الطريق إلى السعادة الزوجية



سحر حويجة
2006 / 11 / 15

السعادة ليست وصفة جاهزة ، يمكن الإرشاد لها لتحقيق السعادة الزوجية، هناك شروط وأسباب متعددة، ومعقدة، منها الشخصية ومنها الاجتماعية، إضافة للعوامل الثقافية والاقتصادية، والقانون السائد، تساهم كل منها في درجة وأخرى، إلى فشل العلاقة الزوجية أو نجاحها، لكن هناك مبادئ عامة ، وأخرى شخصية يمكن الوقوف عندها لدورها الهام والمحدد.
تلعب طريقة اختيار الزوجين لبعضهما البعض، دوراً أساسياً في بناء أسس السعادة الزوجية، يوجد شكلين أساسيين من الاختيار، الشكل الأول يخضع لمعايير اجتماعية تقليدية بحتة ، تحددها التقاليد والعادات السائدة ، هو نموذج الأسرة التقليدية واسعة الانتشار في مجتمعاتنا ، حيث يتدخل المجتمع والأسرة إلى حد كبير قبل الزواج وبعده في حياة الطرفين. هذه الأسرة تبنى وفق نمط من المفاهيم والمعايير محددة سلفاً ويخضع لها الزوجين، فهي أسرة نمطية، تقوم على التمييز وعلى تباين الأدوار ، بين الرجل والمرأة يكون فيها دور المرأة سلبي ، فهي المطيعة لزوجها ، تقوم بمهام خدمة الزوج والأطفال ، وأعمال التنظيف والطبخ، وتسعى إلى الوصول إلى قلب زوجها بأدائها لهذه المهام على أكمل وجه، أعمال مرهقة تستهلك وقت المرأة ، لكن المرأة تقوم بها وكأنها جزء من الأعمال الشاقة التي تحكم بها المرأة دون أي مقابل، سوى المقابل الذي يقرره الرجل .
الدور الإيجابي للرجل على أنه هو من يقرر مصير السعادة في هذه الأسرة، فهو صاحب الأمر والنهي. وتلبية مطالب الأسرة الاقتصادية، علاقة المرأة بالرجل تقوم على مبدأ التبعية التامة، وتنفيذ أوامر الزوج بدون تفكير. من حيث الشكل تبدو السعادة قائمة، وطريق الانفكاك صعب، والخلافات تبدو محدودة في هذه الأسرة ، وقابلة للحل ، ليس الزوجين من يحدد معنى السعادة. بل هي نموذج محدداً سلفاً ، هذا ما نسميه نموذج الأسرة التقليدية، هذه الأسرة استمرت قرون عديدة ومازالت، تعطي طابع استقرار العائلة في المجتمع العربي، وطابع الحميمية الذي يفخر العرب به. مع إنه نادراً ما يعرف الطرفين الحب، خاصة المرأة، لأنها لا تعرف قيمة لنفسها أو لجسدها أو لرغباتها، ليس لها مطالب خاصة . هكذا نجد إن السعادة تتحقق بين الزوجين لأسباب خارجة عن الحب، بل متممة له الأطفال ونجاحهم، حالة الزوج الاقتصادية. في هذه الأسرة المرأة لا تعير بالاً واهتماماً لخيانة زوجها وحتى زواجه من أخرى. المهم أنه يلبي حاجات الأسرة، يقوم هذا النموذج على الاضطهاد الأسري والعنف، وهذا من أهم أسباب غياب الاحترام و الحب، لأن لا حب، ولا احترام مع الاضطهاد .
تتحمل المرأة كل صنوف الاضطهاد لأنها لا تقبل على نفسها وضع امرأة مطلقة، حيث ستحارب من قبل المجتمع والأهل والمقربين وتصبح لقمة سائغة تتناولها الألسن، وهي أضعف من أن تواجه المجتمع والعائلة. وحتى ذاتها. هنا يسيطر الوعي الذكوري بأقوى أشكاله على الطرفين، على حد سواء الرجل والمرأة.
أخذ دور النموذج التقليدي للأسرة في التراجع، أمام التطور الاقتصادي الاجتماعي، ومشاركة المرأة في الحياة العامة الاقتصادية والسياسية، التي كانت محرمة عليها سابقاً وانعكاس ذلك على وعيها لذاتها، وعلت الأصوات التي تطالب بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل أمام القانون، والمساواة في الحقوق والواجبات، ساهم الضغط الاقتصادي على الأسرة والحاجة لدخل إضافي، لدفع الرجل في البحث عن المرأة العاملة، كشريك للزوج في تحمل أعباء الأسرة. نشأت إلى جانب الأسرة التقليدية أسرة مختلفة، تقوم على مبدأ الشراكة التي لا تستقيم بدون التفاهم والمساواة، برزت عائلة مختلفة لكن ليست جديدة حيث مازالت التقاليد والعادات تلعب دوراً أساسياً في حياة الأسرة، سواء في تحديد أسس العلاقة الزوجية، أو سير هذه العلاقة، وبقيت القوانين متخلفة عن الحياة التي نعيشها، بل نرى حالة ازدياد أعباء المرأة فهي التي تقوم بالإضافة لعملها في الخارج، بجميع الأعباء التي تقع على عاتقها بحكم العادات، من تربية الأولاد إلى أعمال التنظيف والطبخ، تغيرت الأدوار لكن التقاليد مازالت جاثمة تشعر المرأة بعبئها، ويشير إلى تناقض يولد خلل اجتماعي وثقافي أشكال من الدفاع عن الوعي الذكوري من أجل الحفاظ عليه، كثيراً من العلاقات في هذه الأسر تقوم على الحب قبل الزواج، لكن التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والتناقض بين السلوك العملي والنظري، اضطهاد الرجل للمرأة ، يحيل الحب والتفاهم إلى صراع، يساهم في تفكيك الأسرة والتباعد بين الزوجين، ويساهم في إطفاء شعلة الحب بينهما.
تعيش الأسرة العربية تناقضاتها، القانونية والاجتماعية، ناهيك عن تأثير العامل الاقتصادي الذي كثيراً ما يضعف روابط الأسرة ويحيلها إلى جحيم بين متطلبات العائلة والإمكانيات المحدودة، وتبدو الأسرة مهددة . أصبح الطلاق ظاهرة واسعة الانتشار في المجتمع العربي، منه الطلاق التعسفي بحق المرأة.

الحب والاختيار الشخصي ، والتفاهم ، من الشروط الهامة لتحقيق شراكه حقيقية تفرضها متطلبات الحياة والعصر، في سبيل نجاح العلاقة الزوجية ، ولتذليل العقبات ، وتحمل الظروف التي تواجه حياة الأسرة.
يساهم النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد دوراً كبيراً في كيان الأسرة العربية ، لأن الأسرة هي نواة إنتاج المجتمع، فكلما كانت الحياة الأسرية قائمة على الهرمية والتبعية والتمييز القانوني والاجتماعي ، والاضطهاد، ساهمت في الحفاظ على نموذج الأنظمة الاستبدادية، وكلما كانت الأسس التي تقوم عليها الأسرة مبنية على الشراكة والمساواة والثقة، تساهم في إنتاج نظام جديد. يقوم على الديمقراطية ، والشراكة.
سحر حويجة