المرأة ستكون صانعة القرارات الدولية في المستقبل القريب



فلورنس غزلان
2006 / 11 / 22

* هل يمكننا القول، أن العصر اليوم هو عصر المرأة بجدارة، وهل يعني فوزها هنا وهناك وفي أهم بقاع الأرض وأكثرها تأثيرا وحِدَة في السياسة والقرار السياسي محلي كان أم دولي؟.
في الوقت ، الذي يتراجع فيه الرجل أمام اقتحام المرأة عالم السياسة بعد أن كان حكرا عليه ومحرم عليها ، هاهي تفوز على أعتى الرجال وتتفوق عليهم في حزبها الاشتراكي الفرنسي( سيجولين رويال )، وربما يحالفها الحظ، أو يقف إلى جانبها المواطن ويختارها لبرنامجها الذي يصب في صالح الطبقة الوسطى والمحرومة، وتتمكن من دحر من يمثل خطرا على فرنسا وعلى فقرائها ومهاجريها بالدرجة الأولى ( السيد ساركوزي )..وزير الداخلية حاليا..فقد تفوقت في كل مرة تقابلت فيها مع منافسيها من حزبها، واستطاعت أن تحظى ب 60% من أصوات أعضائه ، فتصبح بهذا المرشحة الأكبر حظا والوحيدة لحزبها بمواجهة مرشحي الأحزاب الأخرى، وكرئيسة للجمهورية الفرنسية لأول مرة في تاريخ البلاد...أم لأربعة أطفال، زوجة لرئيس الحزب الاشتراكي رفيق دربها السياسي والنضالي، ( فرانسوا أولاند )، والذي يدعمها ويقف إلى جانبها..بقدر ما نتمنى لها النجاح،بقدر ما تدغدغنا لحظات حلم بعيد المنال،فنحلم لامرأة عربية أن تحظى بهذا المنصب ذات يوم قريب، ويقف رجلها مؤمنا بقدرتها داعما ومساندا ، دون خلفية!!
• سبقتها في الفوز جارتها "عدوة الأمس " ، امرأة مثلها تمثل الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا السيدة ( أنجيلا ميركل)، المولودة في مدينة هامبورغ، والتي عاشت حياتها ودرست وتعلمت في ألمانيا الشرقية كما كانت عضوة في شبيبة ستالين!، لتتحول بعد انهيار جدار برلين وتصل بسرعة فائقة وتقود حزبها بعد أن كشفت فضيحة التبرعات الانتخابية وحازت على ثقة المواطن ...ثم أخذت طريقها لتصبح المستشارة الأولى ملحقة هزيمة فائقة بالمستشار غيرهارد شرودر في انتخابات العاشر من أكتوبر لعام 2005 .

( ليبيريا ) ، الدولة الإفريقية الفقيرة، والتي ابتليت بحرب أهلية دامت 14 عاما، اختارت سيدة مثقفة حازت على ثقة جماهير بلادها كمنقذة ومخلصة لهم من براثن وأوجاع الحرب، فكانت " ماما إيلين" ، وهي التسمية التي يطلقها عليها أبناء وطنها تحببا ، السيدة ( إيلين جونسون سيرليف )، تفوقت على أعتى الرجال المنافسين ، بطل الكرة السابق " جورج ويا " في انتخابات حرة وديمقراطية ، وبإشراف دولي على انتخابات نزيهة ، كانت رئيسة لحزب الوحدة، وتعتبر أول رئيسة منتخبة في أفريقيا كلها ، حصلت على 60% من أصوات الناخبين في تشرين الثاني عام 2005.
ويرى فيها أبناء وطنها القدرة على إعادة الاعمار والخروج من المحن ، التي خلفتها الحرب ومزقت فيها البلاد.
أيمكننا أن نرى في لبنان ذات يوم رسولة للسلام بين أقطاب الطوائف؟..تخرج امرأة من بين صفوف الناس تنقلهم للحلم وتبني معهم وطن المحبة، ولا أعتقد أن لبنان يخلو من ( ماما ايلين ) أخرى...لو أفسح لها المجال بعد خراب الوطن على أيدي رجال الأحزاب ذات البعد الطائفي..
