في كل الحروب.......المرأة ........هي من يدفع الثمن



فلورنس غزلان
2006 / 11 / 7

رأيتها تتجندل..وتبعتها ..أخرى، هربت صديقاتها في كل اتجاه ..تحمي إحداهن رأسها بيديها، معتقدة أن يدها المسالمة ستدفع عنها رصاصة قناص يترصدها بحقد تاريخي، حملت قناعتها معتقدة أن العدو يحترم الأنوثة، أو يقدر فيها أمومتها، لأن له أما مثلها، لكنها نسيت للحظة، أنه أقام بيته على أنقاض بيتها، وأن رحيلها وموتها يعني وجوده وبقاءه، نسيت أنها بالنسبة له أما تمنح الحياة لمن يحمل موته كقيمة منذ يدب على أرض سموها فلسطين..سموها أرض ميعادهم ، وهاهي تصبح أرضا للموت..
في بيت حانون اليوم، كما في جنين ونابلس البارحة..دمار ويأس وتعاسة ، دماء تراق دون حساب..لأنها أرخص من الماء ، الذي يضخه أولمرت بالقطارة..كان المشهد مريعا، وعودتنا هذه الفلسطين على مفاجآت من نوع نادر، عودتنا على موت سينمائي بجدارة هوليودية، لأن القتلة على ما يبدو يحسبون أن سعفة ذهبية بانتظارهم بعد أن ينجزوا مهمة القتل، وكلما أوغلوا في دماء الفلسطينيين، كلما حازوا على مكافآت المخرجين والمعدين لسيناريو الذبح الفلسطيني.. وأعتقد أن المواطن الفرد في هذه البقعة ـــ التي من المفترض أن تكون أرضاً للسلام والمحبة ـــ واقعاً بين فكي أيديولوجيا مختلفة، تعتبره مجرد أضحية كإسماعيل بن ابراهيم، قربانا لإرضاء رجال السياسة وتنفيذ مآربهم ليتقدموا خطوة في مكاسبهم وينتزعوا موقفا من هذا الجانب أو ذاك.
الفلسطيني الفرد، ضحية صراع سياسي بين أقطاب متنافرة لا تملك سلطة على أرض الواقع، فرؤوس الحكومة معتقلة في سجون المحتل، والصراع مع هذا قائم بفعل السلاح وإشهاره بوجه من يختلف معه، حماس تسعى لتحقيق مكاسب على حساب فتح، وعباس بفتحه يحاول أن يقصي الحكومة ويستبدلها ، لكن أحدا لا يصغي لضعفه وقلة حيلته، وأولمرت وحده السيد والمتصيد ..
حماس ترسل بالشباب للموت، لأنها تمنحهم بركاتها الإيمانية وتعدهم بحياة أفضل عند الله!!..وهي تعلم يقينا أن الموت والحياة سيان عنده، فأي قيمة ستجعله يتشبث بوجوده وأي متعة يعيشها كشاب محصور في أكثر بقاع الأرض كثافة وأكثرها فقرا وعوزا، ماذا عرف من جمال الحياة في ظل احتلال وبؤس وانعدام حرية وكرامة ووجود دون هوية، وحكومة حلم بها كمنقذة وانتخبها لتبعث بقلبه أملاً من نوع مختلف ..افتقده أعواماً طويلة، وهاهو يجدها عاجزة أمام المسؤولية، لكنها تقنعه بأن المسؤول هو العدو فقط ، وكي تكسب السلطة التي اختارها عليه أن يذهب للموت، وماذا يعني موته؟!، وفتح سبقتها بهذه الأولوية والأيديولوجية، لكنها اكتشفت فداحة الثمن وأدركت أن الموت وسياسة الموت كطريق أفضل من الحياة لن تمكنها من النصر على القوة الإسرائيلية فعدلت من موقفها واستراتيجيتها، لكنها بممارستها الخرقاء خسرت مسانديها...
سياسييكم يعلمون جيدا..أنكم أسفل الهرم الاجتماعي..أي بكم تتم المساومة ومن خلال دماءكم يقامرون، لهذا يُجّملون لكم الموت، لأنهم غير قادرين على صناعة شيئ من جمال الحياة أمامكم..صار الموت عندكم هدفاً!! والذهاب إليه هربا من خذلانكم كمن يهرب إلى حلمه...لأن الواقع مزرٍ وفاشل ومحبط..أمهاتكم يقطفن ثمار الموت، بل يساهمن بفعل ثقافته المزروعة ترغيباً وترهيباً..بدفعنكم نحوه، رغم أنهن ثكالى...فيكم كأبناء وأحفاد وأزواج...وضحية بأجسادهن، التي تستخدمونها كذريعة لحفظ شرفكم ، وبنفس الوقت كدريئة ودرع لحماية ضعفكم وقهركم...ستظلي يا امرأة عربية مسلمة ...تقطن الشرق.. قربانا.. ومع هذا تعتقدين بفعل الموروث، أن تاريخنا سيخلدك كعظيمة!!..لكنه تاريخ الذكورة ، وتاريخ العجز السياسي قصير النظر.. تذهبين إلى حتفك من أجل الوطن...نعم الوطن يستحق ذهابك، لو أن فيه نتيجة أو ثمن..الوطن يستحق دماءك...لو أن المعركة متكافئة نوعا ما...لكنك العين وأمامك المخرز..فهل سيواجه جسدك حصار الدبابات وقصف الأباشي والإف 16 ؟..هل سيواجه إيمانك بالموت...هذا القاتل مدعوما بكل قوانين الأرض وقوته؟ في وقت يوعز فيه أولمرت
للجندي الإسرائيلي ، أن موتك وابنك وحفيدك وزوجك الفلسطيني هو ثمن لحياته واستمراره، وعليه أن يحافظ على بقائه بقتلك والاستيلاء على بقعة الأرض التي تمنحك الأمل وتضخ في رئتيك الهواء...يحبب له الحياة ويؤمن له طرق وأساليب القتل والنجاة.
لن تتخلصي من موتك المستمر، ولا من رائحة الموت من حولك، ولن يلمع ألق الحياة في عينيك، إن لم تقولي لابنك ، أن الحياة رغم الفقر غالية وجميلة، وأن الوطن غال وثمين هو الآخر، لكن موتنا لن يقضي على إسرائيل وإنما حكمتنا ووحدتنا...عقلانيتنا واستراتيجيتنا السياسية بعيدة النظر ، والتي تقرأ المرحلة بعين فاحصة ودقيقة تزن المواقع وتحسب الخسائر وتهتم بحياة الإنسان فينا وتعتبرها مقدسة.