كفة ترجح دائما !!



أمل زاهد
2006 / 11 / 19

يختل توازن العلاقات الاجتماعية في المجتمعات السلطوية ، فترجح دائما كفة من بيده السلطة على ذلك الذي تقع عليه سلطته ، وينتج عن ذلك علاقات اجتماعية غير سوية يحكمها القمع والاستلاب ، ويتكون طرفاها من قامع ومقموع وآمر ومأمور ولا توجد منطقة وسطى نستطيع أن نلمس فيها تساوي كفتي الميزان . ويبدأ ذلك عند قمة الهرم السلطوي لينتهي عند سفحه ، ليجد الفرد نفسه لا شعوريا ينزلق داخل سلسلة ينسحب ويندفع في حلقاتها ليهبط فيها تارة فيصبح مقموعا ويرتفع أخرى فيضحي قامعا لمن يقع تحت قبضة سلطته .. سلسلة يقمع فيها أفراد المجتمع بعضهم البعض، و يستلبون داخل حلقاتها حقوق من يوقعه سوء حظه في الموقع الأدنى من الهرم السلطوي. وفيها أيضا يتبادل أطراف العلاقات الأدوار التي يحاول فيها كل منهم التنفيس عن المشاعر المحتقنة والمشتعلة داخل نفسه ، والناتجة عن القمع والاستلاب وفلسفة المطالبة بحقوق الفرد مع تجاهل حقوق الطرف الآخر من العلاقة ، مع أنه يفترض في أية علاقة أن تكون من أبرز صفاتها التبادل فلكل فرد حقوق كما أن عليه واجبات ، وحصوله على حقوقه هي الثمرة التي يجنيها عند قيامه بآداء واجباته .
فالسلطة السياسية تقمع المواطنين والمدير يقمع الموظفين، والمعلم يقمع التلاميذ، والرجل يقمع المرأة والأبناء، والمرأة تقمع الأطفال وغالبا ما يمتد نفوذها السلطوي إلى الخادمة والسائق، والأخ الأكبر يقمع من هو أصغر منه وهكذا دواليك. فيحاول الفرد أن يقبض على أية مساحة قد تمكنه من إخراج مكنونات نفسه والتعبير عما يعتمل في دواخله من غضب مكبوت ، فينتهز فرصة تواجده فوق أي بساط سلطوي ليمارس هو بدوره ما يُمارس عليه وما يجثم على أنفاسه . والدارس لأحوال المجتمعات السلطوية يستطيع أن يلحظ عدم توازن علاقاتها أو بالأحرى عدم وجود علاقات سوية فيها. ففي ظل هذه الأجواء الخانقة من الاستلاب يتم إعدام لغة الحوار وشنق مساحات التفاهم وتبادل الآراء على مقاصل أحادية الرؤية، ويبادر الفرد إلى إشهار السلاح الأمضى والأكثر فاعلية وهو سلاح الحقوق التي تأتيه مغلفة في صندوق جميل محفور عليه اسم السلطة .فالسلطة بأنواعها المتعددة تمنحه الحق في أن يفرض أحادية رأيه على الطرف الآخر، وما على الآخر إلا الاستسلام والرضا بما قُسم عليه حتى من دون نيل ذلك الحق البسيط في أن يقتنع بما يفعله وأن يرضى عما يضطره مكانه الأدنى في الهرم السلطوي إلى القيام به . فهناك كثير من السلطات الموجودة في المنظومة الاجتماعية والتي تستغل أبشع استغلال في سبيل تدمير ذاتية الإنسان وحقه الطبيعي في تكوين رأي مستقل وقرار خاص به مثل سلطة الأبوة والأمومة وسلطة العمر وسلطة الزوج وسلطة الزوجة أحيانا وسلطة الأخ الذكر على أخته الأنثى حتى لو كانت تكبره عمرا وتفوقه خبرة ودراية بالحياة وشؤونها ، وهلم جرا .
