المرأة الجديدة



عقيل عيدان
2006 / 9 / 5

أدرك الإصلاحيون في القرن التاسع عشر الحاجة إلى تعليم المرأة وإعدادها للقيام بمسؤولياتها تجاه المجتمع. فكان السيد جمال الدين الأفغاني- روح الإصلاح المتوثبة - يعتقد بأن المرأة تتمتع بنفس التكوين العقلي الذي للرجل ولكن الذي يعيقها هو نشأتها. إلاّ أنه مع اعترافه بمساواتها بالمؤهلات الطبيعية مع الرجل رأى أن محاولة مساواة الرجل والمرأة في جميع الشؤون لم تكن من الأمور المستحبة ولا الحكيمة. إذ قال بأن مهمة المرأة تقوم على اهتمامها بأمر بيتها، وأن مسؤوليتها في إعداد النشء الجديد تفوق كثيرا الأعمال والوظائف التي يمارسها الرجال.
وجاء الشيخ محمد عبده تلميذ السيد الأفغاني وداعية الإصلاح الكبير، فأدرك الحاجة الملحة إلى تعليم المرأة وتحسين أحوالها، واعتبر ذلك من القضايا الجوهرية في برنامج الإصلاح الاجتماعي.
ثم قام أحد تلاميذ محمد عبده البارزين وهو قاسم أمين، فناضل من أجل قضية المرأة بكل إخلاص، ونشر كتابين في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين وهما على التوالي (( تحرير المرأة )) و (( المرأة الجديدة )). وصف فيهما وضع المرأة وحلل الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، ووصف العلاج الذي يشفي أوجاع المرأة ويشفي معها الأوجاع التي يعانيها المجتمع كله.لقد كان قاسم أمين مصلحا اجتماعيا نادر الشجاعة والإخلاص، وقد عبر عن حبه لبلاده بأن كرس حياته لإزالة الألم والخلل الناجمين عن الظلم والجهل.
وقد أرجع قاسم أمين الشرور الاجتماعية في عصره إلى الطغيان في جميع أشكاله وصوره، متفقا في ذلك مع مصلحين آخرين معاصرين له هما عبد الرحمن الكواكبي وولي الدين يكن ، وكلاهما من نقاد المجتمع الحساسين والجريئين.
وقال قاسم أمين بأنه إذا أصاب الطغيان أمة سرى من حكامها إلى من دونهم وأفسد كل الطبقات وسمّم كل العلاقات، فالأقوى يتجبر على الأضعف، والرجل يتجبر على المرأة، وتجبره مسئول عن انحطاط وضعها، وأن طغيان الرجل وأنانيته يسحقان شخصية المرأة ويتركانها جاهلة وضعيفة، فيفقد احترامه لها وتفقد ثقتها به، ويتأذى كل منهما من هذه العلاقة المنكودة.
وليست خسارة الرجل بأقل من خسارة المرأة، وليست فاجعة أحدهما بأهون من فاجعة الآخر، إذ يقول قاسم أمين متسائلاً: أيمكن أن تتحقّق السعادة لرجل لا تقف بجانبه امرأة يقدم لها حياته، وتضع نصب عينيه، بحسن تصرفها، الكمال هدفاً وغاية، فيعجب بها ويسعى ليظفر باستحسانها ولكسب مودتها بالأعمال النبيلة، ويتودّد إليها بالصفات الأخلاقية العالية ؟
ونادى قاسم أمين بقوة – شأنه في ذلك شأن روّاد الإصلاح الكبار- بتعليم المرأة حتى لقد اعتقد بأن تعليم البنات يجب أن يسبق تعليم الأولاد لأن تربية الأمة كلها تعتمد على المرأة.
ونادى بالفكرة القائلة بأن المرأة يجب أن تعلم لذاتها لتستطيع إكمال شخصيتها ودخول المجتمع كفرد مستقل وناضج، وهي فكرة بدت في ذلك الحين جديدة وغريبة.
وقال قاسم أمين بأن الزواج زمالة وصداقة تتقوى وتبلغ الكمال بالمساواة العقلية، والائتلاف الروحي بين الرجل والمرأة. ونادى بتدريب النساء على كسب معيشتهن بدلاً من بقائهن عالة على الرجال من أقربائهن.
وقد أثار دفاع قاسم أمين عن المرأة في بادئ الأمر عاصفة انصبت على رأسه، إذ أن القيود التي تراكمت خلال العصور على المرأة كانت كثيرة حتى اعتبر الإصلاح الذي نادى به بدعة وكفراً، ولكن أفكاره لاقت بالرغم من هذه الاعتراضات قبولاً حاراً بين الأفراد المفكرين المدركين، وكان من أهم المؤيدين لقاسم أمين صديقه الزعيم الوطني سعد زغلول، وإليه أهدى كتابه ((المرأة الجديدة)).
وأيده صديق آخر له هو الكاتب والمربّي الشهير أحمد لطفي السيد، وفتح له صفحات جريدته ((الجديد)) لينشر فيها ما شاء في موضوع المرأة وفي الموضوعات الاجتماعية الأخرى.
ونالت قضية المرأة اهتماماً واسعاً في الجدل الذي قام بين مؤيديها ومعارضيها المتحاورين في كتب قاسم أمين، فابتدأت بذلك حركة تحررها.
وقد انتشرت كتب قاسم أمين الداعية لتحرير المرأة في البلاد العربية وترجمت إلى اللغات الغربية، إذ ترجم المستشرق الشهير كراتشكوفسكي كتاب المرأة الجديدة إلى اللغة الروسية سنة 1912م، وظهرت ترجمة ألمانية لكتاب تحرير المرأة سنة 1928م.
ولئن تجاوز المجتمع اليوم بعض الإصلاحات التي نادى بها قاسم أمين وأترابه المصلحين، إلاّ أن طريق تنوير المرأة العربية بل وحتى الرجل العربي لا يزال بعيدا.