الرجل متوحش ولكن .. لماذا تتوحش المرأة ؟



محمود الباتع
2006 / 11 / 23

القط مخلوق لطيف وحيوان أليف طالما أحس بالأمان، ولكن إذا ما استراب أو أحس بخطرٍ ما يتهدده، فإنه لا يلبث أن ينقلب إلى نمر كاسر يخرمش ويؤذي كل ما يعترضه بدون تمييزفي محاولة للدفاع عن نفسه حيث مرجعه في ذلك شأنه شأن باقي الحيوانات هو غريزة البقاء.

إذا كان التوحش هو اشتقااق لغوي من مصدره الأصلي وهو الوحشة، والتي هي نتيجة طبيعية للانفراد والوحدة وما يتبعهما من الإحساس بالغربة، فإن، فإن الشكل الذي يتبعه الإنسان في التعبير عن خوفه الناتج عن وحدته ضمن العالم المحيط به هو انكفاؤه على ذاته الداخلية وهروبه إليها بما تحتويه من غرائز ورغبات مكبوتة ومشاعر دفينة، ليتخذ التعبير عن الخوف هيئة هذه المشاعر والرغبات المكبوتة أو المقموعة على اختلاف أشكالها.
ليس اعتراضاً ولا مناكفة، أجدني مدفوعاً للتطرق إلى ما أثارته الزميلة الشاعرة حنان بديع حول توحش الرجل في تعليق على أحداث السعار الجنسي التي حدثت في القاهرة وجرى الحديث عنها مؤخراً، وتعالت الأصوات والآراء المختلفة محاولة تفسير أو تبرير أو تفنيد ما حصل وإرجاع أسبابه إلى أمور مختلفة لم يتفق على جوهرها الكثيرون.
ما حدث إن صح أنه حدث فهو العرض، أما المرض فيتمثل في الخوف وانعدام الأمان الاجتماعي لدى الشباب (والأمر ليس مقتصراً على شباب مصر) حتى صار خوفاً مرضياً من المجهول الآتي في الغد، وقلقاً نابعاً من ضبابية الحاضر وغموض المستقبل، إضافة الى ما يعتري هؤلاء الشباب من مشاعر الاضطراب الفكري والاجتماعي وفقدان الأمل والأمان، ما دفع بهم إلى الهروب إلى مكنونهم النفسي ليجدوا فيه وفي غياب الوازع الرادع من أخلاق أو دين وما إليها، أفكاراً مقموعة وأحلاماً معطلة، ورغبات مكبوتة أبرزها الرغبة الجنسية الممنوعة من الصرف ضمن غيرها بفعل الثقافة العامة والدين وظروف المجتمع، كما وجد الشباب خانات كثيرة ضمن وجدانهم بدون أن يملأها شيء من الأخلاق أو التربية السليمة أو المضمون الديني، ليأخذ الاحتجاج أو التعبير ذلك الشكل المريع من الهوس الجنسي الكاسح، ولو كان لدى هؤلاء الشباب رغبة أكثر كبتاً من الغريزة الجنسية لأخذ التعبير عن السخط شكل تلك الرغبة، تماما كما يلجأ الجياع إلى تدمير وإحراق المطاعم ويقوم المقموعون سياسياً إلى تدمير وإحراق المرافق العامة ورموز الدولة، فقد لجأ أولئك التائهون والمضيعون اجتماعياً إلى مهاجمة المقدس الاجتماعي من خلال تطاولهم على عرض المجتمع ممثلاً في أولئك الفتيات، مستخدمين في ذلك ذكورتهم المتحفزة، في تطبيق تلقائي وعفوي لنظرية القط المذعور التي أجدها تنطبق على كل مخلوقات الدنيا.
إنه افتقاد الحنان والافتقار إلى الأمان ولا شيء غير ذلك هو أمر يسأل عنه المجتمع أساساً قبل هؤلاء الشباب، المجتمع بكافة مكوناته ومؤسساته بما فيها ابتداءً بالأسرة ومروراً بالمؤسسة التربوية وليس انتهاءً بالمؤسسة الرسمية للدولة..