أما العراق، فهل نستطيع أن نسقط عليه شيئا من هذا الحلم ، فنراه بقيادة امرأة تحمل غصن الزيتون في يدها وتخوض صفوف المتحاربين دون طائل؟...هل يترك شيوخ السنة والعشائر وملات الشيعة وبيشمركا الكرد مجالا لإمرأة وإيمانا بها..كسيدة تحمل عبء المرحلة وتتمكن من إنقاذ بلد فتتته الحرب الأهلية والمحتل والديكتاتورية؟...هل تخرج سيدة بابل ...من مرقد إمام ، أو مهبط مذبحة تاريخية تجر مذابح مستمرة دون انقطاع، فتكون شعلة الحرية بيد من تقدس الأسرة والإنسان ، وتقدس الحياة وتصونها؟!...سيضحك أرباب الحروب ودعاة القتل ورجال الموت وعصابات انتهاك الأعراض، وذوي قبعات الكاوبوي من أحلامي، لأنهم متأكدون من قدرتهم على الخراب.



• ويبدو أن العام المنصرم كان حافلا بالانتصارات النسائية، ، فكيف لنا أن ننسى الانتصار الساحق ل" ميشال باشيلي " كرئيسة لجمهورية تشيلي في انتخابات 15 أيار لعام 2005 ، هذه المرأة ، التي سبق لها أيضا أن حظيت بحقيبة يصعب على كثير من الرجال أن يحلموا بها، فقبل أن تفوز بالرئاسة كانت وزيرة للدفاع، خاصة أنها ابنة لمناضل قضى نحبه في سجون الديكتاتور " بينوشيه" ، وهاهي تنتصر لوطنها وتقيم صرح الديمقراطية لبلد عانى من ويلات الحكم العسكري ، وقدم الضحايا تلو الأخرى، كما أنها طبيبة أطفال وأم أيضا...وسبق للسيدة سيجولين رويال أن سافرت خصيصا لتشيلي، كي تقف إلى جانب ميشال باشيلي في لحظة الفوز ..انه التضامن النسوي في السياسة ، والتقارب الفكري أيضا، كما هو الحلم الذي تسعى إليه سيجولين رويال وتعمل للحصول عليه..
• لكن الحدث الأهم والأكثر حداثة في سجل الدولة العظمى " الولايات المتحدة"، هو هزيمة المحافظين وصعود الديمقراطيين في الانتخابات النصفية للكونجرس ، وتأتي على رأسهم امرأة قديرة ( نانسي بلوشي)، والتي تعود جذورها لإيطاليا، ودون أن ننكر فوز امرأة أخرى وللمرة الثانية في هذا البلد، والتي يعتقد الكثير من المحللين السياسيين، أنها ستكون من المرشحين الأكثر أهمية لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات القادمة وهي السيدة ( هيلاري كلينتون)، وقد فازت عن ولاية نييورك..
• ماذا يمكننا أن نقول في كثير من الحقائب الوزارية ، التي شغلتها نساء لأول مرة في تاريخ بلادهن كوزيرة الدفاع الفرنسي السيدة ( ميشيل أليو ماري )، ولم يسبق للكثير من النساء أن تبوأن حقيبة كهذه، وتثبت كل يوم جدارتها في إدارة هذا المنصب، ويكفي قولها :" من السهل إشعال الحروب، لكن من الصعب صنع السلام"، كما أضافت " يجب التمييز بين الحكومات والإدارات والشعوب"!..
• لا نستطيع إلا أن نذكر وزيرة الخارجية البريطانية السيدة ( مارغريت بيكيت)، والتي تدرجت في مناصب عدة منها رئيسة لحزب العمال ووزيرة للتجارة والصناعة ، ثم وزيرة للبيئة، وهاهي تحمل حقيبة من أهم الحقائب الوزارية في وزارة بلير ..من المؤكد أن لبريطانيا في تاريخها الحديث سبقا في اختيار امرأة كرئيسة لوزرائها، حملت إليها الكثير من التبعية للولايات المتحدة ومهدت الدرب أمام بلير لينسخ سياسة التبعية والولاء، وسميت محليا وعالميا ( المرأة الحديدية)، فالسيدة الرجل مارغاريت تاتشر...من الصعب علي أن أضعها في صفوف النساء، فباعتقادي أنها لم تقدم للمرأة البريطانية ما يمكن أن تفخر به بين بنات جنسها، ولا كسياسة تتصف ببعض الحلم، خاصة في موقفها من الأرجنتين ...وتعتبر الأكثر كرها بين النساء اللواتي وصلن لمناصب رفيعة..
