خذلان الحركة النسوية الفلسطينية



نهاد ابو غوش
2023 / 6 / 24

نهاد أبو غوش
منذ عدة سنوات، تتعرض الحركة النسوية الفلسطينية وأطرها ومؤسساتها وحتى ناشطاتها البارزات، لهجوم ضار من قبل القوى الظلامية في فلسطين ردا على مطالبة الحركة النسوية ( والقوى التقدمية والديمقراطية بشكل عام) بإنفاذ اتفاقية مناهضو كل أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باتفاقية سيداو، هذه الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس محمود عباس لكن غنفاذها ومواءمة التشريعات السارية معها تعطل بسبب معارضة قوى محافظة وظلامية. واستخدم هذا الهجوم ذرائع واقعية وأخرى مفبركة ومصطنعة من بينها أن هذه الاتفاقية وبنودها تخالف النصوص الدينية وأحكام الشريعة وبخاصة في مجالات الميراث وسن الزواج والقوامة (ردا على مطلب المساواة)، كما استند الخطاب إلى جهل الجمهور بتفاصيل الاتفاقية من جهة وبتفاصيل القوانين التمييزية التي تجحف بحقوق المرأة لشن هذه الحملة التي وجدت تجاوبا وقبولا حتى لدى أوساط من صلب منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها الوطنية، مع أن الجسم الرئيسي الذي يقف خلف الحملة، والمقصود بذلك حزب التحرير الاسلامي وبخاصة في مدينة الخليل، سخر كل حملته مستعينا بالموقف من سيداو للهجوم على السلطة ومؤسساتها وقياداتها وعلى الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعلى المشروع الوطني بشكل عام.
ركزت هذه الحملة المغرضة على الدين وقيم الشرف والعائلة ، وروجت ادعاءات بأن اتفاقية سيداو تهدف لإباحة الزنا وتشريع العلاقات المثلية وتفكيك الأسرة، وتشجيع العلاقات خارج إطار الزواج، ووصل البعض ببعض أقطاب ما يسمى الحملة الشعبية لمناهضة اتفاقية سيداو الى الادعاء أن اتفاقية سيداو أخطر من النكبة على الشعب الفلسطيني، وخلال هذه الحملة التي لم تتوقف عبر كل وسائل الاعلام التقليدي والحديث، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنشاطات الميدانية عمل أنصار الحملة على انتحال صفة عشائر الخليل وعشائر القدس للهجوم على الحملة، وتمكنوا من تنظيم زيارات للمدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم للتحريض على الاتفاقية ، كما نظموا فعاليات شعبية للتحريض على المؤسسات والجمعيات النسوية بحجة أن جهات أجنبية تحركها، وكان اللافت والغريب هو صمت السلطة ومؤسساتها إلى درجة التواطؤ من بعض الفعاليات، وكأن هذه الأطراف المحافظة والمتزمتة وبعضها مرجعيات دينية وقضائية شرعية رسمية كانت تنتظر هجوم حزب التحرير وانصاره على الاتفاقية لكي تختبئ خلفها.
بدت المعادلة مختلة بشكل فادح لغير صالح المنظمات والأطر النسوية التي ظهرت وحيدة ومعزولة هي وبعض رموزها في مواجهة هذه الحملة الظالمة التي لم تكتف بشيطنة الاتفاقية الدولية وتوقيع الرئيس عليها، بل بالتحريض الفج والصارخ على عدد من رموز الحركة النسوية ووصفهن بانهن سيداويات، والحصيلة المؤسفة لهذه الحملة هي تجميد إنفاذ الاتفاقية التي تحتاج إلى إعادة صياغة التشريعات المعمول بها ومواءمتها مع الاتفاقية، بل صارت عديد التحفظات على الاتفاقية وبنودها تطرح على الملأ من قبل شخصيات رسمية وفصائلية مسؤولة.
كل ما سبق يشير إلى تكالب واتحاد القوى الظلامية في مواجهة الاتفاقية وفي نفس الوقت انفضاض أطراف وأطر وشخصيات وطنية عن الاتفاقية والاحجام عن تأييدها فضلا عن التصدي للقوى الظلامية، كما يشير ذلك إلى ان الأدوات والوسائل الإعلامية والتعبوية التي استخدمت لدعم الاتفاقية وانفاذها إما أنها لم تكن ناجعة وكفؤة أو أن جملة من الأخطاء شابت عملها لكي نصل إلى هذه النتيجة التي تبدو فيها الحركة النسائية وكأنها معزولة عن المجتمع الفلسطيني وقضاياه.
من بين الأسباب التي أدت إلى استعار هذه الهجمة والاستفراد ببعض قيادات الحركة النسوية، تردد الأطر الوطنية وبخاصة حركة فتح التي يعلن بعض مسؤوليها رفضهم للاتفاقية، وهوما يسحب نفسه أيضا على شخصيات وازنة في السلطة وتحديدا في الوزارات التي لها صلة بالدين والمقدسات مثل وزارة الأوقاف ورئاسة القضاء الشرعي، وامتد هذا الخذلان ليشمل حتى قوى تقدمية وديمقراطية تخلت عن مسؤولياتها وواجباتها في تبني قضايا النساء وحقوقهن وتركت هذا الميدان لتقتصر المواجهة فيه على فئة محدودة من الناشطات والإعلاميات الشجاعات.