مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 7



صبحي خدر حجو
2006 / 10 / 7

وكان الامر كذلك وان بدرجة اقل عند العشائر الرحالة الـ ( كوجر ) الذين يعتمدون في معيشتهم اساسا على رعي الماشية ، كعشائر الهويرية والدنايي . اذ انهم ايضا كانوا يتميزون بنوع من الانفتاح ، وهذا شأن كل مجتمع رعوي منذ قديم الزمان .
وكما ان ظاهرة تزويج الفتاة بمهر كانت منذ القدم وحتى يومنا هذا تشكل احد الاسباب في حدوث زيجات غير مرغوب فيها وعلى قاعدة غير صحيحة ، كأن يزوج شخص ابنته الى من يدفع مهرا اغلى واعلى . وقد رافقت هذه الظاهرة ـ الايزيدية منذ القدم وحتى الان ، فقد كانت في البداية على شكل مواد عينية ( مواشي ، خيول ، غلال ...الخ ) . واحيانا أيام عمل ( سنة ، سنتين او اكثر ) وبمرور الزمن تطورت الى اكياس نقود مع هدايا واسلحة وخيول اصيلة ...الخ . وبشكل خاص في تركيا وسوريا وشنكال . وكان الكيس يحتوي على 20 قطعة مجيدية ، واذا صادف ان خطف احد الشبان فتاة وكان ابن عمها قد وقف في طريقها ، يضاعف المهر مرات عديدة ويفرض 20 كيسا مثلا .
ويستثنى من ظاهرة دفع المهر ، ايزيدية ارمينيا وجورجيا ، حيث زالت هذه الظاهرة عندهم منذ زمن بعيد . ويؤكد صديق لي من جورجيا عند سؤاله فيما اذا كان بتأثير القوانين السوفياتية فيجيب بالنفي ، ويضيف ان الناس توصلت بالتجربة الى قناعة بعدم ضرورته وكونه عبئا غير مناسبا . رغم انهم ما زالوا يتفقون عليه في يوم الخطوبة وعلى مقدار ( المبلغ ) وبعد الاتفاق يعلن مسؤول عائلة الفتاة التنازل عن المهر إكراما لاهل الخطيب .
ولأن المهر يتسبب في قيام عمليات زواج غير متكافئة وحرمان زواج كان سيقوم على التراضي والمحبة ، ولأسباب تتعلق بالطمع والجشع كان البعض من آباء الفتيات يغالون في طلباتهم وفي طلب المزيد من المهر ، وتتحول الحالة الى ظاهرة ذات تأثير سيئ على المجتمع ، فقد كان يتولد استياء واحيانا يصبح عاما بين الايزيدية ، مما كان يستدعي في الفترات الاخيرة تدخل المجلس الروحاني الاعلى . كما حدث عام 1968 ، حيث حدد المهر لكل مناطق الايزيدية في العرق . وقد جرى الالتزام به فترة من الزمن ، ولكن سرعان ما تم تجاوزه ، مما استدعى ان يصدر المجلس الروحاني قرارا آخرا اشد صرامة ( نظرياَ )على الاقل في ربيع 1996 ، بحيث يقاطع ويحرم كل من يحاول الالتفاف عليه او تجاوزه !.
ويشكّل المهر دائما عبئا على كاهل الناس . ففي شنكال ونتيجة الفقر وسوء الاحوال المادية والمعاشية للاغلبية الساحقة من الناس ، كان يتم تأجيل دفع المهر لحين ان يزوج المطلوب إبنته ، وبواسطة مهر إبنته يدفع مهره القديم !! .
رغم معرفة الاغلبية الساحقة من الايزيديين مضار هذه الظاهرة وتحدثهم في المجالس بسلبياتها وتبشيعها وادانتها ووصفها بانه تجارة غير مشروعة ولا انسانية ..الخ ، الاّ انهم ما انفكوا متمسكين بها لا بل ان اغلبية الايزيدية الساكنين في المانيا يبالغون كثيرا في طلب المهور بمبالغ خيالية تتجاوز احيانا المائة الف مارك ( حاليا خمسون الف يورو ) لا بل اكثر !! . واذا ما صادف ان خطف احد الشبان فتاة ستكون مناسبة سعيدة لوالد الفتاة لأن يطلب ما يشاء من المبالغ وهذا ما يحدث في الواقع .. ويتندر البعض من منتقدي هذه الظاهرة ويدعوّن ان آباء بعض الفتيات يتمنون ـ لا بل يدفعون بناتهم للخطف كي يستطيعوا ان يطالبوا بالمبلغ الذي يرغبونه !! وتعرض في المناسبات احيانا مسرحيات شعبية ساخرة تتعرض بالسخرية والتهكم لهذه الظاهرة واصحابها . والاستمرار على هذا النهج يتسبب في حدوث مشاكل اجتماعية كبيرة بين العوائل . ويشكّل احد اهم الاسباب لتسرب العديد من الايزيدية الى خارج الملة وترك دينهم ، وكذلك يدفع بالعديد من الشباب الى صرف التفكير بالزواج من فتاة ايزيدية .
