موقع المحامية في الانتخابات المهنية



امغار محمد
2023 / 8 / 19

تدرك المجتمعات التقليدية جيدا ان المراة تشكل القنبلة الموقوتة داخلها، ففي اللحظة التي يتغير فيها وعي المراة ,وتصبح قادرة على الرفض والمقاومة، تتزعزع اسس النظام وتتخلخل شرعية سلطته وتتفكك بنيته.
ان القاعدة الاساسية الواجبة الفهم هي انه لايمكن تحرير المراة من خلال العمل النسائي ,والجمعيات النسائية وحدها ,فقضية المراة قضية مجتمعية في صميمها، ولكي تحتل مكانها الصحيح، يجب ان تصبح بالفعل قضية رجالية ,وهنا تكمن الصعوبة الكبرى، فالرجل البطريريكي بطبيعة تنشئته وتكوينه النفسي لا يستطيع تقبل اطروحة التكافؤ مع المراة, وحتى لو اقتع بذلك ذهنيا على صعيد العقل والمصلحة المجتمعية، فمن الصعب عليه ان يترجم تلك القناعة الى حيز الممارسة والعمل.
مناسبة هدا الكلام مرتبط بقراءة في السلوك الانتخابي داخل الجسم المهني للمحاماة بالمغرب, حيث عرفت هيئات المحامين بالمغرب شهر دجنبر الماضي بعد مرور ثلاثة سنوات ,كما هو منصوص عليه في القانون المنظم لمهنة المحاماة ,اجراء الانتخابات لتجديد المؤسسات المهنية .
وبقراءة في الانتخابات من حيث مشاركة المحامين والمحاميات ,والنتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع ,يمكن القول بأن المجتمع المهني للمحاماة ,حاول تجاوز عقلية المجتمع الشامل, من حيث المشاركة على مستوى الجنس في بعض الهيئات, وكرس هده العقلية في هيئات اخرى.
إن الانتخابات المهنية أتبتت بالملموس أن المحامية المغربية ,لا زالت مترددة في المشاركة في تدبير الشأن العام المهني, لاسباب لا داعي لاعادة ذكرها ,لكونها لا تعدو ان تكون تحصيل حاصل لواقع المراة في المجتمع الشامل,
لدلك فمن خلال القراءة الاحصائية للمعطيات ونتائج الانتخابات سوف يتضح للمتتبع ان المجتمع المهني المغربي للمحاماة , يسير بخطى بطيئة من حيث الرغبة في الانتقال من المجتمع التقليدي البتريمونيالي, الى مجتمع الحداثة المرتكز على مسلمات اساسية , وعلى راسها المشاركة في تدبير الشان العام, والمساواة وعدم التمييز كأحد أهم أركان التدبير العقلاني.
وفي هدا الاطار فان عدد الزميلات اللواتي عبرن عن رغبتهن في تولي مناصب المسؤولية من خلال الترشح لم تتعدى 1% من المسجلات في الجدول في أكبر هيئات المحامين بالمغرب اي هيئة الدارالبيضاء وهي نفس النسبة التي عرفتها اغلب الهيئات.
وقد حصلت المحاميات المرشحات على اصوات زملائهن في اغلب الهيئات ,غير ان هده الاصوات لم تكن كافية لظفر بكرسي المسؤولية , لتشكل مجالس الهيئات في الاغلب الاعم من المحامين الذكور, اما المرآة المحامية فقد حضيت بالحضور في مجالس 11 هيئة, في الوقت الذي بقيت مجالس 6 هيئات بدون حضور للمؤنت المهني.
وهكذا حافظت المحامية على مكانها داخل مجلس هيئة الدارالبيضاء بزميلتين هما الاستاذة خديجة بنداود التي تعتبر عميدة المحاميات بالمغرب بحضور لثلاثة مرات كعضوة بالمجلس الى جانب الاستاذة السعدية وضاح ,وبذلك يكون العدد مساوي للعدد الذي كان حاضرا في المجلس السابق والدي كان يتشكل بالإضافة الى عضوية خديجة بنداود من عضوية الاستاذة فاطمة مدرك اول مرشحة لمنصب النقيب بهيئة الدارالبيضاء .
أما هيئة فاس وطنجة فقد عرفت نسب غير مسبوقة بفوز ثلاث زميلات بمقاعد المجلس في كل هيئة, وهن الاستاذة فوزية الاطلسي ,والاستاذة فاطمة جعفري, والاستاذة كريمة برودي بفاس. و الاستاذة الزهرة الحياني ,والاستاذة سعاد الشطبي, والاستاذة سميرة محيوتن بطنجة.
هدا في الوقت الذي عرفت فيه هيئة مكناس و جارتها هيئة تازة حضور زميلتان بالمجلس, هما الاستاذة جميلة الحلواط ,والاستاذة فاطمة العثماني, بتازة والاستاذة فتيحة مقنع , والاستاذة زكية زاهير بمكناس.
اما بهيئة النخيل فقد حافظ الجنس اللطيف المهني بمقعده الوحيد بمجلس هيئة المحامين بمراكش, لتحل الاستاذة مليكة بلقزيز الممارسة بورزازات ,محل زميلتها في المجلس السابق الاستاذة فاطمة الرباحي.
