انخفاض الخصوبة السكانية للمرأة العراقية في دول المهجر



هاشم نعمة
2006 / 10 / 6

يرتبط تطور الخصوبة السكانية التي تعني عدد المواليد الأحياء في أي مجتمع بالعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية ( البنية العمرية والوفيات والهجرة) والسياسية والثقافية والحضارية والبيئية والحروب والنزاعات ومن ثم يختلف مستواها من مجتمع لآخر ومن مكان لآخر ومن مجموعة سكانية لأخرى داخل المجتمع الواحد.

هاجرت وهُجرت أعداد كبيرة من العراقيين إلى الخارج في العقود الأخيرة وبالأخص بعد استلام حزب البعث للسلطة في عام 1968 وأثناء الحرب العراقية –الإيرانية وبعد غزو الكويت في عام 1990 وما تبعه من الحرب والانتفاضة في عام 1991 وفرض الحصار الاقتصادي على العراق وبعد الحرب الثالثة في عام 2003 وما تلاها من عدم الاستقرار وضعف الأمن. ووصلت هذه الأعداد إلى الملايين.

الهجرة أحد العوامل المهمة المؤثرة في الخصوبة من خلال تفاعل نتائجها الديمغرافية المتبادلة مثل التغيير الذي يحصل في عدد السكان والبنية العمرية والجنسية. ولها أثر واضح في خفض معدلات الخصوبة وذلك من خلال ارتفاع معدل العمر عند الزواج وإطالة الفترة الفاصلة بين الولادات التي تعود إلى الفصل الذي يحدث بين الزوجين بسببها. ومن ثم لابد أن تؤثر في معدل الخصوبة في العراق ودول المهجر حيث كثير من المهاجرين هم في عمر الزواج أو متزوجين ولم يستطيعوا السفر سوية مع زوجاتهم كذلك فان غالبية المهاجرين هم من الذكور. هذه العوامل إلى جانب غيرها ساهمت في رفع معدل العنوسة وسط النساء في العراق كما أشارت إلى ذلك دراسات كتبت في بداية هذا العقد.

وفي دول المهجر نجد معدل خصوبة المرأة العراقية منخفضا فطبقاً لبحث عينة لعائلات عراقية في عدد من الدول الغربية أجراه الدكتور كاظم المقدادي ونشر في سنة 2006 يتبين أن 45% من هذه العائلات لديها 3 أطفال أو أقل. وفي هولندا يبلغ المعدل 3 أطفال لكل امرأة من مواليد الفترة 1955-1959 في عام 2005 وقد شهد المعدل انخفاضاً ملموساً بعد ان كان 3,8 في السنوات القليلة الماضية. وحوالي ثلث العراقيات في هذا البلد في عمر 55 سنة ليس لديهن أطفال. وفي سنة 2004 بلغ عدد المهاجرات العراقيات إلى هولندا أقل من خمسمائة 60% منهن في عمر 15- 50 سنة. وحوالي نصف هذا العدد من غير المتزوجات. وفي بريطانيا 53% من العائلات العراقية عدد أفرادها ما بين 2-4. وهذه الأرقام أقل مقارنة بالعراق حيث بلغ المعدل 3,8 أطفال في عام 2003 حسب مسح الأحوال المعيشية في العراق عام 2004 رغم انخفاضه مقارنة بالسنوات الماضية حيث كان 7,3 في الفترة 1950-1955 حسب تقديرات الأمم المتحدة. ويمكن تفسير هذا الانخفاض في الخصوبة بعدة أسباب منها أن العائلات الكبيرة تصعب عليها الهجرة للأعباء المالية الكبيرة التي تتطلبها وبالأخص إذا كانت لطلب اللجوء. تم أن الغالبية الساحقة من المهاجرين هم من المتعلمين ومن ذوي التحصيل الدراسي والجامعي الذين ينخفض معدل الخصوبة وسطهم نتيجة الوعي بأفضلية الأسرة الصغيرة. حيث نرى معدل الخصوبة في العراق بالنسبة للمرأة التي لم تلتحق بالمدرسة قط 4,8 أطفال والتي تتمتع بتعليم عال (جامعي) 2,6 في الفترة 1999-2003 . كذلك تماشياً أو تأثراً بظروف ومتطلبات الحياة الجديدة وبالأخص في الدول المتقدمة التي تشهد انخفاضاً بيناً في معدلات الخصوبة. إضافة للأعباء المالية التي تتحملها الأسر لمواصلة تعليم أبنائها. كذلك لابد أن يساهم ارتفاع معدل الطلاق اللافت في دول المهجر في خفض الخصوبة. هذا إضافة لعوامل أخرى. هذا الانخفاض في معدل خصوبة المرأة العراقية في دول المهجر لابد وأن يساهم في تراجع المعدل العام للخصوبة لعموم العراقيات. وبعد أن اصبح بامكان المهاجرين العراقيين في الدول المتقدمة زيارة العراق أو العودة نهائياً ولو في حدود ضيقة الآن بسبب ضعف الأمن والصعوبات الاقتصادية فان هذا العامل يمكن أن يساهم بقدر معين في خفض الخصوبة نتيجة نقل تأثيرات سلوك الخصوبة في الدول المذكورة. وقد لاحظ هذا التأثير الجغرافي الشهير جون كلارك حيث كتب في عام 1985 " إن زيادة هجرة العمل الدولية للمسلمين إلى دول أوروبا الغربية يمكن في النهاية أن تساعد في خفض الخصوبة " أي يقصد في دولهم وقد قال بصحة هذا الرأي كيث سوتون عندما كتب عن " التحول الديمغرافي في المغرب العربي " في عام 1999.