لماذا نناهض ختان البنات ؟ .. ورقة للمناقشة



عبدالله عبداللطيف المحامي
2006 / 10 / 9

حقا .. أنه السؤال المطروح بشكل ملح .. لماذا نناهض عادة ختان البنات ؟ وما هي مبررات هذا الموقف ؟ هذا ما تحاول هذه الورقة الموجزة الإجابة عليه كورقة للمناقشة في مختلف الأوجه المثارة حول الموضوع .

أولا : ختان الإناث .. وجهة نظر طبية

إن عملية الختان للأنثي هي بتر جزئي أو كلي لعضو هام من الأعضاء التناسلية للأنثى وهو البظر ينتج عنه نقص أو إلغاء وظيفة هذا العضو حسب نوع البتر .
وعلي هذا الأساس يصف أ.د محمد فياض ختان الأنثي بأنه جريمة طبية كاملة وسسب لكثير من المشاكل الاجتماعية والصحية والنفسية قبل وبعد الزواج ، ومن الناحية الطبية الأخلاقية ينبغي عدم إجراء أية عملية طبية إلا إذا كانت لها فائدة صحية وخالية من الضرر الجسماني عدا ذلك تكون مجرمة .
وقد أكدت جميع المؤتمرات الطبية علي مدي أكثر من ثلاثين عاما أضرار الختان للإناث فعلي المدي القريب تؤدي إلي حدوث نزيف وهو أمر حتمي بكل احتمالاته ، فضلا عن الصدمة العصبية والنفسية نتيجة فقد كمية كبيرة من الدم ولإجراء هذه العملية في معظم الأحوال دون مخدر ، وقد تؤدي أيضا إلي الوفاة إذا لم يتيسر إنقاذ الفتاة ، وكذلك التلوث وإصابة البنت بإحتباس في البول في الأيام التالية للختان بسبب الخوف والألم وتورم الأنسجة مما يرتب مزيدا من الألم مع إحتمال تلوث الجهاز البولي .
وعلي المدي البعيد ونتيجة خياطة الجلد الخارجي يمكن أن تنمو أكياس قد تصل إلي أحجام كبيرة تتطلب جراحة لإزالتها وإلا فيمكن أن تتلوث وتكون تقرحات، وغالبا ما تحدث مشكلات في الدورة الشهرية – احتباس الدم – لصغر الفتحة المتبقية بعد الختان مما يؤدي إلي تراكم بقايا الدورة والترسبات البولية في المهبل مما يؤدي إلي تكوين الحصوات في المهبل مما يحدث مشاكل.
وقد تؤدي هذه العملية إلي حدوث عقم لصعوبة الاختراق الجنسي فضلا عن مشكلات جنسية تضر بالعلاقة الزوجية .
وعلي ذلك فان هذه العملية تعني ببساطة شديدة حرمان الأنثي من حقوقها الطبيعية التي وهبها لها الله ببتر الجزء المسئول عن المتعة فلا يتحقق لها الارتواء الجنسي وتقع فريسة للأهواء وكذلك الزوج يجد نفسه عاجزا عن إشباع رغبتها فيلجأ إلي المخدرات تحت تأثير الوهم .
وعليه فإن ختان الأنثى من وجهة النظر الطبية هو جريمة يجب منعها .

ثانيا : ختان الإناث .. من الناحية الدينية

يعتقد الكثيرون أن ختان الأنثي واجب ديني يجب أتباعه غير أن الحقيقة ليست كذلك، فلم يرد حديث صحيح يحتج به وإنما وردت آثار حكم المحققون من العلماء عليها بالضعف .
وقد أكدت هذا النظر الفتوي الصادرة من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 8/10/1994 والتي جاء فيها أن الأحاديث التي وردت في شان الختان مثل ( الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ) ، ( لا تنهكي فان ذلك احظي للمرأة وأحب للبعل ) ، ( الق عنك شعر الكفر وأختتن ) ، ( من اسلم فليختتن ) ، قال فيها الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار – ج 1 ص 137 – 140 - أنها ضعيفة وذكر قول الإمام ابن المنذر ( ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع ) .
وقال صاحب كتاب عون المعبود – شرح سنن أبي داوود ج 14 ص 183 وما بعدها ( حديث ختان المرأة ) روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت .
وذكرت أراء كثيرة مثل ما جاء في كتاب الفتاوي ص 302 للشيخ محمود شلتوت وكذلك الشيخ سيد سابق كتاب فقه السنة ج 1 ص 33 والشيخ محمد عرفه – عضو جماعة كبار العلماء – في بحثه المنشور بمجلة الأزهر المجلد 24 لسنة 1952 ص 1242 كلها أكدت عدم وجوب الختان من الناحية الدينية .
فضلا عن ذلك فانه يلاحظ أن هناك دولا ومجتمعات إسلامية كثيرة لا تمارس عادة الختان مثل السعودية ودول الخليج واليمن والعراق وسوريا وتونس والجزائر والمغرب وان عادة الختان تمارس في حزام إفريقي يمتد من مصر إلي السودان إلي وسط وجنوب إفريقيا الأمر الذي يدعم ويؤكد أنها ليست شأنا إسلاميا .

