المرأة في الإعلانات التجارية: تكريس الآراء المسبقة أم -تحرر- سطحي زائف!



رجا زعاترة
2003 / 5 / 22

 

الإعلام – وسيلة إنتاج وعي
مكانة المرأة في المجتمع وحقوقها ليست قضية النساء فقط، بل هي قضية المجتمع بأسره، وحين نتسائل حول مصدر استقاء الأفكار المسبقة عن المرأة، فلأجهزة الإعلام الشعبية التي تصل الى كل بيت دور هام ومصيري في بلورة وعي جمهور متلقيها، الرجال والنساء على حد سواء، وبالطبع الصغار الذين ينشؤون على هذه الأفكار ويعيدون إنتاجها والإحتفاظ بها في عقلهم الباطن.
وبما إننا نعيش في نظام رأسمالي-استهلاكي، فالإعلانات التجارية تحتل جزء كبير من أدوات بلورة وعينا، فالإعلانات تخترق كل شرائح المجتمع، وإذا إستطلعنا آراء أي مجموعة من الناس سنجد إن نسبة الذين يعرفون الدعاية الفلانية أكثر من نسبة الذين قرأوا الكتاب الفلاني أو شاهدوا المسرحية العلانية، ومن المعروف إن أحد افضل وسائل الدعاية هو التغلغل الى وعي المشاهد عبر مخاطبة عقله الباطن، ودغدغة غرائزه أو حتى معتقداته الغريزية، تلك المختزنة داخلنا والتي غالبًا ما نُسلِم بها كمعتقدات موروثة دون وضعها في إمتحان النقد ودون البحث عن مسبباتها المادية التاريخية، والأهم من كل هذا: دون طرح بدائل لها.

"العالم الأول" ليس أقل ظلمًا للمرأة!

يسيء الكثيرين الإعتقاد، بإن الثقافة الغربية في الدول الصناعية المتطورة قد حققت المساواة للمرأة، وإنه حتى لو بقي هناك بعض معاقل التمييز فوضع المرأة فيما يدعى بـ"العالم الأول" أفضل منه في باقي الدول لا سيما الدول الشرقية والعربية والإسلامية، وكي لا نطيل الحديث تعالوا نفحص صحة هذا الإدعاء عبر التأمل في الإعلان الأخير لشركة "فوكس" لإنتاج الملابس: يظهر التصميم الحديث لبنطال الجينس يتجول وحده في الشارع، يبحث عمن يرتديه، في النهاية يقف أمام "فاترينا" زجاجية بها 4 او 5 نساء عاريات، وبعد لحظات يدخل الى "الفاترينا" ويخرج وإحدى النساء (ياعيل بار زوهار) ترتدي البنطال.
إذا كنا في الماضي نتحدث عن ظاهرة تسليع جسد المرأة وتشييئه كأمر مبطن في الإعلانات التجارية، فالتسليع والتشييء هما لب إعلان "فوكس"! البنطال هو الذي يختار الجسد الذي يلائمه وليس العكس، المرأة "المثالية" هي التي يتناسب جسدها والبنطال، البنطال هو المعيار، أما جسد المرأة فهو مجرد متغير في معادلة الموضة.
إن إستغلال الجنس في الإعلانات التجارية ليس دليلاً على التقدم ولا على تحرر المرأة الغربية، بل هو دلالة دامغة على إن كل ما أقدم عليه الغرب هو تجيير حقوق المرأة وحريتها على جسدها لما ينفع التجارة الرأسمالية.

الشرق ومؤسسة الأمومة

في دول العالم الثالث، وهي الدول غير المصنعة، العائلة لم تفقد مكانتها الإجتماعية والإقتصادية كما حدث في الغرب، وفي هذه المعادلة المرأة هي ربة المنزل، الزوجة الصالحة، المحافظة دينيًا، ولكنها في الأساس أم، على كل ما يعنيه ذلك من تبعية للزوج والعائلة وإقتصار دورها على تميزها البيولوجي فحسب.
وإذا تمعنّا في إعلانات الفوط الصحية على سبيل المثال، نجد إن الفوطة تسوق كسلعة تساعد المرأة على مباشرة حياتها العادية.. وهذا لأول وهلة جيد: فللمرأة حياة ومن حقها مباشرتها، ولكن إذا نظرنا الى ماهية "حياتها العادية" بمعنى ألا تنتقص العادة الشهرية من كفاءتها المنزلية، أو قدرتها على التجول في المجمع التجارية (بالعربية: كنيون)، او ما الى ذلك من "أمور نسائية".
الدعاية الأخيرة تحكي قصة مرأة شابة (محجبة طبعًا)، لها طفلة، هذه الطفلة ستغني في حفل الدرسة، المشكلة هي إن الحفل يتزامن والدورة الشهرية، وهنا يأتي دور الفوطة التي لا تدع العادة النجسة تعطل على أهم واسمى ما يمكن للمرأة العربية القيام به: الأمومة، وهكذا تنقذ الفوطة المرأة التي لا يعيقها شيء عن رعاية طفلتها رغم العادة الشهرية، بالطبع وجود الزوج بدل زوجته أمر غير وارد في الحسبان، لأن رعاية الطفال هي مهمة النساء فقط.

الخلاصة

بالإمكان إيجاد عشرات ومئات وآلاف الإعلانات التجارية في الشرق والغرب، والتي تكرس دونية المرأة، أو تظهر جسدها كسلعة، أو تحصرها في المطبخ والمنزل الخ.. ولكن يبقى السؤال كيفية مواجهة هذا الحالة المقلقة من إنتاج الوعي الزائف لصالح اصحاب رؤوس الأموال الذين يجنون المليارات على حساب تشويه وعينا كمجتمع وكبشر..
لا شك إنه لا يمكن تحقيق تقدم في قضايا المراة بمعزل عن القضايا السياسية والإقتصادية، فالنظام الرأسمالي هو سبب كل ما نحن فيه من ويلات ولن تتحرر المرأة إلا بزواله (لا بل إن هناك من يرى إنه حتى في نظام إشتراكي لن تتحرر المرأة، وإنها ستتحرر فقط حين تتخلص من دورها البيولوجي كأم أي حين يتم إتباع وسائل الإخصاب خارج الجسم، ولكن هذا نقاش "طويل عريض" لن يجدينا دخوله في سياقنا)، ولكن حتى ذلك الحين المطلوب من النساء أنفسهن أن يعوا من هو عدو تحررهم والأخذ بزمام الأمور وعدم الإكتفاء بالضجر من وضعهن ثم فش خلقهم في "الكنيون"!

عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/