النسوية البيئية ما بين دمار الطبيعة والاضطهاد الاجتماعي



نساء الانتفاضة
2023 / 11 / 15

ها نحن اشرفنا على اعتاب الكارثة البيئية التي اخذت تهدد كوكب الأرض بسبب الحروب وما يرافقها من ازدياد في اثار التغيرات المناخية وتأزم تجلياته البيئية والاقتصادية على الانسان والطبيعة، من احتباس حراري وتلوث بيئي وحرائق وفيضانات وانبعاث الغازات السامة نتيجة احتراق الوقود من المصانع والمعامل والمؤسسات المنتجة، مثلها كجميع المشاكل الاخرى متعلقة بالنظام؛ اي يعود سبب ذلك الى طبيعة النظام الرأسمالي الذي اخذ يدمر كل شيء حوله من اجل تحقيق غاياته النفعية وكذلك محاولة ابعاد النظام البيئي عن محتواه السياسي. فهو يعامل الأرض باستحقار وفوقية كما يعامل الانسان بشكل عام؛ والنساء بشكل خاص، حيث يضع قيم التنافس والاستغلال والصراعات والعدوان، وليس التشارك والتعاون وتبادل المنافع.
فعندما تستغل السياسات والأنظمة الرأسمالية اليد العاملة وتحديدا اليد العاملة النسائية في الأراضي الزراعية يقع ذلك في صلب العمل النسوي والمفهوم الجندري للحقوق والرؤية الاشمل للبيئة والأرض، حيث ان توزيع السلطة الهرمية وتملك الانسان للأراضي وعمله على استخراج مواردها جميعها أدوات استخدمها النظام للهيمنة على النساء والارض واستغلالهما أبشع الاستغلال فيتم معاملتهما كشيئين منتجين. حيث النساء تنتج النوع، والأرض تنتج الثمار مما يعني استنزاف الطاقات والموارد الطبيعية من اجل كسب المزيد من الأرباح وجني الثروات على حساب أرواح النساء واجسادهن وعملهن وسلامة الأرض وتنوعها وتماسكها.
وهذا الذي تهتم به وتشخصه النسوية البيئية الاشتراكية فهي تنظر الى تقاطع القضايا مع اخذ الاعتبار للتجارب والحياة اليومية وعلاقاتنا مع أنفسنا وببعضنا ومع كل من حولنا من الأرض والبيئة وحتى الفضاء الى جانب نقد الانظمة السياسية والاقتصادية والتي لم تحدث بمعزل عن بعضها البعض، حيث توجد علاقة بين الطبيعة ووضع النساء في ظل الأنظمة الرأسمالية البطريركية من حيث العنف والاستغلال، كنتيجة للنظام الهرمي. اذ اثبتت عدة تقارير علمية بأن التغييرات المناخية تؤثر بشكل كبير على النساء وصحة اجسادهن عند الارتفاع العالي لدرجات الحرارة وتؤكد الاحصائيات والتقارير الأممية على ان ما يقارب الــ 80% من الأشخاص النازحين والمهجرين بسبب التغيرات المناخية هم من النساء. ووفقا للدراسات أيضا بان هؤلاء النساء يتعرضن بشكل مباشر الى الاعتداء الجنسي والتعنيف في ظل غياب الحمايات القانونية.
تدعو النسوية البيئية الى نظام يرتقي لحياة يعيد النظر فيها لموقع الانسان او إيجاد بدائل للثقافة الحالية. وهذا ما تسميه فاندانا شيفا وماريا ميس بالانزياح البيئي: "ينطوي الانزياح البيئي على ألا نرى أنفسنا كغرباء بعد الآن عن الشبكة الحياتية الإيكولوجية، ولا كحكام ومالكين ومحتلين لموارد الأرض الطبيعية، بل كأعضاء في العائلة الأرضية، ومسؤولين حيال الأنواع الأخرى والحياة بكل تنوّعها، من أصغر الميكروبات إلى أكبر الثدييات. مما يفرض العيش والإنتاج والاستهلاك ضمن الحدود الإيكولوجية وضمن حصتنا من المساحة الإيكولوجية، من دون التعدّي على حقوق الأنواع الأخرى والبشر الآخرين" وبعبارة أخرى، يمكننا القول بأن تحقيق المساواة بين الافراد وتوزيع الموارد والغذاء بشكل عادل والحد من الحروب والأسلحة القاتلة والملوثة للنهوض بالواقع البيئي ومستقبل المجتمع، سمات لا يمكن ان تتحقق الا تحت نظام اشتراكي يقضي على الملكية الخاصة التي تسببت بتغييرات مدمرة للبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد.

أسيل سامي