هدا في الوقت الذي عرف فيه مجلس هيئة المحامين بالجديدة صعود محامية واحدة ,هي الاستاذة نادية نوعم, نفس الشيء بالنسبة لمجلس هيئة المحامين باكادير الذي كان يتكون سابقا من المحامين فقط ليعرف مجلس النقيبة ماجدولين لوكاس صعود الزميلة الاستاذة مريم جدير.
نفس الشيء بالنسبة لمجلس هيئة القنيطرة الدي عرف حضور الاستاذة امينة المنيعي لتحل محل زميلتها في المجالس السابقة التي ترشحت لمنصب النقيب الاستاذة نزهة العلوي.
اما مجلس هيئة المحامين بتطوان فقدعرف صعود الاستاذة عواطف اولاد عبدالله ونفس الشيء بالنسبة لمجلس هيئة بني ملال ,الذي عرف صعود الاستاذة السعدية الصافي، هذا في الوقت الذي عرفت فيه مجالس هيئات الرباط ,واسفي ,وسطات وخريبكة, ووجدة, والناظور غياب كلي للمحاميات ،
وقد عرفت مجالس هيئات الرباط, و وجدة, واسفي تراجعا للحضور النسوي الذي كان حاضرا في المجالس السابقة لهده الهيئات في شخص كل من الاستاذة فاطمة بنعزة بهيئة وجدة ,والاستاذة جليلة اشويدة بالنسبة لهيئة اسفي ,والاستاذة فطومة قدامة والاستاذة ايطو اعطار بالنسبة لهيئة الرباط .
ومن خلال احصاء عدد الزميلات في مختلف مجالس هيئات المحامين بالمغرب نجد ان العدد هو 18 زميلة من اصل 236 عدد المقاعد التي تتشكل منها هده المجالس, مما يؤكد ان المحاميات يشكلن الآن 7،11% من اعضاء مجالس الهيئات ,عكس الفترة السابقة التي لم يتجاوز عدد المحاميات 7 بمجالس كل من مراكش, و اسفي , والدارالبيضاء ،و الرباط ,و وجدة وبنسبة 2،96 %.
الملاحظ ان المحاميات اللواتي حصلن على ثقة الكتلة الناخبة لعضوية المجالس نجد ان 9 منهن تتجاوز اقدميتهن المهنية 20 سنة و 9 محاميات الاخريات فان اقدميتهن لاتتجاوز 20 سنة .
وادا كان الحضور النسوي في المجالس قد عرف صعود ملحوظ كما هو واضح من النسب المشار اليها فان الرغبة في المشاركة في تدبير الشان العام المهني تبقى دون مستوى التطلعات ويتضح دلك بشكل جلي من خلال مؤشرين :
اولهما عزوف المرأة المحامية عن الترشح.
وثانيهما انعدام التكتل النسوي الايجابي المؤدي الى الحصول على المقاعد بمجالس الهيئات.
إن القراءة المتأنية لسلوك المحامية إبان الانتخابات المهنية , توضح بالملموس تكريس ثقافة التبعية والابتعاد عن الرغبة في تحمل المسؤولية من جهة, وانعدام التكتل المنتج للتغيير لدى المحاميات من جهة أخرى، ودلك على الرغم من ان قوانين المهنة وأعرافها لا تميز بين الرجل والمرأة في الشروط المطلوبة لتولي المسؤولية في مؤسسات المهنة.
والملاحظ ان من بين المحاميات الفائزات بثقة الكتلة الناخبة, محاميات اعضاء المجلس الاداري لمنتدى المحامية المغربية , المشكل بناء على التوصيات الصادر عن المؤتمر العام السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد باكادير, ويشكل المنتدى اداة ومحاولة لمأسسة الحضور النسوي داخل الاجهزة المسيرة لهيئات المحامين بالمغرب, ويهدف لضمان ممارسة المحامية لحقها في المشاركة المتوازنة مع زملائها المحامين في تدبير الشأن المهني ,وذلك في أفق المناصفة من منظور المؤسسين, كما يهدف الى ابراز قدرات المحامية الفكرية والابداعية والتواصلية، لكن التجربة اتبتت ان من اصل 28 عضوة من عضوات المجلس الاداري لمنتدى المحامية المغربية, لم تتمكن من البقاء او الوصول الى عضوية مجالس الهيئات ,الا ثلاث زميلات وهن الاستاذة خديجة بنداود من هيئة الدارالبيضاء, والاستاذة مريم جدير من هيئة اكادير, والاستاذة مقنع فتيحة من هيئة مكناس.
ان صعود الحضور النسوي داخل مجالس الهيئات يدفعنا الى التساؤل عن رغبة الجسم المهني في استبطان قيم الحداثة, والخروج من المجتمع التقليدي ,القائم على العقلية الذكورية من جهة ,ورغبة المحامية نفسها في المساهمة في تدبير الشأن العام المهني إسوة بزميلها المحامي من جهة اخرى.
الدارالبيضاء في 31/01/2015
د محمد امغار