ثالثا : ختان الإناث .. والمواثيق الدولية

إن عملية ختان الأنثي تعد بحق انتهاكا للعديد من أحكام المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية نذكر منها علي سبيل المثال :
• اتفاقية حقوق الطفل التي تكفل حق الطفل في الخصوصية ( م 16 ) ، وتحظر إيذاء الأطفال ( م 19 ) ، وتلزم الدول باتخاذ التدابير المناسبة للقضاء علي الممارسات التقليدية التي من شانها الأضرار بصحة الطفل ( م 24 / 3 ) ، وكذلك تحظر تعريض الأطفال للتعذيب وللمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة .
• المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا يونيه 1993 أكد علي أن التقاليد والعادات الضارة بالمرأة جزء من انتهاك حقوق الإنسان .
• المؤتمر الدولي للسكان بالقاهرة عام 1994 ضمت وثيقته أربع مواد ذكر فيها ختان الإناث كشكل من أشكال انتهاك الصحة والحقوق الإنجابية للمرأة .
• الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل والذي إعتمدته منظمة الوحدة الأفريقية 1990 أكد علي المساواة بين الأطفال من الجنسين وألزمت الدول الموقعة عليه بإتخاذ كافة التدابير المناسبة للقضاء علي الممارسات التي تميز بينهم علي أساس الجنس .
• إتفاقية الأمم المتحدة للقضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة تضم لائحة بحقوق المرأة وتلزم بإلغاء العادات والممارسات التي تقوم علي فكرة دونية المرأة .
ونذكر هنا أن مصر صدقت علي إتفاقية حقوق الطفل عام 1993 ، وعلي إتفاقية القضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 1980 ، وعلي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام 1990 .
وحيث أن الدستور المصري نص في مادته 151 علي إعتبار المواثيق الدولية التي تصدق عليها الحكومة المصرية تسري وتطبق شأنها شأن التشريعات الوطنية والقوانين المصرية فإنه وبالبناء علي ما تقدم يتضح أن ممارسة عادة ختان الإناث مخالف للمواثيق الدولية وللدستور والقانون المصري وتوصم بعدم الدستورية .

رابعا : ختان الإناث .. من الناحية القانونية والإجتماعية

إذا كان ختان الأنثي هو عبارة عن استئصال جزء من جسدها بلا مبرر طبي أو واقعي كما سبق البيان فان هذا الفعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون بنص المادة 240 من قانون العقوبات المصري والتي تنص علي أن :
" كل من أحدث بغيره جرحا أو ضربا نشأ عنه قطع أو انفصال عضو فقد منفعته ... أو نشأ عنه عاهة مستديمة يستحيل برؤها ، يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلي خمس سنين ، مع تشديد العقوبة إلي الأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلي عشر سنين إذا كان ذلك عن سبق الإصرار أو ترصد أو تربص ".
ولا يمكن القول هنا بتوافر سبب من أسباب الإباحة أو رضاء من قبل المجني عليها لان هذه العملية لا تهدف إلي شفاء مريض أو تخفيف حدة ألمه أو مرضه، ولا مبرر طبي لها من الأساس، والقول أيضا برضاء ولي الأمر هنا لا يعتد به بل تشمله دائرة التجريم والتأثيم ويكون شريكا في الجريمة سواء بالتحريض أو المساعدة، ولا مجال هنا أيضا للحديث عن عنصر الرضاء من قبل الطفلة المسكينة لأنها لا تملك ثمة إرادة للتمييز والإدراك والأمر لا يخلو من إكراه مادي ومعنوي .
فضلا عن ماسبق ذكره بشأن النص الدستوري الوارد بالمادة 151 من سريان ونفاذ مفعول أحكام المعاهدات والمواثيق الدولية التي صدقت عليها الحكومة المصرية شأنها شأن التشريع الوطني الداخلي .
من جماع ما تقدم .. يتضح لنا أن ختان البنات بكل المقاييس وبمختلف الأوجه يمثل جريمة طبية أخلاقية قانونية إجتماعية ولا يوجد في الدين ما يوجبها وعلينا أن نواجهها ونناهضها بكافة السبل .