مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 9 والاخيرة



صبحي خدر حجو
2006 / 10 / 21

واذا ما قيمّنا وضع ومكانة المرأة الايزيدية زمنيا ، يمكن اعتبار ان وضعها قد حدث فيه ما يشبه الطفرة نحو الافضل منذ اواسط الستينات من ( القرن الماضي ) وحتى وقتنا الراهن . فبحكم الانتشار الكمي والنوعي للمدارس ووسائل التعليم ، واندفاع الايزيديين الكبير لتعليم ابنائهم وبناتهم يدفعهم شعور بالندم لتعويض ما فاتهم من وقت وفرص ثمينة في السابق ، وانتفاء وزوال الكثير من الاسباب التي تجبرهم على البقاء في عزلة عن الاقوام الاخرى ، وبتوفر وانتشار وسائل الاتصالات والمواصلات اندفعوا لارتياد المدن الكبيرة . توظف الكثير منهم ومارس الاخرون الاعمال الحرة من تجارة وغيرها من الاعمال التي تقتضي التعامل مع الاخرين ، كذلك تطور وسائل الاعلام وتأثيرها المتزايد على الناس .. كل ذلك وغيرها من العوامل ادت الى حدوث طفرة في الوعي الثقافي والاجتماعي لكل افراد المجتمع وبشكل خاص منهم الايزيدية . حيث كان الاستعدا لديهم متوفرا لاستقبال اية حركة تطورية ايجابية ، ولم يكن هنالك من التعقيدات الاشتراعية التي يمكن ان تؤخرهم عن الركب . وقد كانت الحصيلة ايجابية فعلا ، اذ اصبح من النادر جدا تخلف اية عائلة عن ارسال بناتها للمدارس بما فيها اشد المناطق تخلفا وتعدا عن المراكز الحضرية ، ولم يكتفين بالدراسة الابتدائية كما كان يحصل في السنوات الاولى وانما دخلن الثانويات والمعاهد والكليات وفي اغلب مناطق الايزيدية خاصة ( العراق ، ارمينيا وجورديا ) . وقد حصل الكثير منهن على شهادات عالية يعتد بها .ومن الانصاف ان تذكر اسماء الاوائل من الذين كن من الرائدات في مجال الدراسة والتفوق . وكانت اول امرأة ايزيدية ( العراق ) تنال شهادة من الجامعة الاميريكية في بيروت وفي وقت مبكر هي ( ونسة خاتون ) ابنة اسماعيل جول بك ، وكان ذلك في الاربعينات من القرن الماضي !، وكانت ( كروان خلات جمعة و آسيا سالم بتي ) من بحزاني و( مريم حسن ) من عين سفني اولى الفتيات التي يحصلت على الشهادة الجامعية من العراق . وهكذا كان الحال لدى ايزيدية ارمينيا وجورجيا ، حيث كن السباقات في هذا لمضمار ، بحكم التعليم الالزامي المبكر كما كنا قد نوهنا سابقا . فقد كانت الاغلبية الساحقة من النساء هناك قد حصلن على شهادة المتوسطة على الاقل ، وبزرت أخريات من بينهن واصبحن مشورات ليس على نطاق ايزيدية هذين البلدين ولكن على نطاق الاتحاد السوفياتي ذاته . فالدكتورة لامارا باشا من مدينة تبليسي كانت قد حصلت على شهادة الدكتوراه ، كذلك نورا حاجي جندي ، وجميلة جليل من ارمينيا ( قرية آخ باران ) قد حصلتا على شادة الدكتوراه في الموسيقى ، وعطاري شرو من ارمينيا ايضا كاتبة مشهورة ، اضافة الى العشرات غيرهن من اديبات ومذيعات ومهنسات وطبيبات وممثلات .. ممن تقلدن وظائف هامة .

