مكانة المرأة ... في المجتمع الايزيدي الحلقة 8



صبحي خدر حجو
2006 / 10 / 13

وهكذا الحال بالنسبة الى قضية الميراث سواءاً من بيت والديها او من بيت زوجها في حال وفاته . واذا صادف انه لم يكن لها اولاد ، ولم يكن لزوجها اخوة ، يصل ميراثه ابعد من اولاد العم وتحرم زوجته منه !!.
وكان قد لحقها الغبن ايضا عندما كان قد مضى وقت طويل على افتتاح المدارس في مناطق الايزيدية دون ان يرسلن للتعلم فيها . وكان ذلك ايضا له علاقة بالنظرة العشائرية ؛ كون ان ذهاب الفتاة للمدرسة يمكن ان يلوث سمعة العائلة ، او الخشية من ان يؤدي ذلك الى " فساد اخلاقها " ! . وغيرها من التصورات الخاطئة ، يستثنى من ذلك ايزيديو ارمينيا وجورجيا بسبب التعليم الالزامي المبكر لديهم . طبعا من الضروري ان لا نهمل الجانب الاساسي من الاسباب التي كانت تؤدي بالايزيدية الى الاحجام عموما عن ارسال ابنائهم الى المدارس او مقاطعة التعليم بشكل عام ، وهم ربما كانوا على بعض الحق ، اذ ان التدريس والتعليم كان يجري في الجوامع والمساجد في بداية الامر وعلى طريقة الكتاتيب ، وكان لدى الايزيدية حساسية مفرطة بسبب الحملات المتنوعة لاسلمتهم ، فقد كانوا يعتبرون ان هذا التعليم ما هو الا محاولة لكسب ابنائهم الى الاسلام .
ومنذ اواسط الستينات ( من القرن الماضي ) في العراق واواسط السبعينات في سوريا بدأ الايزيديون يهتمون بموضوع المدارس والتعليم ، لانهم تلمسوا ما جناه الاخرون من التحصيل العلمي وتبوأ الوظائف . وانتبهوا في نفس الوقت الى الخطأ الذي وقع فيه آباؤهم بحرمانهم من المدارس . ولم يكتفوا بارسال اولادهم الذكور فحسب وانما بناتهم ايضا . اذ لعب هنا العامل الاقتصادي ايضا دوره المطلوب واصبحت المرأة المتعلمة منتجة من خلال الوظيفة بشكل خاص ، وجالبة مورداً لا بأس به للعائلة ، اضافة الى المكانة الاجتماعية التي تحصل عليها . يضاف الى ذلك حقيقة هامة اخرى وهي تزايد طلبات الزواج للمتعلمات والخريجات على حساب الفتيات الاميات .
واذا اجرينا دراسة مقارنة لحالة المرأة الايزيدية ، نلاحظ ان المرأة انها مغبونة ومحرومة بدرجة كبيرة بالنسبة لقضايا التشريع والاحكام وتحديدا ( ضمانات بعد الزواج و حق الطلاق ، والحقوق المكتسبة بعده ، النفقة ، وحق حضانة الاولاد ، والحق في الميراث والتركة ..الخ ) .
ولكن من جهة اخرى نلاحظ ان مكانة المرأة الايزيدية الاجتماعية والمعنوية في العائلة والمجتمع بشكل عام هي افضل من مثيلاتها فيما حول الايزيدية ، خاصة في الفترات الاخيرة بعد التطورالمتسارع الذي حصل في وعي الايزيديين عموما .
وما تحدثنا عنه من الجوانب السلبية لم يكن ذلك حالة مطلقة للجميع . وكانت هنالك بالطبع حالات كثيرة تشكل استثناءا عن هذه القاعدة . ومما هو جدير بالذكر ان حالة المجتمعات المحيطة بالايزيدية كانت على هذه الشاكلة ايضا بل ربما بشكل اسوء . ولهذا لم يكن الايزيدية قادرون على تجاوز واقع المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها ، حتى ان هم ارادوا ذلك ، او توفر لديهم الاستعداد والرغبة لذلك . واي تطور، خاصة في المجالات الاجتماعية وتلك المرتبطة بالعادات والتقاليد محكمومة بالكثير من الاسباب لعموم المجتمع ؛ نوع النظام الاقتصادي السياسي ، الحريات العامة، مدى انتشار التعليم ، مستوى الوعي ، دور وسائل الاعلام ... الخ من الاسباب التي تؤدي الى تقدم المجتمع او مراوحته في محله او تراجعه للخلف .
