وأد البنات في المجتمعات الإسلامية الحديثة..



رحاب العربي
2023 / 3 / 4

بسم الله الرحمن الرحيم "و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت"؟ بهذه الآية التي يستنكر و يحرم فيها الخالق سبحانه و تعالى قتل البنات فقط لأنهن إناث؛ يطرح سبحانه في وعقول عباده أسئلة عن الأسباب التي شرعت لهم قتل الأنثى؟ وما إذا كانت الأسباب التي يستند إليها وائدو البنات تتفق و الحق و تكفي لتنفيذ هذا الحكم الظالم على الضحية؟.. و الخالق عندما طرح هذا السؤال لا نشك في أنه يعلم دوافع هذه الجريمة، لكنه بسؤاله هذا إنما أراد أن يثير في عقول الذكور السؤال عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الجريمة، والتي ليس للأنثى أي دور فيها سوى أنها ضحية لتقاليد و عادات متخلفة تصورها بأنها الطرف الأضعف الذي يمكن ان يلحق السقوط و العار بمجتمع الذكور المتورط في صراعات غالبا ما لا يكون للأنثى أي دور فيها..
وبهذه الآية حرم الله سبحانه و تعالى عادة كان العرب قبل نزول الرسالة المحمدية يقترفونها و إن بشكل محدود، أي أن مجتمعات ما قبل الإسلام كانت لا تستنكر او تدين او تعترض على جريمة وأد البنات أي دفنهن أحياء، بل كانت تتعامل معها كحدث قد تكون له مبرراته، وهي في العادة يتم ارتكابها لتفادي العار الذي يترتب على انتهاك حرمة الإناث خلال الغزوات والحروب التي كانت تحكم العلاقات و تديرها بين القبائل في شبه جزيرة العرب، وكان انتهاك شرف النساء الذي كان عادة ما يرتكب في حق المهزومين، لا يُنسى و لا يُمحى من الذاكرة، ويبقى كعار غير قابل للنسيان ويتم التفاخر به، فيما يتم تناسي ضحايا الاقتتال من الرجال، بل الافتخار بمقتلهم ..
ورغم تحريم الإسلام لوأد البنات بنص قرآني صريح، إلا أننا كمسلمين لازلنا حتى اليوم نمارس هذه الجريمة بطرق متطورة لا تختلف في نتائجها النفسية كثيرا عن الوأد البدائي. لقد تجاوز واضعو التشريعات الاسلامية هذا التحريم بطريقة تستند على فهم سطحي للآية ، أي حصر الوأد في معناه المحدود و المتعارف عليه في زمن نزول الرسالة المحمدية ، أي دفن البنات وهن احياء، و لم يطوروا فهما للآية يأخذ في الاعتبار تطور مفاهيم الإنسانية للحياة، لا بل طوروا فهمهم للوأد بالسلب، أي صنعنا للوأد أشكالا ومفاهيم لا تقل خطورتها و آثارها المدمرة عن الوأد الذي كان سائدا قبل نزول الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فما نشاهده اليوم في عديد الحواضر الإسلامية من أزياء للإناث تحجب وجوههن ، بل حتى أطرافهن، و فصلهن عن الرجال في ميادين العمل و مؤسسات التعليم و وسائل النقل، سجنهن في البيوت لا تقل آثاره المعنوية و النفسية عما يخلفه الوأد الجسدي لهن. فالأنثى وفق معايير و قناعات التيارات و المذاهب الإسلامية المتشددة التي تجتاح العالم الإسلامي اليوم، لا تختلف عن القنبلة الموقوتة التي يجب إبعادها و حجبها، رغم أنها غالبا لم تكن البادئ في عمليات خرق و انتهاك ما يحرمه الإسلام في العلاقة بين الذكور و الإناث ، إذ غالبا ما يكون الرجل هو الطرف البادئ بل وحتى المبتدئ في ارتكاب هذه الانتهاكات. ويتم وفقا للفهم المخل لآية تحريم الوأد ، التضحية بالأنثى و وضعها تحت عملية وأد محدثة ، أي تكفينها بأزياء تحجبها عن الوجود وفصلها عن مجتمع الذكور، و تجاهل الرجل المخترق الفعلي للآيات التي تنظم العلاقة بين الذكور و الإناث ..
وفقا لهذا المشهد؛ ما هي أوجه الاختلاف بين الوأد ما قبل الإسلام و الوأد المتطور للبنات و الإناث بصورة عامة القائم اليوم والمتجسد في حجب وجودهم كانسان يحمل ملامح إنسانية ؟ .. أعتقد أن الوأد اليوم يتجاوز لجهة توسعه و انتشاره و أشكاله، وفي آثاره و نتائجه المدمرة على سلامة العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية؛ يتجاوز الوأد الذي كان قائما قبل الإسلام، فالوأد القديم كان محدودا تفرضه ظروف استثنائية و قصور في فهم نواميس الحياة، أما الوأد المنتشر اليوم و المتجسد في تكفين الأنثى و فصلها عن محيطها و الذي يجتاح المجتمعات الإسلامية نتيجة قصور في فهم الرسالة المحمدية، و الذي يتم في عصر تجاوزت فيه المجتمعات الإنسانية تلك المفاهيم البالية، ووضعتها في مكانها الصحيح كطرف لا يمكن الاستغناء عنه في بناء الحضارة الإنسانية. هذا الوأد المحدث تتجاوز آثاره النفسية و الحضارية على أمة الإسلام ما كانت تحدثه عمليات الوأد قبل ظهور الإسلام، فبمقتضى هذا الفهم القاصر لما تنص عليه الرسالة المحمدية في التعامل بين الجنسين و إدارة وتنظيم العلاقات بينهما بما يحقق تطورا قابل للحياة، بمقتضى هذا الفهم فالمجتمعات الإسلامية تعيش حالة تراجع تنذر بخروجها من ساحة الفعل الحضاري للإنسانية الذي ساهم المسلمون الأوائل ذكورا و إناث في وضع لمسات مضيئة فيه لا زالت صفحات التاريخ تذكرها..
أمهاتي .. أخواتي.. بناتي.. في كل بيت وعائلة مسلمة، هلم بادرن لتمزيق أداة الوأد التي يتفنن الظلاميون اليوم في تصميمها و تجميلها لوأدكن روحيا.. أخرجن للنور لمواجهة الوأد و عيش الحياة ككائنات بشرية لها عقول قادرة على فهم ما نزل به الإسلام من قيم تنظم العلاقات بين مكونات المجتمع ذكورا و إناث.. بادرن أخواتي للخروج من أسر هذه الظلامية المقيتة التي لا علاقة لها بالإسلام و القرآن الذي حرم الوأد بكل مفاهيمه الروحية والنفسية، و لم يميز بين المخلوقات ذكورا وإناث سواء في الثواب او العقاب..