أنظر ضمن كثيرين إلى المرأة باعتبارها عماد المجتمع والمنبع الأساسي للاستقرار والسكينة الأسرية من خلال حنان أمومتها الغريزية حتى ولو لم تكن أما، فالبيت الذي يخلو من المرأة، زوجة كانت أو أماً أو أختاً أو حتى مدبرة منزل على أقل تقدير، لا يمكن أن يكون بيتاً، ولا يمكن أن يعتبر لبنة سوية أو غير سوية لبناء أي مجتمع كان. من هذا المنطلق كنت أدعو وما زلت إلى أن تتفضل المرأة لتأخذ وضعها الطبيعي الذي أراده الله لها من كونها شقيقة للرجل وشريكة له في عملية بناء الدنيا وعمارة الكون دون أن تحتاج في ذلك إلى إذن من الرجل أو من غيره، فيكفيها ما حباها الله إياه كإنسان له ما للبشر وعليه ما عليهم.

المسألة لا تخص العرب أو الشرقيين وحدهم، بل هي مسألة إنسانية عامة، حيث تحتاج المرأة كغيرها من مخلوقات الله إلى الشعور بالأمان الذي تلتمسه عادة من الرجل، ومتى ما أحست المرأة بانحسار مظلة الأمان بانحسار ظل الرجل عنها حتى تأخذ هي الأخرى بالتوحش واللجوء إلى مكونها النفسي الدفين وهو الأمومة ورديفها من الحنان الصفتين اللتين تترجمهما الأدبيات الإنسانية بمفردات الضعف الأنثوي المزعوم، لتقوم بالدفاع عن كيانها والتماس أمانها عن طريق التبرؤ من هذه الصفات متخذة شكل قسوة مصطنعة أقرب ما تكون إلى التوحش.

ليس انحسار الظل الرجولي عن المرأة هو مجرد غياب الرجل عن حياتها، ولكن يحدث ذلك أيضاً عندما تتفوق المرأة وتبرز ضمن المؤسسة الاجتماعية إلى مواقع وقمم عالية لا يطالها ظل الرجل، مثل مواقع القيادة والنبوغ الفكري والأدبي وغيرها، حيث ينتظر من شاغل هذه المواقع أن يكون مصدراً للمظلة الآمنة لكل من هم ضمن دائرة ظله، ولكن المرأة الباحثة عن المظلة الآمنة تكون عاجزةً عن موقعها عن توفير ذلك الظل الطويل لمن ينتظره.

إن الحضن الدافئ للأم والصدر الحنون للزوجة أو الحبيبة، واللمسة الحانية للأخت والكلمة المشجعة للصديقة هي ما يميز المرأة طالما تمتعت بهذه الصفات، وانحسارها عنها هي مايجردها من تميزها الإنساني.

نعم وأصر أن المرأة القائدة هي مصدر أشد إيلاماً للتوحش من ذاك الذي يأتي من الرجال، وإلا فليذكر لي أحد عن ملكة أو رئيسة أو قائدة على مر التاريخ لم تخض في حياتها القيادية حرباً واحدةً على الأقل.
كنت أحلم في ما مضى باليوم الذي تتولى فيه المرأة قيادة العالم بأمومتها الغريزية وتنهي كابوس الحروب والاقتتال التي هي أمرٌ من اختراع الرجال، ولكن هل أفلحت امرأة واحدة تولت القيادة يوما في منع وقوع حرب أو حقن دم ما كان ليراق بغير موافقتها؟ الأمثلة كثيرة في التاريخ وآخرها حرب اسرائيل الأخيرة على لبنان والتي كانت تقودها فعليا وعملياً حسناء الدبلوماسية الأميركية كوندليزا رايس بكل توحش وهمجية. ودعوني أتساءل …… إذا كان يصدر ذلك من الرجل لأنه رجل متوحش، فلماذا يصدر ذلك من امرأة رغم أنها امرأة ….؟
مرة أخرى إنها مسألة أمن وأخلاق ولا علاقة لها بالرجل أو المرأة. ومن يرى غير ذلك فليتفضل بالتصحيح.