عن المرأة والوصاية : حجاب العقل وحجاب الجسد



محمود الزهيري
2006 / 10 / 18

العقول الكليلة والأفهام المريضة تنظر إلي المرأة علي أنها تمثل الحرام الكامل منذ تاريخ ولادتها حتي تاريخ وفاتها ودخولها القبر علي أن تمر بمرحلتين الأولي خروجها من بيت الأب إلي بيت الزوج , ومرة أخري من بيت الزوج إلي بيت القبر , وهذه هي بعض العقليات المريضة المتخلفة التي تريد وتبغي الوصاية والقوامة علي النساء أبد الدهر مادام في العمر بقية من حياة , وكأن النساء في بلادنا العربية المتخلفة الذين يمثل فيها الرجال قمة الرجولة والنخوة والشهامة علي النساء فقط في أغلب الأحيان وتجد الرجال وكأنهم نساء أمام القضايا الإجتماعية والسياسية الأخري التي كان من المتوجب أن يكون للرجال فيها دور الرجال وللنساء فيها دور النساء إلا أنه كانت النساء لها الدور الأسبق في القضايا الإجتماعية والسياسية ومساندة للرجال في العديد من الفعاليات السياسية والإجتماعية وكان الهروب من نصيب الرجال أصحاب نظرية العورة , فلم نجد لهم دور في المجتمع علي الإطلاق إلا في قضايا هامشية من الجهل والسذاجة أن تناقش علي طريقة اصحاب نظرية العورة .
ولكن مازال أصحاب نظرية العورة ينادون بأعلي أصواتهم وكأن نذير الحرب ينادي بالناس أن العدو قادم سوف يحتل أوطانكم ويسبي نسائكم وييتم أبنائكم ويرمل نسائكم وكان هذا العدو المتوهم هو للأسف الشديد النساء , المرأة , التي هي الأم والأخت والزوجة والإبنة , إنها العمة والخالة والجدة وإبنة العم والعمة وإبنة الخال , وإبنة الخالة !!
فالمرأة في التاريخ والثقافة والمفهوم الديني تمثل كل شر وأساس لكل فتنة وأس لكل بلاء ومصيبة , أنها من وجهة النظر المريضة تمثل الفتنة والغواية ويجب أسرها في مخدعها وألا تغادره وألا تظهر للمجتمع أو تتعامل معه البتة حفاظاً عليها وحفاظاً علي المجتمع وكان هذا هو الهروب الكبير من المجتمع إلي القوقعية والإنعزالية بعيداً عن المجتمع والناس ومن هنا كانت فرضية : وقرن في بيوتكن : وكانت التفسيرات المجتزأة التي تخدم علي آراء وأفكار وتصورات تيار عريض ممن يسمون أنفسهم برجال الدين , أو الدعاة حاملي لواء الدعوة والهداية وإرشاد المجتمع حسبما يظنون أو يعتقدون من صواب أرائهم وأفكارهم وإستنتاجاتهم في الدين وفهمهم لنصوصه .
وكان الحديث عن النقاب والخمار والحجاب هو من أوجب الأحاديث التي يتوجب علي الدعاة توجيهه للنساء وبيان أهمية النقاب عن الخمار , وأهمية الخمار عن الحجاب , ويزاد في حجم الأهمية لباس القفازين , فكلما كانت المرأة منتقبة كانت درجتها أعلي وأرفع عند الله من المختمرة أو المحجبة , بل واصبحت قضايا المرأة تتلخص في مسائل النقاب والخمار والحجاب والقفازين لليدين وبقية الأمور الأخري لاشأن للنساء بها , وكان أن أصبح لرجال الدين موضوع ثابت للحديث عنه في الغدو والأصال هم والدعاة المنتسبين للموسسة الدينية الرسمية والمنتسبين للجماعات الدينية وهو موضوع المرأة , وكانت هناك سلسلة من المحرمات المهلكات معدة للنساء وكلها من باب الحرام المطلق والكفر البواح المختزل في أمور منها : البشارة الشؤم بالإخبار بالأنثي وهذا منذ بداية الوجود علي ظهر الأرض , تحريم منع ختان الإناث وهذا من بداية ظهور المرأة علي وجه الأرض يبدأ معها أمر الحرام , وكأن من يأمر بعدم الختان مجرم في حق الدين ومجرم في حق المرأة , والمفترض أن العكس هو الصحيح , ولكن وجهات النظر والأهواء التي تتلاعب بمشاعر وأحاسيس المجتمعات بإسم الدين لصيرورة الجهل والتخلف والرجعية بإسم الحفاظ علي الدين من أعدائه .
