مجتمع إسلامي أم مجتمع ذكوري؟؟؟



ناهد بدوي
2006 / 11 / 15

لا يحق لي وأنا العابرة في أوروبا أن أحكم على حارات العرب فيها، ومع ذلك وربما لأن عين العابر أحيانا تلتقط مالا يلتقطه المغموس في الصورة سأحكي لكم عن زيارتي لإحدى حارات العرب في باريس.
عندما دخلت حارة العرب في باريس لأول مرة بعد خمسة أشهر، تذكرت بلادي فورا ورغم اشتياقي لبلادي إلا أنني لم أكن سعيدة بهذه الذكرى. لأني تذكرت الوجه المزعج والقبيح منها والذي اكرهه كامرأة. ففي زوايا الشوارع كانت تقف شلل من الشباب المتسكع الذين يتابعون الفتيات بالنظرات والكلمات بالطريقة نفسها التي تذكرني بتلك البلاد. في المقاهي رأيت شللا كثيرة مقتصرة على الذكور فقط. في بلادنا هذه المظاهر مألوفة إلى درجة أننا لا نراها، ولكنها تستفز العين فعلا بعد انقطاع كامل عنها حتى ولو كان خمسة شهور فقط.
لاحقتني الأسئلة أثناء توغلي في هذه الحارات، هل هذا مجتمع إسلامي أم مجتمع ذكوري؟. هل علة مجتمعاتنا هي سيطرة الثقافة الذكورية ولكنها تظهر باللباس الديني الإسلامي جاعلة من الدين الإسلامي غطاءا ايدلويوجيا مقنعا؟ بعبارة أخرى هل جرى تكييف الدين الإسلامي من أجل أن يلعب وظيفة الدفاع عن الثقافة الذكورية السائدة؟ ومن أجل أن لا تتزعزع مواقع الذكور عندنا تحت ضربات الحداثة وبدعة حقوق المرأة؟.
من جهة أخرى هل يكفي أن نحلل هذه التجمعات بناء على التحليل الاقتصادي الاجتماعي وتحليل مافعله المجتمع الفرنسي بهم من التهميش والإقصاء، ونقد الممر النخبوي الضيق جدا للصعود الاجتماعي في هذا المجتمع؟. مع أن كل هذا صحيح ويتحمله المجتمع الفرنسي فعلا. أعتقد أنه كما يتوجب على الأمة الفرنسية أن تشتغل أكثر على العقلية الاستعمارية التي قصرت فعلا في الاشتغال عليها كي تتخلص منها، وكما نجحت الأمة الألمانية بالاشتغال على نفسها كي تنزع النازية من أحشائها، يقع على عاتق المثقفين العرب أبناء هذه التجمعات وأبناء أمتنا أن يشتغلوا على عيوبها حتى يتم تجاوزها، وهنا يعنيني تحليل العامل الثقافي المتعلق بالثقافة الذكورية بكل جرأة نقدية وشفافية كي يقطع الطريق على ردود الفعل العنصرية والتي تتزايد باطراد. وأعتقد أيضا أن النقد الذاتي والموضوعي يقوم بدور تنويري في هذه التجمعات وفي نفس الوقت يزيد من احترام المجتمع بها كونها تبذل جهدا معرفيا وثقافيا لتجاوز بعض من مشاكلها المتعلقة بها.
لاحقتني الأسئلة وخفت من الملاحقة أيضا! وأنا أتذكر تحذير الأصدقاء من النشل والتحرش وخطف الحقائب في هذه الحارات بالذات. والغريب أنهم يتحدثون في نفس الوقت عن تزايد موجة التدين في هذه التجمعات، الغرابة تكمن في أن النتيجة المنطقية لهذه الموجة كان يجب أن تجعل من هذه الأحياء نموذجا للأمان وملجأ لمن ينشد الهدوء والسكينة باعتبارها أحياء الورعين. لكن يبدو أن الذي يحصل هو على العكس تماما وأن التدين ظهر على المرأة فقط. والرجل الذي يسرق أو يتاجر بالمخدرات أو يتعاطاها والذي يتحرش بالنساء، وباعتبار أنه يعتقد أن شرفه يقع خارجه، يطلب من أخته وزوجته الانكفاء وارتداء الحجاب. والمرأة لا تجرؤ على السير في هذه الحارات بوقت متأخر لأنها ستتعرض للتحرش والتحرش سمة ملازمة لمجتمعاتنا الذكورية تستند إلى قناعة عميقة بأن المرأة كائن يمكن استباحته متى يشاء الذكر. تلك السمة التي نغصت وتنغص علينا حياتنا نحن النساء اللواتي نشأن في تلك المجتمعات.
وتذكرت الكثير من الدلائل على أن إحدى مشاكلنا الهامة هي الثقافة الذكورية، أبرز مثال على ذلك مسألة التعامل مع الميراث في بلادنا، فالأكثرية الساحقة من العائلات من كافة الأديان والطوائف عندنا تحاول حرمان المرأة من الميراث بشكل كامل. ويتلاعبون بشتى الوسائل على الدين الإسلامي وعلى القانون كي لا ترث المرأة أبدا. وتذكرت الكثير من القصص الدينية التي تحكي عن وجود المرأة بجانب الرجل في فجر الإسلام. وتذكرت الكثير من القصص عن الإسلام المتسم بالانفتاح والعلم في الأندلس. وتذكرت الكثير من القصص عن المجتمعات الذكورية في عصور الانحطاط وتعليمات فقهاء تلك العصور التي كيفت الدين الإسلامي معها. وتذكرت تنويعات الإسلام في إيران وأفغانستان والسعودية والمشرق العربي وماليزيا وتركيا، وكيف يختلف تعريف التدين باختلاف العصور والظروف.
وبما أني لا أدعي الفقه في الإسلام فاني أدعو الفقهاء الإسلاميين المتنورين إلى دراسة علاقة الثقافة الذكورية مع مختلف أشكال التدين الرائجة وعلاقة كل ذلك بالدين الإسلامي. وكذلك بما أنني لا أدعي الفقه في علم اجتماع مجتمعات الهجرة فاني أدعو مثقفي هذه المجتمعات إلى لعب دور تنويري نقدي للثقافة الذكورية وعدم الخوف من الاستثمار العنصري لهذا النقد وذلك لأن استثمار الوقائع والظواهر والممارسات بحد ذاتها قائم بشكل مسبق وحاد.