ورش تعديل مدونة الأسرة في المغرب وإكراهات الحداثة والتقليد



لحسن ايت الفقيه
2023 / 10 / 6

تشكل المرأة، بما هي قضية أساسية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، عبئا ثقيلا على كاهل الدولة المغربية. ذلك أن الانتقال الديموقراطي في المغرب، رغم ثلة من المبادرات الإصلاحية لا يزال محجوزا لتعذر تعميق النظر في المسألة الدينية، التي تحفف بعض قضايا المجتمع والأسرة. وقبل عقدين من الزمان انتقل وضع المرأة من تنظير المفتي ضمن متن «مدونة الأحوال الشخصية» إلى قانون وضعي قابل للنقاش والتعديل. ومع حصول بعض التطورات في المجتمع بفعل دينامية المجتمع المدني طفا على السطح وجوب إصلاح المدونة. ولقد فتح ورش للغاية يوم السبت الآخر من شهر شتنبر من العام 2023، وسيفتح المراء في الموضوع، وكلنا ينتظر النتيجة، بعد توتر الأفكار بين الحداثة والتقليد، والتي يلتهم فيها التقليدي الحداثي، إلا إذا حصل أمر ما مفاجئ. ودرءا لأي ظن سيء أو تهمة تشويش على الورش فإن الكلام في الموضوع أحسبه في الحال سابقا لأوانه. سأكتفي بما قيل في الصحف في انتظار النتيجة.
تطرقت الصحف المغربية، والمواقع الإليكترونية، يوم الثلاثاء 03 من شهر أكتوبر من العام 2023 إلى مدونة الأسرة، إن هي إلا قانونا انتقل من سفر الفقيه باسم «مدونة الأسرة» إلى قانون وضعي قابل للنقاش والتعديل، ينظم العلاقات الأسرية والزواجية. وبد مضي عقدين من الزمان تقريبا، كان التفكير في مدونة الأسرة. ومنهل الخبر الرسالة الملكية الموجهة إلى السيد رئيس الحكومة التي تؤكد على «ضرورة ملاءمة مقتضيات المدونة مع تطور المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة وانسجامها مع التقدم الحاصل في التشريعات الوطنية»، كتب جريدة الحركة لسان أحد أحزاب اليمين. والغاية من الرسالة إجراء تعديلات أملا في «تجاوز بعض العيوب والاختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي»، منذ صدورها بسمة قانون سنة 2004 فكان وجوب «فتح النقاش من لدن لجنة مكونة من رئاسة الحكومة والنيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان»، تضيف الجريدة المذكورة. ودون الاسترسال في ثنايا الرسالة المذكورة، فإعادة النظر في مدونة لم تحقق بعد قطيعة مع التصور الديني للمرأة، واعتماد المرجعية الحقوقية المحضة، لازم لحظته، وسيتكرر التعديل والملاءمة، مادام فصل المدونة عن المرجعية الدينية متعذر ساعته. صحيح أن للفعل أسبابه، لما شهد المغرب مسلسل المراجعة لثلة من القوانين، لكن تعديل المدونة التي تحففها خطوط حمراء لن يستقيم على قرار. ولئن ساهمت المدونة «وبشكل كبير في تغيير مجموعة من المعتقدات التقليدية وخلخلة النظرة النمطية من المرأة في المجتمع»، كما أشارت إلى ذلك جريدة العلم، و«ساهمت أيضا في ازدياد نسب التعلم وإنتاجية الحركة داخل المجتمع» فإن عدة انتقادات تحفف تقارير المغرب الدورية المرفوعة إلى الأمم المتحدة على خلفية تصديق المغرب لاتفاقية «سيداو». إن شأن المرأة في المغرب سجين منظومتين لكل واحدة منهما أنصارها، منظومة حقوق الإنسان ومرجعية الدين الإسلامي ذلك أن «لاستحضار مقاصد الشريعة وخصوصيات المغاربة» معناه تقوية الثقافي ليلتهم الحداثي والحقوقي. ويبقى الاجتهاد والتشاور اللذان سطرتهما جريدة النهار المغربية بخط سميك ضمن المؤشرات المشجعة، خصوصا وأن في الرسالة الملكية إشارة إلى فتح الحوار مع المؤسسات والجمعيات «المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة»، تسطر جريدة النهار المغربية.