وغالباً ما تُدّعم هذه الحقوق بالنص الديني الذي يحاول من يجني المنفعة من ورائه قراءته قراءة توافق هواه وتطابق مصالحه ، فيتذكر حقوقه ويتناسى واجباته . ولو ضربنا مثلا على ذلك باستخدام سلطة الأبوة أو الأمومة، لرأينا كيف يحاول أحيانا الأبوان استلاب حقوق الأبناء وفرض رؤاهم وأفكارهم عليهم ، شاهرين سلاح حقوق الوالدين ووجوب برهما التي أوصى بها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في عدة مواضع ، وكما نوهت كثير من الأحاديث الشريفة بها أيضا . وحقوق الوالدين دون شك أمر عظيم وشأن جلل ولذلك أكد الخالق جل وعلا عليها وأوصى الأبناء بوجوب الالتزام بها ، وعدم برهما والتحنن على ضعفهما وكبر سنهما من الكبائر، كما يؤدي إلى تخلخل قيم الترابط التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية ، ولكن هذا لا يعني جرف حقوق الأبناء ونسف ذاتيتهم وفرديتهم ، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم ، بل يجب على الوالدين إعانة أبنائهما على برهما وذلك يأتي بحسن التقدير لاستطاعة الأبناء الامتثال لهذا المطلب أو ذاك فلا يكلفانهم بمالا طاقة لهم به . تجاهل ذلك الخيط الدقيق الموجود بين قيمة احترام وتقدير رأي الوالدين وبين قيمة احترام حريات الأبناء والسيطرة على القرارات الخطيرة في حياتهم ، يؤدي إلى نشوء أفراد باهتي الملامح ممسوحي القسمات غير قادرين على تحمل المسؤولية ، كما يؤدي إلى تعميق تلك الهوة الموجودة بين الأجيال بدلا من محاولة تجسيرها والوصول إلى نقطة التقاء تمكن الجيلين من التفاهم والحوار والإقناع والاقتناع .
ويبدو جلياً للعيان أن مؤسسة الزوجية ومؤسسة الأسرة تتعرضان لهزة شديدة في مجتمعاتنا، ورغم عدم اهتمامنا بالأرقام والإحصائيات الدقيقة إلا أن النسب التي تظهر من آن لآخر عن نسبة الطلاق في المجتمع السعودي مرعبة ، وتنم عن ذلك الهيجان والفوران الذي يموج داخل تربة منظومة الأسرة .والخوف كل الخوف من أن عدم الاهتمام الكافي بهذه المؤسسة سيؤدي إلى انفجار الأوضاع وتفاقم الأمور. ولذلك يتحتم القيام بدراسات اجتماعية مستفيضة عن الأسرة ، وعن الطرق الكفيلة برأب الصدع فيها ، ولملمة المتبعثر.كما أن محاولة تحقين تربة المجتمع بفلسفة الحوار والانفتاح على تقبل الرأي المختلف حتى لو صدر ممن يعتبر في المنزلة الأدنى من السلم الاجتماعي ، وغرس وتجذير مباديء الواجبات والحقوق المتبادلة في العلاقات الاجتماعية ستساهم دون شك في إنقاذ ما يمكن إنقاذه . كما يجب تعريف الأجيال الجديدة المقبلة على الزواج بطبيعة هذه العلاقة المقدسة وعلى حقيقة ما هم مقبلين عليه ، فالزوج ليس فارس الأحلام القادم على حصانه الأشهب ليحقق كل الأحلام المادية المكبوتة والمؤودة والتي لم يستطع الأب تحقيقها للفتاة ، كما أن الزوجة ليست تلك الحورية القادمة على موجات الأثير التي تتحفنا بها الفضائيات و يرسخ صورتها الاعلام المرئي الذي صار مهيمنا ومسيطرا على وعي الشباب، كما أنها ليست الأمّة التي ليس لها هم إلا إرضاء سيدها والعمل على خطب وده دون أن يكون هو مراعيا لحقوقها معنيا بمصلحتها .فلكل من الطرفين حقوق وواجبات ومسؤوليات تضعها على عاتقه الموافقة على مشاركة الطرف الآخر حياته كما أن العلاقة الزوجية أخذ وعطاء ومشاركة وتفاهم وموافقة على بناء لبنة الأسرة وهي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع .
إنشاء مراكز للأسرة تُعنى بتثقيف المقبلين على الزواج ، وبتعريف كل من الرجل والمرأة بالتركيبة النفسية والذهنية والبيولوجية للآخر يأتي في أعلى قائمة الحلول التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار حتى نحاول أن ننقذ الأسرة السعودية مما تنجر إليه من مخاطر وأهوال قد تؤدي إلى إحداث زلزلة في البنية الاجتماعية للمجتمع السعودي بأسره .
أمل زاهد