وكان على المرأة الايزيدية ان تطبق كافة الواجبات الملقاة على عاتقها، اضافة الى قيامها بكل الشؤون اليومية للعائلة ( غسل ، تنظيف ، تهيئة الطعام ، تربية الاولاد ، توفير المياه ، السهر على راحة الرجال والضيوف و الحراسة احيانا ، الاهتمام بالمواشي وتعليفها في البيت ...الخ وكان عليها ان تساهم مع الرجل في الاعمال الاخرى ايضا ؛ البناء و الزراعة ، الحصاد ، جمع المحاصيل ، التحطيب ، العمل في البساتين ورعي المواشي وحلبها ..الخ .
وكمثال على صعوبة مهامها ، حيث ما زالت في ريف ارمينيا مثلا حتى الوقت الراهن تمارس " واجب " القيام بغسل اقدام رجال العائلة . وعندما سألت احد الشبان من ايزيدية ارمينيا عن صحة ذلك ؟ اجاب : وهل في ذلك امر غريب ؟ ألا يدل ذلك على الاحترام الكبير ؟! وسألته عن موقف المرأة المثقفة من ذلك ؟ اجاب : حتى لو كانت المرأة بروفيسورة فهي غير مستثناة من هذا، مازال الحديث للصديق ، عليها عندما تعود الى البيت ان تنزع لباس " البروفيسورية " وتمارس كافة واجباتها كأية امرأة في البيت فليس هناك ما يميزها عن غيرها !!.
وبشكل عام لم يكن في ذلك الزمن تعطي للمرأة اية قيمة ، ولم يكن من الممكن الاعتماد عليها في القرارات الحاسمة المتعلقة بالعائلة ولم يكن يسمع لها رأي الاّ ما ندر . وكان التعامل والنظر اليها يصل احيانا حد اعتبارها كخادمة لا غير او كعنصر عاطل او زائد عن الحاجة! .
ولأن العدوات العشائرية كانت قائمة آنذاك فقد كان الصلح بين تلك العشائر اوالعوائل ، في الكثيرمن الاحيان يتم على حساب المرأة ، وذلك بتزويج الفتيات بالتبادل . وان كان ذلك التصرف يتم علىاساس انه دليل على حسن النوايا ولأجل إحلال السلام والوئام والثقة بين هذه العشائراو العوائل ، لكن في كل هذه الحالات لم يكن يؤخذ رأي المرأة بالرجل الذي تزوّج له .
وكان يلحق بالمراة ظلم آخر اشد قسوة بسبب النظرة العشائرية المتخلفة والمتعصبة لقضايا الشرف والاخلاق . فقد كانت الكثير من النساء والفتيات في العقود الماضية ضحايا بريئة جرياً على العادة السيئة " غسل العار " العشائرية ، والتي كان الكثير منها يستند على الشكوك والتقولات اكثر مما كانت تستند الىالحقائق والادلة والبراهين الصحيحة المقنعة ، وفي العديد منها لم يبذل جهد كاف اصلا للتأكد من صحتها . وفي ذلك ينطبق المثل الشعبي التالي : هزار بـ .
Hezara bi tuhmana cone zehmana. تهمانا ، جونه زه همانه
وفي جميع حالات الزواج لدى ايزيدية كل المناطق لم يكن هناك مايقدم او يحسب لضمان حياة ومعيشة المرأة بعد الزواج سوى تقديم حلي ذهبية بسيطة ، وكانت هذه الحلي بتصرف الرجل في أغلب الاحوال، يتصرف بها متى ما شاء . وفي معظم الحالات تخرج المرأة صفر اليدين من مُلكية العائلة في حالة الطلاق ، رغم وجود بعض الاحكام البسيطة في هذا الشأن ، ولكنها متخلفة كثيرا ولا تأخذ بالحسبان الجوانب الانسانية الهامة، وان كان الطلاق غير محرما لدى الايزيدية لكنه غير مرغوب وهو نادر الحدوث سابقا، واصبحت النظرة اليه الان تختلف عما كانت في الماضي وهو يلقى قبولا اكثر وان ببعض التحفظ . وكان حق الطلاق وما زال بيد الرجل الاّ ما ندر . وفي حالة وقوعه فانه يكون بحضور الشيخ والبير اوبعض وجهاء القرية ويرمي الرجل ثلاث حجارة صغيرة كتعبير عن تطليقه لزوجته وليس بالامكان الرجوع عن هذا الطلاق .
وفي حالة ان يطلق الرجل بدون سبب وجيه لا يحق له طلب المهر او استعادته ، وما صرفه على الزواج ايضا . وعندما يكون قد صدر خطأ من المرأة ، او طلب اهلها الطلاق لأبنتهم ـ وهذا قليل الحدوث عليهم ان يدفعوا مصاريف زوجها وذلك المهر الذي كان قد دفعه لهم .
ومن الجدير بالذكر ان اكثر الظلم الذي يلحق بالمرأة وافدحه يتجسد في جميع حالات الطلاق ، الذي يحرم المرأة الايزيدية من النفقة !. اذ ليس هناك نص شرعي يلزم الرجل بدفع نفقة لزوجته المطلقة او المفترق عنها ، بالاضافة الى ذ لك ، فانها كانت وما تزال محرومة في مثل هذه الحالات من اهم حق طبيعي بالنسبة لها كأم ، ألا وهو حق التمتع بالامومة وحضانة الاطفال وتربيتهم !.