وواجه حدث مراجعة مدونة الأسرة سخرية مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع موقع هسبريس لينتقدها ويسجل الخطورة «التي يهدد بها هؤلاء الرقميون تماسك البلاد». وإن هؤلاء يوقدون النار «نار التفرقة والحقد والكراهية، إذ لا واحدا أو واحدة من هؤلاء الرقميين حاول أن يقدم رأيا بناء حول الموضوع بالتأييد أو بالرفض». وصورت كاتبة المقال المنشور في هسبريس الرقميين بأن لا أحد منهم أثبت «انخراطا إيجابيا في النقاش العمومي حول قضية من صميم وجود المغاربة على خارطة هذه الأرض». وحسبت صاحبة المقال حملة مواقع التواصل الاجتماعي تشويشا «على ورش حقوقي كبير يهم إصلاح قوانين الأسرة». ولا غرو، «فالنقاش الدائر حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي مفتعل ويروج معطيات لا أساس لها من الصحة». ويبدو أن من هؤلاء «من هم مجندون لجهات ما لعل أبرزها، كما بدأ ينكشف حاليا، هم فئات متعددة من السلفيين». إذن، فالورش الذي تشتغل فيه الحكومة المغربية بين جاذبيتين، جاذبية سلفية تعارض الحداثة وحقوق الإنسان وجاذبية مكونة من المستنيرين، وإن كانوا لم يتخلوا عن اللباس التقليدي، كما هو حال المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فهم يزينون الواجهة بشعارات الحكامة والحداثة وحقوق الإنسان.
وبالفعل فالكلام سابق لأوانه فقد انعقد يوم السبت بالرباط في إطار ورش تعديل مدونة الأسرة ومراجعتها اجتماع في إطار المنهجية الممكن اعتمادها أملا «في المزاوجة بين مركزية الأبعاد القانونية والقضائية للموضوع مع زوايا النظر الشرعية والحقوقية، أو المتعلقة بالسياسات العمومية في مجال الأسرة، بوصفها الخلية الأساسية للمجتمع وهو ما سيتيح الإحاطة بالجوانب والرهانات المرتبطة بورش تعديل المدونة، بشكل يحقق ملاءمة مضامينها مع التطورات المجتمعية، والتقدم الحاصل في التشريع الوطني»، يقول موقع الأخبار. وتبقى المزاوجة المذكورة عين الإشكالية التي يواجهها ورش التعديل.
وانخرطت الحركات النسائية بالنقاش في ورش التعديل حيث انتفدت منظمة النساء الاتحاديات تشويش «مواقع إعلامية وبعض نشطاء منصات التواص الاجتماعي» التي لم تنتظر «ما ستتوصل إليه الحكومة من مقترحات بشأن تعديل مدونة الأسرة»، حيث ظهرت «المنشورات الكاذبة وتنظيم حملات ضد تعديلات مدونة الأسرة المرتقبة». لم ينتظر هؤلاء مضي مهلة ستة أشهر المخصصة لكافة المتدخلين «لوضع مقترحاتهم بشكل مشترك». «منشورات وأخبار كاذبة وحملات ضد التعديلات المرتقبة للمدونة عجت بها مواق التواصل الاجتماعي مما دفع منظمة النساء الاتحاديات للتعبير عن استيائها واستغرابها منها معتبرة ذلك تشويشا لا مبرر له لورش وطني مستعجل يهم واحدة من أهم اللبنات الاجتماعية المتمثلة في الأسرة»، عن جريدة الاتحاد الاشتراكي.
واستنكر الحملة ضد تعديل مدونة الأسرة الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إذ «أدانت هذه الخطوة معتبرة أنها حملة تدار من لدن «مدونين معروفين بالتفاهة» وبث الأخبار الكاذبة التي تسيء إلى هذه المحطة المهمة في مسار بلدنا وفي مسار حقوق المرأة والأسرة»، عن موقع أحداث أنفو.
ولو أن الكلام سابق لأوانه، فقد ظهرت مطالب تجب تجريم زواج القاصرات. «ولقد عبرت العديد من المنظمات الحقوقية، لاسيما تلك المدافعة عن الطفل» عن ارتياحها لقرار تعديل مدونة الأسرة. ذلك أن المدونة «تسمح للفتى أو الفتاة بالزواج دون سن الأهلية، حسب المادة 20 الأمر الذي دفع الجمعيات الحقوقية بتوجيه دعوة إلى وزارة العدل بإزالتها نهائيا»، الجريدة 24. ولا ينبغي أن تغيب السيدة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن الجدل، لأنها جذلت بهذا التعديل مؤكدة «أهمية خصوصية المقاربة المغربية في الإصلاحات الهيكلية، ومن ضمنها الإصلاح المتعلق بمدونة الأسرة»، موقع العرائش نيوز. وتقوم المقاربة، في نظرها، على «التشاور والاستماع والتفكير المشترك»، المرجع المذكور.
ذلك ما تمكنا من اقتباسه من الصحف المغربية والمواقع الإليكترونية يوم الثلاثاء 03 من شهر أكتوبر من العام 2023، وهي مجرد أخبار تبطن حقيقة واحدة إشكالية التوفيق بين المرجعية التقليدية وما يأمل المغرب تحقيقه في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان.