قليلي الأدب: انتهى في تونس وقت اللّعب!!



كريمة مكي
2024 / 1 / 18

منذ أيّام مثل أمام القضاء ʺصحفيʺ تونسي بتهمة الإساءة لوزيرة التجارة الحالية في أحد البرامج الإذاعية.
قَبْلَهُ بمدّة غير بعيدة عُرض أيضا على القضاء ʺشاعرʺ تونسي أساء لوزيرة الثقافة الحالية عبر موقعه الخاص على شبكة العنكبوت.
عن هاتين الحالتين بالذات تساءل النّاس عندنا باستغراب عجيب يبعث على الحزن و البكاء: و هل تستحق هذه الإساءة اللفظية أن يحاكم بسببها أحد بالسجن أو بالغرامة... و ما بالك إن كان هذا الأحد صحفي أو شاعر؟!
أغلب المتسائلين لا يرونها أبدا داعيا للمساءلة بل إنّهم يدعمون المُسيء و المنفلت من لسانه بحجّة أقبح من ذنبه ألا وهي... حريّة التعبير!!
يقولون إنّ الثورة منحتنا حريّة الرّأي و هو تقريبا انجازها الوحيد فلا يجب، بالتالي، تكميم الأفواه!! ثم إنّ عضوات الحكومة في خدمة الشعب و لَسْنَ فوق النّقد!!
منذ الثورة المسكينة، التي صار يستشهد بها هؤلاء و هم آخر المؤمنين بها، و نحن نحيا معهم في عالم تختلط فيها المفاهيم اختلاطا مُريعا خاصة من بعد تزامن قيام ثورتنا مع حلول فتنة شبكات العنكبوت على أرضنا!
صار سبّ النّساء و إهانتهن على العلن و خاصة منهن النساء البارزات حقّا مكتسبا لدى فئة من الجبناء من عديمي الأخلاق و الأدب الذين كانوا يرتعبون قبلا من ذكر اسم امرأة كانت تحكمهم و ما إن نزلت من على كرسي الحكم حتى صارت ليلى الطرابلسي ...تلك الحلاّقة...تلك...تلك... ثم يشرعون في كيل تُهمٍ مجّانية من وحي حقدهم فقط و خيالهم المريض و إلاّ فما الجدوى من سبّ و قذف امرأة غائبة ما عاد لها شأن هنا و لا عاد لنا شأن بها!
إنّه التسيّب الأخلاقي الذي انحدرت فيه تونس بعد الثورة بعد أن حوّلوا وجهة الثورة الصادقة النظيفة إلى أوكار العفن و الفساد و الإفساد.
و إنّ أساس كلّ الفساد – يا سادة- لهو انعدام الأخلاق و انخرام عقدها بين النّاس.
و ها أنّنا صرنا نرى تطاول الصّغير على الكبير و تطاول أشباه الرجال على النّساء.
و ما تطاول أمثال هؤلاء إلاّ لغياب آلة الردع و تغييبها عن قصد... لِيَعُمَّ في الأرض البلاء.
و ها أنكم ترون أنّه بمجرّد أن تحرّكت آلة الرّدع في هذا الزمن الثوري بامتياز حتّى انتفض أولئك العاملون على إطالة حالة الفوضى و التسيّب ليسهل... إقرار حكم الغوغاء!
ستظلّ آلة الرّدع ضرورية لردع هؤلاء المتطاولين على الأخلاق عامّة و بخاصّة على جنس النّساء لأنّ من لا أخلاق له و لا ضمير و كانت نفسه المهزوزة تضج حقدا لرؤية النساء في إدارة الحكم، فانّه لن ينثني عن أفعاله الساقطة الوضيعة إلاّ إذا دفع من عمره سجنا أو من جيبه مالا.
مع الأسف لقد أثبت لنا أمثال هؤلاء أنه لا تنفع معهم إلاّ العصا!! و في غيابها فإنهم يعيثون في الأعراض فسادا متدثرين بعباءة حريّة التعبير و خاصة إن كانوا من فصيلة ذلك الصحفي الذي لا نعرف له أعمالا صحفيّة تُذكر، و ذلك الذي يقول أنه ʺشاعرʺ و أيضا أستاذا في الجامعة التونسية.
يا للهول!! إنّها النخبة إذن!
نخبة هي و أيّ نخبة!
نُخبة كان يُفترض فيها أن تكون أفضل مَثَل لجيل ثورة تونس الصادقة النقيّة!!
و لكن...
بئس النّخبة هي هذه النخبة التي ابتلينا بها.
ما أتعسنا بها...و ما أتعس هذا الجيل الذي كان ينشد الحريّة الحقّة و الكرامة الحقّة فما وجد إلاّ نخبة سامّة حقودة تنفث سمومها على نساءها المتميّزات المجتهدات.
بئس وطن لا يحتفي بخيرة نساءه!! و اسألوا عن الحضارات التي حكمت فيها نساء لِتَعْلَمُوا أثر لمسة الأنوثة و الأمومة على يد الحكم الخشنة الغليظة.
سأكتفي فقط بأن أذكّركم بأعظم و أرقى الحضارات على الإطلاق: حضارة مصر القديمة و كيف كانت نساءها عزيزات و مبجّلات...و ما مكانة مصر العظيمة قديما إلاّ من مكانة نساءها.
لن تكون تونس الصغيرة، سليلة قرطاج، أمّة عظيمة إن لم تكافئ جهود نساءها العاملات الصادقات المثابرات.
عِزّة تونس من عزّة نساءها في المقام الأوّل فالمرأة هي الرّحم المقدّس وهي الأرض و العرض و هي الحِصن و المأوى في غابة الدنيا.
أليس هذا يكفي لنُكرمها فلا نقهرها و لا نسبّها و لا نُهِنْهَا؟!
ألم يقل المؤمن حقّا بقضية المرأة أنه يكفي لنُصرة المرأة سببا أنّها أمّ الإنسان؟؟؟
رحم الله المناضل الصّادق الطاهر الحدّاد.
في الأخير أودّ أن أهمس في أذن السيّدة وزيرة الثقافة الدكتورة المجتهدة الجميلة بأنّه ما كان عليها أن تُسامح و تعفو عن ذاك الذي يقول بأنّه شاعر و ما أظنّه أبدا كذلك... فكيف، فقط، يكون شاعرا؟! و هل من شاعرٍ في العرب و لا يعرف الأدب !!
لقليلي الأدب أردت اليوم أن أقول: جاءكم زمن الحزم و انتهى معكم وقت اللّعب!