منعطف كبير لكن إلى أين؟ عن الخيانة الزوجية



مازن كم الماز
2006 / 9 / 17

الحقيقة أن القضية التي سأطرحها هنا كانت بالنسبة لي ترفا فكريا إلى حد ما و كالمرض العضال الذي نؤمن جميعا بوجوده لكنه يبقى شيئا غير حقيقي بالفعل حتى يصيب أحد أعزائنا فيصبح مأساة حقيقية نعيشها بكل تفاصيلها المرة , هكذا كانت الخيانة الزوجية بالنسبة لي و لأكون صريحا يجب أن أعترف أنني كنت جريا على تقليعة فكر الأنوار الإنساني الذي بحث عن الإنساني داخل أي فرد بما في ذلك العاهرات و المجرمين متهما المجتمع و الظروف التي مر بها هؤلاء
بأنها وراء أخطائهم متطلعا إلى تغيير اجتماعي يقضي على الوضع الجائر الذي أنتج هؤلاء الضحايا..كانت الخيانة الزوجية في مفهومي ردة فعل النساء المقهورات على مؤسسة الزواج الرسمية الأحادية الذكورية..المصيبة التي هزت كل هذا في ضربة واحدة كان تعرض صديق لي مقرب يشاطرني ذات الرؤى لخيانة زوجته..كنت أظن أننا محصنون تجاه مثل هذه الحوادث بمجرد أن تدعي الوعي بالأمور و وحدهم الأشخاص "السيئين" أي الذين لا يشاركونا ذات " الوعي " أو الممارسة هم فقط من تخونهم زوجاتهم..كنت أتابع بحزن شديد تقلبات مزاجه من الشعور بالدونية إلى الكراهية فالغضب و أهم من هذا و ذاك اختلاط المفاهيم لديه و اضطراب منظومة القيم عنده حول قضية أساسية وبسيطة هي الصواب و الخطأ..طبعا أنا أعيش في هذا البلد حيث أعداد متزايدة أصبحت تمتهن تجارة أجسادها و حيث قيم الأخلاق تمر في مرحلة انتقالية بين قيم المجتمع الإقطاعي الذكوري و قيم المجتمع الاستهلاكي التابع على التوازي مع تدهور الحالة المعيشية لأغلبية الناس و شيوع ثقافة الاستهلاك و الانتهازية و تحويل كل شيء إلى سلعة و أنا هنا أريد أن أبتعد عن سهولة الوقوع في التبسيط و أن أذهب أعمق من مجرد عملية تحول ميكانيكية للأنثى إلى سلعة لأرصد صيرورة مفهوم و ممارسة الحب ذاته مع صيرورة المجتمع فمفهوم الحب الذي رافق صعود البرجوازية الصغيرة سياسيا و فكريا في الخمسينيات و الستينيات وتأثر بصعود اليسار و حركات الشباب في العالم و موسيقى السبعينيات قد أصبح ينوس الآن بين منتوج العولمة الفكري الاستهلاكي و بين رد فعل عنيف عليها يذهب بعيدا في رفضه للحداثة و محاولة إعادة إنتاج لحظة ماضية قيميا..من الصعب علي أن أجد العزاء لصديقي في هذا كله..صديقي الذي سيحمل تلك الكراهية و الشك الأسودين عن الإنسان حتى قبره..طبعا من السهل علي أو على أي منكم إحالته إلى أي من المختصين أو الكلام بإسهاب عن الحياة و أننا كبشر ما زلنا بعيدين عن الكمال أننا أسرى تناقضات حياتنا لكن هذا بالنسبة له بلا معنى مهما كان أو بدا صحيحا..تمزقه الأسئلة و تحيره الحياة التي كانت ذات يوم سهلة المنال أصبحت اليوم عصية عليه..إنها كذلك عندما تتحول إلى مأساة شخصية ليصبح العام مدموجا في الخاص و لتضيع التفاصيل ضحية للألم و المعاناة..المشكلة أنني أعرف صديقي جيدا فمأساته تبدأ من أنه شخص هادئ لا يتقن الإدعاء عكس عشيق زوجته سمه باسم أو هاني أو أي أحد هذا الذي يتقن دور الشخص المهم الذي يستخف بالمرأة هو يعرف جيدا أنه لا يعرف فيما لا تعرف نساؤه أنه لا يعرف و لا أجد في هذا الكذب ما قد يحمل ما كنت أظنه حبا إنسانيا..إنه قدرة ماهرة على الخداع لا غير..ربما لو كان الحب هو دافع هذه العلاقة لوجدت مبررا أخلاقيا لها بيني و بين ذاتي و قيمي التي أؤمن بها على الأقل..أحيانا يأخذني الشك إلى أن أفترض أنني أفكر كما يفعل البرجوازيين الصغار الذين يعاملون المرأة كملكية شخصية لا تقبل القسمة على اثنين و أن الإحساس بالمهانة و الغضب الذي يرافق خيانة الزوجة ما هو إلا عيب في مؤسسة الزواج ذاته و تشدني أيام خلت قام فيها ثوار نادوا بتحرر المرأة على أساس مشاعيتها و إبطال أشكال الزواج السائدة كمزدك و القرامطة و يمزقني موقف اتخذته بيني و بين نفسي منذ بدأت أدرك الحياة "كل ما هو موجود فهو شرعي يستحق الحياة بعيدا عن أي تنظير أخلاقي أو فكري لأنه ببساطة موجود أما هذا التنظير فهو محاولة غبية لإلباس الحياة التي لا يمكننا أن نحيطها لباسا ضيقا يجعلها تبدو غبية إن لم يكن قبيحة و أحيانا أستسهل أن أرى في هذا كله علامة من علامات يوم القيامة و أرتاح من تعقيد الأمور المرض الذي يصيب المثقفين أو أنصافهم لكن حتى وصف قاطع نهائي مطلق الصحة كما يدعي لا يمنحني الراحة..على الرغم من كل هذا لا أملك ما أقوله لصديقي و الأهم من ذلك ما أستعيد به الطمأنينة و السكينة لأتمكن من جديد أن أنتظر إنسانا جديدا مختلفا بعيدا عن نزعة غاضبة مبررة متطرفة أحيانا في كراهيتها للراهن الكره الذي يشل العقل أحيانا و يترك المشاعر الجياشة وحدها تتحكم بالرؤية للعالم..و أوقن شيئا واحدا أن الإنسان ما يزال أبعد عن أن يكون إنسانا حرا متحررا من أي قهر متحررا من الكذب و الغباء و التفاهة