ورغم الظروف الصعبة التي وجدت المرأة لايزيدية نفسها فيها وانعدام الفرص للكشف عن قدراتها وتنميتها وتطويرها ، لابل وجود اجواء الاحباط التي كانت تحيط بها من كل جهة ، فقد تمكن البعض منهن من تجاوز واقعهن وبرزنَ في مجالات معينة ، واشتهرن على النطاق المحلي سواءاً لقوة شخصيتهن او لذكائهن اوقدراتهن . وكان البعض منهن ندا ً للرجال ، وفي حالات غير قليلة كانت الواحدة منهن تتبوأ مكانة الزوج المتوفي او الذي يقتل في صراعه مع الاخرين . وتصبح المرأة مسؤولة عن العشيرة او عن قريتها .ويمكن ذكر بعضهن كنماذج فحسب .
ياتي اسم الاميرة ميان خاتون في مقدمة تلك النساء . وهي ابنة عبدي بك وزوجة علي بك ووالدة سعيد بك وجدة الامير الحالي تحسين بك . وكانت معروفة برجاحة عقلها ودبلوماسيتها وعلاقاتها الواسعة مع مختلف شراح المجتمع بما فيهم الاقوام الاخرى . وكذلك مع السلطات ومسؤوليها بما فيهم قادة البلاد ( العراق ) انذاك . وكانت وصية على ابنها سعيد بك وفيما بعد حفيدها تحسين بك عندما توليا الامارة وهما دون سن الرشد .
وكذلك داي شيرين التي كانت " مختارة " لقصبة عين سفني ، وكانت لها شخصيتها المستقلة وتمارس ركوب الخيل وتقوم بمهام الرجال وتدخل في نزاعات مع الاخرين دفاعا عن حقوق اهالي القصبة .
واهل الشيخان يتذكرون جيدا ( عيشا دريز ) من قرية ( بيت نار) وكانت ( طويلة القامة بشكل استثنائي ) تمارس جميع المهام العائدة للرجال ، وتتعامل بكفاءة ولها شخصيتها المهيبة .
ما تزال العوائل الكبيرة والمعروفة في الشيخان ومناطق اخرى تلقب باسماء نسائها دلالة على قوة شخصية تلك ا لنساء ومكانتهن او ذكائهن . اما في منطقة شنكال ورغم كونها مثالا على قوة العشائرية الخالصة ، هناك الكثير اللواتي استطعن ان يتميزن ، ويقمن مقام رئيس العشيرة ويدرن مجالس العائلة ( الديوان ) الذي كان الحضور فيه مقتصرا على الرجال .وبهذا الصدد برز اسم ( زريفة اوسو ) من قرية ( بكرا) التي شاركت الرجال في القتال ضد قوات الفريق وهبي باشا المتمركزة في قرية ( كري عه ره با ـ Gire Ereba ) وكان لزريفة الدور الكبير في صمود الرجال واستماتتهم في الدفاع عن انفسهم وعوائلهم ضد هجمات قوات الفريق وهبي باشا .
رغم ما كان يحيط بالمرأة من اجواء واسباب كثيرة تمنعها من اظهار قدراتها الجيدة كما قلنا ، الاّ ان العديد منهن كن يكسرن هذه الحواجز ، خاصة في مجال الغناء والشعر والمراثي ؛ وظهرت شاعرات عديدات خاصة من القيران وهم فخذ من عشائر الخوركان . ومن المشهورات منهن الشاعرة ( هزو ) .
وبين ايزيدية تركيا كان تمثل هذه الحالات بشكل اقل . اشتهرت ( بنفشي ) زوجة ابراهيم في سهل ديار بكر ؛ حيث كانت المسؤولة عن قريتها وتتعامل بكفاءة مع العشائر المحيطة بهم . ويمكن اعتبار ارمينيا وجورجيا كمثال لما يمكن ان يؤدي اليه فسح المجال للمرأة للتعلم والدراسة وللتعبير عن طاقاتها . فقد برزت الكثيرات من النساء الايزيديات في هذين البلدين سواءاً في مجال التحصيل العلمي او تقلد الوظائف او في مجالات اخرى كالفن والغناء والادب والمسرح . فقد كانت كل من ( سوسيكا سمو ) و ( كلي زهر عطار) من ارمينيا مغنيتان مشهورتان . وكانت ( غزال ) مختارة قرية ( آخ باران ) في ارمينيا ومعروفة بقوة شخصيتها . ما ورد من اسماء شخصيات نسائية لم يكن سوى نماذج لا غير ، اذ ان هناك العشرات غيرهن .
كما برزت الكثير من النساء في مجالات الـ ( ديروك ) او المراثي ويمكن ان يقال ان ابداعهن تميز في هذا المجال ، وبرز الكثير منهن فيه ، لان هذا المجال كان يشكّل منفذاً واسعا وجيداً للتنفيس عن طاقاتهن وهمومهن وآلامهن . كما اشتهرت العديد منهن ايضا في مجالات اخرى كممارسة الطب الشعبي وتجبير الكسور والتوليد ، والكثير من المهام والاعمال التي كانت تتطلبها وتفرضها الظروف والحاجة انذاك .