمنات والمؤمنين الاّ بالتقوى والعمل الصالح ، ويجب احترام الوالدين وكبار السن . (23) .
يتبين من هذه الفقرات ، الوضوح التام في المساواة بين المرأة والرجل ، وعدم التفريق بينهما في المكانة و الحقوق ، لا بل ان اسم المرأة يأتي قبل الرجل .وتكمن الاهمية القصوى في الفقرة التاسعة من نفس قرارات المحفل ، حيث يرد فيها :
.. " ليست التقاليد والمراسيم ديناً ، بل تتبدل وتتعدل حسب الظروف لصالح الامة ، وعلى كل ايزيدي ان يتخذ الرشد والانصاف والحق والعدل والرحمة والشهامة ديناً ومذهبا له " (24) .
واهمية هذه الفقرة تكمن في المعرفة الواسعة والادراك الكبير لواضعيها في كيف ان العديد من العادات والتقاليد " الزمنية " تتحول بحكم عوامل معينة او بتأثير بعض رجال الدين او الافراد البسطاء ، وتلبّس بثوب الدين ، وتتحول الى ما يشبه المقدسات ، يصبح من الصعوبة تغيير تلك العادات والتقاليد . بينما هي في واقع الامر ليست اكثر من عادة ظهرت في زمن ويجب ان تزول في زمن آخر لتحل محلها عادة اخرى . ولهذا نلاحظ كثير من العادات والاعراف الزمنية او ذات اصل قبلي عشائري ، قد ترسخت حتى وقتنا الحاضر . وأضفي عليها صفة دينية تقديسية ، لا يمكن المساس بها .

لكن د. سامي الاحمد يشكك في الكثير مما ورد في كراسة الصديق الايزيدي ! ، وعلى كل حال يذكر فيها انه قد حدث بين الشيخ عدي والشيخ حسن اتفاق على امور عديدة ، اذ ما يشبه وضع احكام للملة من خلال اجتماع آخر للمحفل . ومما ورد في ذلك المحفل من قرارات وبما يتعلق بموضوعنا فقد اشارت الفقرة 3 بما يلي : ( لا ارث للنساء ، ومن مات دونما وريث من الذكور ، فيرجع ماله الى صندوق المحفل والخاص الذي يكون بعهدة الامير . ولكن القرارات تؤكد توزيع المهر على الوالدين فقرة 4 (25) . ويعود د. سامي الى قضية الوراثة حيث ورد في فقرة 9 من كتاب ( الجلوة ) ما نصه " ان البنات ليس لهن وراثة في بيت ابيهن ، انما تباع كالحقل ، وان ابت عن الزواج ، فيجب ان توفي اباها بالخدمة وتعب يديها حتى يعتقها" (26).
كما يتجلى هذا الموقف نفسه في مقطع ( سه به قه ) من قول ( شه قه سه ري ) ، والمحسوب على الادب الديني (27) . وكأن المقطع يبرر حرمان المرأة من الميراث ولمكانة الاجتماعية ،اذ يعتبرها حالة مؤقتة في العائلة وليست جزءاً اساسياً منها : ( كيز نه واره ، بابه ليسك نه به هاره ، قيرات نه داره ) ! بمعنى البنت ليست بيتا " داراً " بالمعنى المجازي ـ اي ان الابنة ليست اساساً او ملكاً ، و" البابليسك= نبات يزهر في وقت مبكر من الربيع " ليس مؤشراً على قدوم الربيع ، و " القيرات = شجيرة صغيرة " ليست شجرة بمعنى انها لا تحتسب علىالاشجار . وبمجرد ان تأتي هذه الفقرة وما تلاها ، فأن ذلك يعني ان البنت ( المرأة ) هي ليست اساس وانما من المسائل المؤقتة والخادعة ! .
اذا دققنا النظر وحللنا الفقرات السابقة ، نلاحظ وجود موقفين من المرأة ، الاول : ايجابي من حيث لا فرق بين الرجل والمرأة في الميراث وتوزيع المهر ، وكذلك جواز الطلاق الفقرات ( 5،6 ،7 ) المار ذكرها . والثاني : السلبي من المرأة وفي غير صالحها ، حيث يورد د. سامي ايضا فقرة نقلا عن ( كتاب اليزيدي ) تقول : على اليزيدي ان يتزوج واحدة الى اربعة على ان يعدل ، وان لم يعدل فواحدة ، وعليه ان يعاملهن بالمحبة والامانة ...الخ ... وكذلك الفقرات المار ذكرها تؤكد على حرمان المرأة من الميراث . ويمكن ان نسأل : لماذا هذا الاختلاف الظاهر في رأي وقرارات المحفلين ، ولأي من الرأيين كانت الغلبة ؟ . اعتقد ستتوضح الصورة ، اذا ما اخذنا بالاعتبار الفقرات التي وردت في كتاب ( الصديق اليزيدي ) ، اذ تقول الفقرة حسب الاتفاق الذي تم بين الشيخ عدي والشيخ سن ، فانه قد تم الاتفاق على الموقف من المرأة والميراث ، اذ تجسد في فقرة 3 وهو حرمانها من الميراث ، والظاهر انه قد جرى في وقتها صراع ومساومة حول هذه الامور، بحيث راعى الشيخ عدي اصحاب الرأي الآخر ، وابقى على بعض الحقوق التي كانت تنص عليها الاعراف الاجتماعية السابقة ، مثلا الابقاء علىالفقرة الخاصة بتوزيع المهر على الوالين . وهنا يحق لنا الاعتقاد بان الموقف الاول والايجابي من المرأة هو الذي كان سائداً بين الايزيدية قبل الشيخ آدي(عدي) . والموقف الثاني ( حرمان المرأة من الميراث والاسماح بتعدد الزوجات ). جاء في وقت لاحق ومتأخر نسبياً. ولا يفوتنا الانتباه بهذا الصدد الى ان الموقف من تعدد الزوجات بشكل خاص هو مطابق لموقف الاسلام ! وحتى النص هو قريب جداً مما ورد في القرآن (28) . ويتكرر التمييز لصالح الرجل في قول آخر من الادب الديني قول ( سه ره مه ركي ) المقطع 11 اذ يقول : ( ... ته ب وه له ده كي نير ئه م شاهي كرين ) اي ( رزقتنا ـ اهديتنا بولد ذكر ) " 29 " .
وعلى غرار الديانات الكتابية الثلاث ، تأثرت وان بشكلٍ(متأخر) الديانة الايزيدية ايضا في قصة الخليقة بتغليب الافضلية لآدم الذكر : ... وبعد الجدل بين آدم وحواء حول احقية ايهما في انجاب النسل قررا الاستمناء في جرتين منفردتين ، وبعد تسعة اشهر تمخضت جرة آدم عن ( شيت وحورية ) ومنهما تناسلت الامة الايزيدية . اما جرة حواء فتمخضت عن ديدان فقط ! "30". ويورد المحامي عباس العزاوي في كتابه " اليزيدية واصل عقيدتهم " هذه الحادثة بطريقة مغايرة بعض الشيء ، ولكن النتبجة هي واحدة .
ويبرز سؤال : لماذا حدث هذا التغيير نحو انقاص حقوق المرأة لدى الايزيدية ؟ ... هل كان ذلك مجاراةً ومراعاةً للاسلام الذي كان آنذاك يحيط بها من كل الجهات ، ام انه كان محاولة لادخال بعض النصوص الاسلامية على التعاليم الايزيدية ؟ او انه كان تأثراً بعادات وتقاليد واخلاق المرحلة التاريخية السائدة آنذاك والتي كانت تمثل ذروة مرحلة الاقطاع بـ ( بأخلاقه وتقاليده وفلسفته ). ؟؟ .
وهنا نستطيع ان نبين مدى تأثيرالتعاليم الدينية على التوجهات والمواقف التي وردت ، بالنسبة للايزيدية بحيث انها مازالت تشكّل الموقف الحالي للايزيدية تجاه المرأة ، اذ ما هو مطبق في الواقع العملي في كل التجمعات الايزيدية يكون مطابقا لتلك النصوص. .

