حقوق المرأة ومزاعِم المُتشددين



زينب علي البحراني
2023 / 6 / 28

مع أن “حقوق المرأة” هي “حقوق الإنسان”؛ إلا أن تلك الحقوق الإنسانية مازالت تُعتبر مما يجب حرمان المرأة منه في البيئات المُجتمعيَّة المُتخلِّفة بمُختلف الذرائع التي لم تعُد مُقنِعة وِفق مقاييس التقدم الإنساني والحضاري في عصرنا الراهن، وإذا كانت تلك الحرب الشعواء التي يُطلقها جزء من نصف المجتمع الآخر المُتمثل بـ “الذكور” ذوي الفكر التقليدي المُتطرِّف ممن يتوهمون أن في نيل المرأة حقوقًا مساوية لحقوقهم الأساسية في الشؤون التي لا علاقة لها بالفوارق البيولوجية قد تبدو حربًا ذات أسباب مفهومة نفسيًا من فئة تتصور أن بِساط “الأفضليَّة” يُسحب من تحت أقدامها حين ينال نصف المُجتمع الأنثوي المكانة التي يستحقها؛ فإنها تكون مُثيرةً للسخرية حين تنطلق ممن وُلِدنَ بأجسادٍ أنثويَّة لكن أنانيتهن ورغبتهن في الاستئثار بمكاسب حُريتهن التي وفرها لهُن الحظ أو الظروف الاستثنائية تجعلهن يُحاربن حقوق المرأة بطريقةٍ عنيفة يبدينَ معها ذكوريَّات أكثر من الذكور!

هناك من يزعمون أن “حقوق المرأة” مُرادف لـ “انفلات المرأة”، وهي مُفارقة عجيبة تجعلنا نتساءل: هل “حقوق الرجل” تعني “انفلات الرجُل”؟ هل تعريف “حقوق الرجُل” بوجهٍ عام يعني تسكعه دون قيود بين أحضان باعة وبائعات الأجساد الرخيصة واستسلامه للفسق والعربدة وتعاطي المُسكِرات والمُخدِّرات؟ إن لم يكُن الأمر كذلك فمن البديهي أن “حقوق النساء” لا علاقة لها بموضوع “الانفلات والانحلال” من قريب أو بعيد!

وليسَ أعجب ممن يأتي ردهم أمام هذا الجدَل بمنتهى السذاجة: “ولكنهُ رجُل!”.. حسنًا؛ وأنا امرأة! ما الفرق؟ الفوارق البيولوجية هُنا لا محل لها من الإعراب مادام لكل منا عينان يرى بهما وفم يتكلم به وأنف يستنشق الأكسجين ويدان يعمل بهما وقدمان يتنقل بهما وعقلٌ يُفكر به، نريد “فوارق جذريَّة” تجعل المرأة تستحق حياة أقرب إلى العيش في حظيرة ماشية موصدة بإحكام بينما يختار الرجل تفاصيل حياته الصغيرة والكبيرة بكرامة؟ هل جُمجمة المرأة خالية من الدماغ بينما جمجمة الرجل بعشرة أدمِغة؟ هل يُخلق الرجل بجناحين يؤهلانه للطيران ذاتيًا حول كوكب الأرض والكواكب المجاورة بينما المرأة من الزواحف؟ هل تم تزويد الرجُل فطريًا بجهازٍ إلهي يعصمه من السهو والخطأ والزلل وارتكاب الرذائل بينما حُرمت المرأة من هذه الهِبة الإلهية لتتلقفها الموبِقات من كل حدبٍ وصوب؟ هل القدرات العقلية للرجُل تؤهله وحدهُ للتلذذ بتناول الكافيار بينما السّمات العقلية للمرأة لا تؤهلها لأكثر من اجترار البرسيم؟

هذا ما يعنيه المُتشددون ضد النساء وإن غلَّفوا مزاعمهم بمزاعم “الخوف على المرأة” و”الاهتمام بحمايتها”، بينما تُخفي نواياهم التوق لنتف ريش المرأة كُليًا بهدف إضعافها ومن ثم استغلالها لمآربهم الشخصية التي لا تعرف وجه طهارةٍ أو فضيلة، إنهم لا يريدون “حماية المرأة” بل يطمعون بـ “تيسير وصولهم إلى المرأة” المُضطهدة حين تحتاج لُقمة العيش فلا تجدها إلا عن طريق بيع ذاتها لشياطينهم بعد أن حرموها حقها في خوض غِمار الحياة الواقعية لاكتساب خبرات حقيقية بنماذج البشر ونيل نصيبها الذي تستحقه من التعليم والتثقيف والعمل الشريف.

كامرأة يُمكنني القول أن إحدى أبرز المُشكلات التي نُعانيها نحن النساء في المُجتمعات العربية هي عدم ترك حُرية القرار بأيدينا في اختيار عمَّا إذا كُنا نرغب بإدارة حياتنا بأنفسها، أو نرغب بتركها بين يدي شخص آخر، أو نديرها مع ترك مساحات للمشاركة والتفاهم والإقناع والاقتناع مع أشخاص نُحبهم ونعتبر وجودهم مهمًا في تلك الحياة، دائمًا هُناك من يُريد التطفل وسرقة هذا النوع من حق الاختيار دون أن نُعلن عن سماحنا بذلك، ومع أن الرجُل ذو العقلية غير النمطية هو الآخر يُعاني من أزمة محاولات التسلط على حُرية خياراته من آخرين لوجود من يعتبرون أنفسهم اوصياء على من هب ودب في المجتمعات غير الواعية؛ لكن يظل التطفل على خيارات الإناث وانتهاك حقوقهن الإنسانية أشد وطأة، وتظل شراسة الهجوم على أي رأي بهذا الشأن تجرؤ امرأة على التعبير عنه أخطر مما تقوى معظم الإناث على تحمُّله، فيخترنَ المُعاناة بصمت على حُرية التعبير خشيةَ تلطيخ سُمعتهن بوصمات عارٍ كاذبة.