• أما الإسرائيلية الشارونية ( تسيبي ليفني )، التي انتقلت لحزب كاديما مع شارون، وحصلت على ثقة الحزب لتحظى بحقيبة هامة..وفي دولة إسرائيل، لم تكن المرأة الأولى ، التي وصلت لزعامات، ولن تستطيع أن تمتلك ما امتلكته غولدا مائير من قدرة وشخصية تاريخية بالنسبة لإسرائيل وحققت الكثير ، خلال عدة سنوات من الحكم: 1969 ـــ 1974، أي أنها كانت رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر 1973 بين إسرائيل من جهة وسورية ومصر من جهة أخرى ، وكلنا يعلم أن بداية الهجوم العربي كانت قوية وحققت نجاحا ملحوظا دفع بغولدا مائير إلى السفر للولايات المتحدة وطلبت مساعدات عسكرية كبيرة غيرت من مجرى الحرب وقلبت الموازين لصالح إسرائيل .
• كما لا يمكننا أن نغفل حق الشرق الآسيوي ، الذي كان له السبق في تبوء المرأة دورا هاما وكبيرا، فكانت السيدة ( أنديرا غاندي ) ابنة بطل استقلال الهند وأحد زعماء مؤتمر عدم الانحياز " جواهر لال نهرو"، وقد تولت قيادة البلاد بعد وفاة والدها وكان لها الدور الأول لحصول بنغلاديش على استقلالها، لكنها مع الأسف الشديد وجهت إليها تهم الفساد فخسرت معركتها الانتخابية، ثم استعادتها لتفقد بعدها حياتها على يد احد السيخ ، لأنها أعطت الأمر في قمع حركتهم الطائفية...
• وهل ننكر على أول امرأة مسلمة تفوز في انتخابات الرئاسة في الباكستان السيدة ( بنازير علي بوتو)، والتي رشحت للمنصب بعد أعوام من وفاة والدها ، الذي نفذ فيه حكم الإعدام العسكري الانقلابي ضياء الحق، ووضع بنازير تحت الإقامة الجبرية ، لكنها استطاعت أن تخرج من البلاد وتعود إليها بعد وفاة ضياء الحق وتفوز بثقة الجماهير، لكن زواجها من السيد زاراداري، والذي اتهم بالفساد واستغلال الحكم وسمي برجل ال( 10% )، فكانت النتيجة خسارتها السياسية.
• كل هؤلاء النساء تجمعهن صفة الذكاء والجمال والشباب والأمومة الناجحة، ويختلفن عما سبقهن من نساء تسلمن المناصب كميراث واعتراف بفضل الوالد، كما حصل في الباكستان والهند، ويظهر مدى التشابه السياسي في بلدان المشرق، لأنه سيخرج علي بعض المتعصبين قوميا وبعثياً، ليتهموني بالنكران والجحود لما قدمه حزب البعث للمرأة!!!!، فقد عين وزيرة هنا وأخرى مستشارة وثالثة ( حديثا) نائبة ثقافية...لكني أقيس مدى فاعلية الحقيبة وقدرة حاملتها على التأثير محلياً وعالميا، فوزرائنا رجالا كانوا أم نساء...منفذين وفاسدين بجدارة..ولم يحظ أحدهم بمنصب فقط لكفاءته، وإنما لولائه لسيد نعمته.
• الملاحظ هنا، أن للبلدان الشرقية علاقة بالفساد، وتجمعنا النسبة المئوية في حصد المكاسب... ال10 وال20% ...!! وهل يمكننا القول أن الفساد صفة شرقية؟..رغم أنه عالمي وصفة من صفات الضعف الإنساني أمام المال، بل المرضي حبا وشغفاً باقتنائه ، لكني أرى أن الأمور نسبية وتتفوق صورها عندنا عما نراه في العالم الأكثر تحضرا، أو في حقيقة الأمر في عالم تحكمه شرائع وقوانين تصون حق المواطن وتدفع عنه شر أصحاب النفوس المريضة ، والقيادات الفاسدة، التي تعتبر البلاد مزرعة خاصة للكسب العائلي وما يحيط بالسلطة، وطريق لتثبيت مناعته ..لكني فقط أذكر هؤلاء، أن التاريخ الذي كشف تلاعب بنازير وزوجها، وقضى على كل ديكتاتوريات الكون من بينوشيه إلى شاوشيسكو وسبقهم فرانكو...وتبعهم صدام...لن يدع لهم مجالا للحياة...سيأتيهم الدور عاجلا أم آجلا...فهل يتعض أصحاب الألباب؟