برأيّ ان الحالات الايجابية التي وردت والمتمثلة بمساواة المرأة مع الرجل ، ما هي الاّ امتداد للمراحل الماضية السحيقة . بقيت تأثيراتها وممارساتها الى الفترة التي سيطر فيها الاسلام على منطقة تواجد الايزيدية . اما الجانب المعدل فيها فيما بعد ، والذي شرّع فيه ( الحد والسد ) الذي يعتبر القانون والدستور الشفهي للايزيدية ، والموقف الجديد تجاه المرأة ، ما هو الاّ بتأثير مفاهيم وعادات وتقاليد واخلاق مرحلةالاقطاع ، التي افرزت عادات وتقاليد وظواهر اجتماعية تتفق وتعبّر عن جوهر فلسفة و مفاهيم العشائرية والقبلية التي كانت تتميز بسيادة الرجل على كل شيء !، وهذه السيادة للرجل ، كانت قد انعكست منذ زمن طويل على المجتمع المحيط بالايزيدية ( المسلمون ) وكان موقف الاسلام وضغوطاته ايضا له دور كبير في ان ينحو قادة الايزيدية الروحيون انذاك نحو هذا الاتجاه وهذه الظاهرة تماشيا مع الوضع القائم ،أوتأثراً بها .

المصـــادر:
19ـ عبد الرزاق الحسني ، اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، الطبعة السابعة ـ بيروت 1980 ، ص 66، نقلا عن " كتاب " مصحف ره ش.
22،21،20، نفس المصدرالسابق ، الصفحات 91،93، 95 على التوالي .
23ـ د. سعيد الاحمد ، اليزيديون .. احوالهم ومعتقداتهم ، الجزء الاول ، طبعة بغداد 1971، ص 149.
24ـ نفس المصدر السابق ص 139
25ـ نفس المصدر السابق ص 148
26ـ د. سامي الاحمد ، اليزيديون ..الخ الجزء الثاني ص 273.
27ـ خدر سليمان ـ كوندياتي ـبغداد 1985 ، ص 96 .
28ـ سورة النساء الآية2(وان خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىوثلاث ورباع ، فان خفتم الاّ تعلدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم).
29ـ خدر سليمان ن مصدر سابق ، ص134.
30ـ رشيد البندر، الايزيدية .. ديانة قديمة ن تأثرت بالمحيد وحافظت على هويتهاـ مقال نشر في جريدة الحياة الصادرة في لندن بعدديها 12004و12005 بتاريخ 5/1/1996.واعيد نشره في مجلة روز العدد 2 ص85.