ومما يجدر ذكره ان ايزيدية العراق شهدوا في العقدين الاخيرين تخرج المئات من المعلمات والموظفات والمهندسات والطبيبات والمحاميات ، وانطلقن في حركة واسعة وتقلدن مختلف الوظائف المدنية واصبحت احداهن ( انتصار سالم بتي ) استاذة في كلية طب جامعة الموصل .
وكانت مثل هذه الحركة نحو اشراك الفتيات في المدارس قد حدثت في سوريا ايضا ولكن بدرجات اقل . اما ايزيدية تركيا ، فقد كانت ظروفهم صعبة اذ كانوا منتشرين في القرى النائية ، ثم خشيتهم من السلطات ومن " الاسلمة " ، وتمكن الافكار العشائرية بقوة منهم كل ذلك لم يشجعهم على الاهتمام بالمدارس ، ولكنهم غيروا موقفهم عند انتقالهم الى اوربا والمانيا بشكل خاص ؛ حيث شملت الهجرة اكثر من 95% منهم ، وارسلوا بناتهم للمدارس بعضهم عن رغبة والاخرون اضطرارا . ولكن الى مرحلة ليس ابعد من الثانوية في الوقت الراهن .
هذه التطورات التي حدثت سواءاً المتعلق منها بفسح المجال لتعلم الفتيات وتوظيفهن ، او تلك المتعلقة بالتطور الحاصل في شؤون الحياة الاخرى والتي سبق وان ذكرنا بعضها ـ جميعها ساعدت على حدوث مثل هذه الطفرة في تحسين النظرة والموقف من المرأة بشكل افضل وبما لا يقاس مع الفترات السابقة . وهذه التطورات والنظرة الايجابية انعكست بشكل عملي على اختيار طرائق جديدة للزواج وعلى اسس صحيحة تقوم على القبول والرضى ، واصبحت نادرة حالات ارغام الفتاة على الزواج بدون رغبتها ، واصبحت حالات الـ ( تحيير) لبنات العم او القريبات نادرة حتى في الريف البعيد عن المدن . كما ان هذا الوعي قد اثرّ على المشكلة الاكبر للمرأة الا وهي تعدد الزوجات . اذ تراجعت هذه الظاهرة كثيراً وتحولت الى حالات لها خصوصيتها ومبرراتها .
وقد ساعدت هذه التطورات الى زيادة مشاركة المرأة للرجل في ادارة شؤون العائلة الاقتصادية والمعيشية وفيما يتعلق باتخاذ القرارات العائلية المهمة . واثرت بشكل ايجابي على بناء العائلة على اسس افضل للتفاهم المشترك ، وانعكس هذا في التحسن الكبير الذي طرأ على اساليب تربية الابناء ( من الجنسين ).
ورغم حصول هذه التطورات الايجابية ، الاّ انها ما زالت دون المستوى المطلوب اذا ما قيست بمستوى التطورات الحاصلة في وضع المرأة الايزيدية من حيث الدراسة والثقافة والتحصيل العلمي والوعي العام ..الخ . وكذلك مع التطور الحاصل في ثقافة ووعي الرجل الايزيدي ، وفي المجتمع عموما . ولكن ذلك ربما لا يعود الى انتفاء رغبة المجتمع الايزيتدي بقدر ما يتعلق الامر بالمجتمع الاكبر المحيط بالايزيدية ، اي بوضع البلدان التي يعيشون فيها .
ومما يلفت النظر ، ان كل هذه التطورات الايجابية لم تؤثر بعدُ في الاحكام التي سبق وان شرحناها ، فقد بقيت كما هي ، وليس الاّ بسبب المسحة الدينية التي ترتديها تلك الاحكام !.
وبرأي ما دامت هذه التطورات الايجابية قد حصلت وتغيرت مفاهيم المجتمع بشكل ايجابي ايضا تجاه المرأة ، وهنالك شعور بان هذه التطورات لن تقف عند هذا الحد ، فالحياة تتطور وتتجدد على الدوام ، لهذا يمكن اعتبار ان الاحكام التي ما زال الايزيديون متمسكون بها اصبحت متخلفة عن وضعنا كثيرا ، وهذا يدعونا جميعا الى بذل الجهد اللازم من اجل وضع قانون جديد للاحوال الشخصية ، بحيث يستند في احكامه الى النظرة الانسانية المتساوية للمرأة والرجل ، وان يراعي ما جاء في الشرعة الدولية والاحكام المقررة لحقوق الانسان الصادرة من الامم المتحدة ، ويرفع الغبن الحاصل علىالمرأة وتكون له القدرة على ان يلبي متطلبات الحاضر والمستقبل وان تساعد المواد والاحكام الواردة فيه ( مضمونه ) على بناء العلاقات الاسرية للايزيدية على اسس صحيحة ومتينة . وان تتصف حلوله لمشاكلها بالعدالة والانصاف ، ويحفزنا في ذلك ان احكامنا القديمة لم تكن سوى انعكاس للنظرة والاحكام العشائرية في ذروة قوتها، ولكن البست في حينها " ثوباً " دينياً .
وتقع هذه المهمة على عاتق الجميع ، وكل من يطمح لتجاوز سلبيات الماضي ، ولكن الجهد الاساسي يجب ان يكون من نصيب المثقفين والمتعلمين والمراكز والجمعيات الثقافية والحركات السياسية الناشئة ، والمرأة الايزيدية على وجه التحديد . وللسادة مسؤولي المجلس الروحاني الاعلى للايزيدية دور هام في مجال التغيير نحو الاحسن اذا ما ارادوا ان يسجلوا لانفسهم مأثرةٍ ما .
ومن المهم على الدوام ان نتذكر الفقرة " 9 " التي اشرنا اليها والتي تقول : ليست التقاليد والمراسيم ديناً ، بل تتبدل وتتعدل حسب الظروف لصالح الامة . وعلى كل ايزيدي ان يتخذ الرشد والانصاف والحق والعدل والرحمة والشهامة ديناً ومذهباً له .