العلاقة بين الخصوبة السكانية ومكانة المرأة في المجتمع



هاشم نعمة
2006 / 9 / 27

يُقصد بالخصوبة السكانية عدد المواليد الأحياء في أي مجتمع سكاني وهي أحدى المكونات الرئيسية الثلاثة التي تقرر معدل النمو السكاني إلى جانب الوفيات والهجرة. ومن ثم فهي تؤثر في مجمل البنية الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية للسكان وفي هجرتهم وتوزيعهم الجغرافي.

والولادة عامل بايولوجي أكثر تعقيدا وأصعب دراسة من عاملي الوفيات والهجرة بسبب تعقد مؤثراتها وتنوعها وتذبذبها. وقد أصبح موضوعها مجالاً رحباً للدراسات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وينبغي التمييز بينها وبين القدرة الفسيولوجية على الإنجاب التي لا يوجد لها قياس مباشر في حين تقاس الخصوبة السكانية من إحصاءات المواليد.

هناك مجموعة واسعة جداً من العوامل التي تؤثر في حركة الخصوبة بايولوجية وديمغرافية (البنية العمرية والهجرة والوفيات) واجتماعية- اقتصادية ( ضمنها مكانة المرأة في المجتمع ) وسياسية ودينية وحضارية وثقافية ونفسية والحروب والنزاعات وغيرها. وتعد دراسة هذه العوامل مهمة في تفسير اتجاهات نمو السكان وبنيتهم الديمغرافية. وسنلقي الضوء هنا على عامل مكانة المرأة في المجتمع ومدى تأثيره في سلوك الخصوبة.

تعرف وضعية المرأة بشكل واسع بأنها مفتاح مهم لفهم سلوك الخصوبة. وقد أشار عدد كبير من الدراسات إلى أن مكانة المرأة في المجتمع تقرر بدرجة كبيرة مدى قبولها مستوى معين من الخصوبة. وهذه الوضيعة هي في الواقع مفهوم عريض يشمل مظاهر متعددة من حياة النساء. كدرجة وصول النساء أو سيطرتهن على الموارد المادية ( الغذاء، الدخل، الأرض وأشكال أخرى من الثروة) والموارد الاجتماعية (المعرفة، القوة والاعتبار (( الهيبة والاحترام)) في العائلة والجماعة والمجتمع على مستوى أكبر. بعض أبعاد هذه الوضعية مثل الاستقلال الذاتي والقوة أو الاعتبار ليس من السهل قياسها. بالإضافة لذلك المؤشرات الاجتماعية التي تستخدم في تصنيف موقع أو مكانة النساء والعكس بالعكس الرجال لها مضامين مختلفة تبعا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة.

بالنسبة للمرأة العراقية وطبقاً لمسح الأحوال المعيشية الذي نظم في عام 2004 من قبل وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي فأنه بعد التحسن الذي طرأ على وضعها في سوق العمل وفي مجال التعليم في سبعينات القرن الماضي حصلت عدة نكسات خلال السنوات الخمسة عشر الماضية. فقد أعاق الأسلوب التقليدي في التعامل مع قضايا النوع الاجتماعي مسيرة حقوق المرأة وخلال هذه الفترة تدنى مستوى التعليم وسط النساء. إلا أن الصعوبات الاقتصادية التي أعقبت حرب الخليج الثانية أدت إلى تدني مستوى التعليم وسط الرجال بدرجة تفوق نسبياً مستواه عند النساء.

وحسب كل من براون ورومانو استناداً للمصدر المذكور فقد هضمت أو تحولت الحقوق القانونية للمرأة لصالح نظام المجتمع الأبوي الأكثر تحفظاً وتقليداً عقب الحرب العراقية –الإيرانية. وتراجعت حقوق المرأة بشكل أكبر بعد عام 1990 مقابل حصول النظام السابق على دعم أكبر من بعض رموز الدين ودول الجوار. إذ أظهرت دراسة حديثة للمحافظات الجنوبية أن نصف المستفتين اتفقوا على وجود أسباب تقف وراء تقليص فرص المرأة في التعليم والعمل في ذلك الوقت. وكان قرار مجلس الحكم رقم 137 في 29-12-2003 الذي نص على إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي فيه إنصاف للمرأة بالرغم من عدم مروره يعكس النظرة التقليدية المحافظة تجاه دور المرأة في المجتمع. واليوم يبدو أن المشكلات الأمنية هي من العقبات الأساسية التي تعيق حرية المرأة في ممارسة حياتها اليومية خصوصا في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد. وفي رأينا ان تراجع دور المرأة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية يعني أن تحديد عدد الأطفال المرغوب فيه سيعتمد أكثر على قرار الزوج ولابد وأن يكون له دوراً مهماُ في الغالب باتجاه بقاء معدل الخصوبة مرتفعاً وذلك في حالة بقاء العوامل الأخرى ثابتة رغم تراجع المعدل في العقود الأخيرة من 7,1 طفل لكل أمرأة في الفترة 1970-1975 إلى 3,8 طفل في عام 2003 .

إن المكانة الأعلى للمرأة ترتبط بعلاقة عكسية مع انخفاض معدل الخصوبة. وتأكيد مثل هذه العلاقة وجد في الدول المتقدمة والنامية. كذلك فإن نظام القرابة البطرياركي (الأبوي) ودفع المهر والزواج المبكر والتمييز (العزل الاجتماعي) للجنس ومحدودية التواصل الزواجي وتفضيل الذكور تساهم في بقاء الخصوبة مرتفعة. لذلك فإن مكانة المرأة في المجتمع تحدد السرعة التي يحدث بها التغيير الديمغرافي استجابة إلى أشكال أخرى من التحديث تشمل التطور الاجتماعي والاقتصادي وانتشار التعليم الواسع وتبني برامج التخطيط العائلي.

ومن الملاحظ بأن وضعية النساء في طبيعتها معقدة الدراسة ومتعددة المظاهر. حيث من الصعوبة أن لم يكن من غير الممكن تحديد مقياس تجريبي واحد يستطيع بشكل كاف الإحاطة بكل مكونات الموضوع. وحالياً من المعروف على نطاق واسع بأن التعليم ووضعية العمل يستطيعان فقط أن يوفرا تقيماً جزئياً لمكانة النساء في المجتمع والعائلة وذلك بسبب توفر المعطيات الإحصائية المتعلقة بهذين المؤشرين.