وهل تناست المجتمعات المعاصرة معرة جريمة وأد البنات تلك الجريمة التي كانت متكررة الحدوث من ضيقي الأفق ادعياء العفة والطهارة والخوف من العار الذي يمكن أن تلحقه البنت بالأب أو الأخ أ و الأم من جراء ممارستها لجريمة الزنا بالمفهوم الديني , ومن هنا كان الخوف من هذه الجريمة وكانت الجريمة المحتملة الحدوث والمحمولة علي الظن تواجه بجريمة أكيدة الحدوث والثبوت وهي وأد البنات وقتلهن مخافة العار !!
إن العار كل العار هو فيمن يعتقد ويظن أن العار متمثلاً في الناحية الجنسية ومقتصر علي العضو التناسلي للمرأة فقط لاغير , فالشرف والكرامة والعفة ليس مجالهم الأعضاء التناسلية ولا ممارسة الرزائل الأخلاقية أو الإمتناع عنها أو عدم الإقتراب منها , ولكن هذه المبادئ والمثل تتمثل في الثقافة والعلم والفكر والحضارة , لأن الجهل عار , والتخلف فضيحة , والتفرقة بين المرأة والرجل هو العار الكامل الغير منقوص لأن النساء شقائق الرجال .
فالعفة والطهارة ليست خماراً أو حجاباً أ و نقاباً فقط إنما لها روافد أخري دينية / إجتماعية / ثقافية / فكرية / تربوية , ولايمكن العزل بين منظومات المجتمع الحاكمة لعاداته وأعرافه وتقاليده , فالمرأة المتعلمة المثقفة صاحبة الفكر والرأي تخرج أجيالاً ذوات عقول وأفكار وثقافات تخدم علي المجتمع الذي يعيشون فيه , أما المرأة من الصنف الآخر فإنها مصنع للنفايات والتخلف والجريمة لأنها لاتدري من أين يأتي النفع , وكيف تتجنب الضرر ؟!! وعلي وجه التبسيط فقد ظلمت المجتمعات العربية / الإسلامية المرأة منذ بداية عصور الإستبداد وأصبح الملك والحكم عضوداً وأصبح حكم العائلة والقبيلة هو المسيطر علي أفهام وأفكار المسلمين وحينما تشوهت المجتمعات العربية وظهر الفساد وعم علي جميع مجالات الحياة , واصبح الحاكم يجعل في قصره مايسمي بالحرملك والأماكن الخاصة بالحريم في قصور الأ مراء والحكام والسلاطين , وتسيد أمر الحكم أراذل الناس وأردأهم رأياً وعقلاً ومشورة , وجاءت أزمة المرأة حينما كانوا يمارسون الرذيلة مع بعض النساء الساقطات والرجال الساقطون , فظن الرجال أن نساؤهم قد يكن مثل هؤلاء النسوة وبدأو في التضييق علي النساء من هذا الجانب بالإضافة إلي جوانب أخري ذات مردود ديني وسياسي , فالمرأة في المفهوم الديني : ناقصة في العقل والدين : وهذا هو الفهم العام بدون تحليل أو تأويل أو تفسير , وهذا في المفهوم الديني المغلوط عن عمد .
اما في المفهوم السياسي : لعن الله قوماً ولوا أمرهم إمرأة : وهذا النص له تفسيرات وتأويلات مغلوطة عن عمد أيضاً يراد منها في النهاية إحتجاب النساء وعزلهن عن الحياة الإجتماعية والسياسية وإستخدام المفاهيم الدينية المغلوطة والمنقوصة لفرض الوصاية علي النساء بإسم الدين والدين من أصحاب الوصاية والقوامة برئ .
وإلي متي ستظل المرأة بين فكي رحي أدعياء الوصاية علي عقل المرأة , وأدعياة الولاية علي جسدها ؟!!
ومتي تتحرر المرأة من حجاب العقل قبل الحديث عن حجاب الجسد ؟!!
هذا هو السؤال !!
محمود الزهيري