نظرية رجل يدافع عن حقوق المرأة *



فينوس فائق
2006 / 11 / 28

لا أدري حقيقة إن كان علي أن أتفائل حين أقرأ مقالة عن المرأة بقلم ذكوري أو رجالي أم أن أتشائم؟ خصوصاً إذا كانت المقالة دفاعاً عن المرأة ، أقول مقالة رجل للدفاع عن حقوق المرأة ، لأن أكثر ما يخيفني هو الرجل المدافع عن حقوق المرأة ، سواء في الندوات و أمام الكاميرات و من على المنابر ، أو بالمقالات ، و خصوصاً الرجل الشرقي الذي يمتاز بإزدواجية واضحة في هذا المجال ، لأنك لو تدخل بيت هذا الرجل ستجد أنه هو الآمر الناهي و سي السيد كما يقول المصريون و لن تجد أي أثر لتطبيقات عملية لكلامه الرنان عن المرأة في مقالاته أو ندواته بين جدران بيته ، فبيت هذا النوع من الرجال هو أنظف ما يكون من أي بيت آخر من كل أنواع الصداع و الأمراض التي يصابون بها الرجال بسبب إمرأة قريبة منهم ، قوية الشخصية تمكنت من إنتزاع البعض من حقوقها و تدافع عنها.. فالمقالة التي تهاجم المرأة أو تنتقص من قيمتها الإنسانية لا تخيفني كثيراً لأن رسالة الكاتب تكون واضحة و بدون رتوش ، و لا تحمل اي تفسير أو تأويل و تأتي طبيعية جداً ، لكن الخوف كل الخوف من المقالة المحملة بشعارات و بآراء ذكورية ضبابية ، لا يعلم الهدف من وراءها سوى الله. فكما قلت في مقالة أخرى قبل فترة أن الرجال في الشرق يفضلون في النهاية المرأة الساذجة شريكة لحياتهم..
ربما علي أن أتفائل أو أن أهلهل ، لكون أن هناك رجل يكتب عن المرأة ، لكنني في النهاية عندما أعود إلى نفس النقطة التي نختلف عليها ، أو أختلف عليها أنا غالباً مع المثقفين الرجال ، و هي نظرية الرجل الذي يدافع عن حقوق المرأة ، حيث أنني لا أثق كثيراً بالرجل الذي يتكلم كثيراً عن المرأة ، و يطلق شعارات و كلام منمق عنها ، لأنه ليس هناك رجل في الشرق يعني بكل كلامه عن حقوق المرأة زوجته و شريكة حياته ، يعني بها كل نساء الكون سوى زوجته و أخته و أمه ، فهو يطرح تلك النساء من كل نساء العالم و يسقطهن من نظرياته في الدفاع عن المرأة ، تماماً كما أنني لا أثق بالمرأة الصامتة التي تدعي أنها تمتلك حقوقها كاملة ، إذ لا وجود لإمرأة في الشرق تمتلك حقوقها كاملة و تتمكن من أن تلقن غيرها من النساء درساً حقيقياً في كيفية إنتزاع حقوقها ، و إذ أنني أقيس الإثنين بمقياس واحد !! الرجل الذي يتكلم و لا يطبق ، و المرأة الصامتة التي تكون غالباً سلبية و تبرر أو تؤكد بذلك سطوة رجل في حياتها و كأنها تتناول دواء النسيان ، هذا ليس تشائم ، ربما هو إستنتاج خاطيء في نظر البعض.. فنظرية الرجل هي أنه هو مركز القوة و السلطات و القرار و هو نقطة الإنطلاق و المرجع الأسري و الإجتماعي ، و المرأة تدور حوله و تتبعه، و تستلهم منه ، و تتزود بقوته ، و تستعين به ، و تستقوى به ، و تتنور بنوره ، و تتبرك ببركته ، تستسمحه إذا لزم الأمر و تنتظر كرمه و رحمته ، و عليها أن تختلق التبريرات المقيتة لوجوده غير المرغوب فيه في حياتها ، و تستمد منه مقومات شخصيتها و تكون حين يكون هو ، و تدفن نفسها حين يغيب من حياتها ، أي بإختصار أنها التابع و الملحق و الثاني و الفرع و كل شيء يأتي بالمرتبة الثانية من بعد الرجل ، فكيف لي أن أصدق أن هذا الكائن قد يدافع عن المرأة بنفس القوة التي قد يدافع بها عن قضية تخصهً كرجل؟
من الأعمدة اليومية الثابتة التي أواضب على متابعتها و قراءتها تقريباً بشكل يومي هو عمود الكاتب الكوردي سردار عبدالله (أبعاد)، الذي أقرأه مع أعمدة أخرى لكبار الكتاب كورد وعرب أمثال الأساتذة فرياد رواندزي و جهاد الخازن ، د. فاتح عبدالسلام و غيرهم ، حيث يتناول في موضوع عموده ليوم 14 نوفمبر قضية المشاركة السياسية للمرأة ، و التي يقول فيها أن مشاركة المرأة في الشأن السياسي ليست مقياس تطور المجتمع و يذكر في سياق الموضوع النموذج العراقي و الكويتي و يشير إلى التجربة البنكلاديشية التي يؤكد من خلالها على أن الكثير من دول الغرب المتميزة بتطورها و رقي مكانة المرأة فيها ، إلا أن المرأة لا تلعب دورها الحقيقي في المجال السياسي ، و ينهي مقالته بأنه لايمكن لأحد ان يدعي ان الشرق الآسيوي اكثر تقدما وتطورا من اوربا الغربية ومن امريكا ، ذلك لأن غالبية هذه الدول تفتقر إلى الحضور النسوي الفعال في المجال السياسي..
بطبيعة الحال فإن ما ذكرته في مقدمة المقال لا أعني به الكاتب سردار عبدالله شخصياً ، لأنني لا أعرفه بشكل شخصي ، بالعكس فإني أشد على يديه ايضاً على هذه الآراء الجميلة ، لكنني بحيلة أنثوية إتخذت من مقالته ذريعة للدخول و الخوض في قضية تشغلني أو تبرير لمقالتي هذه ، التي ربما لا أحتاج في كل الأحوال إلى أن أتطرق إليه من خلال مقالة ما ، لكنني تعمدت أن أفتح هذا الملف من مقالة رجل كتب عن المرأة و خصوصاً عن حقوقها السياسية التي هي من أهم ما تطالب به النساء في العالم الثالث ، رغم أنه ليس آخر ما يطالبن به من حقوق ، لأنه في النهاية ما ورد في هذه المقالة تعبر عن رأيي الشخصي و حتى أنني لا أعممه على كل رجال الكون ، فهناك إستثناءات ، لكنهم قليلون ، ربما يكون صاحب المقالة المذكورة هو أحد هذه الإستثناءات..
أتفق مع الكاتب أن المشاركة السياسية للمرأة ليست المقياس الأوحد الذي نقيس به تطور المجتمع ، و لكن أتساءل هل أن المشاركة السياسية للمرأة هي نهاية حقوق المرأة؟ أو هي قمة حقوقها؟ و هل أن المرأة التي تمكنت من دخول المعترك السياسي تكون قد نالت حقوقها و إحترامها من الرجل كاملاً؟ ألا تتعرض المرأة الناشطة سياسياً و المرأة التي تتقلد مناصب حكومية إلى الإهانة من قبل رجل ما في حياتها؟
فقبل قرائتي لمقالة سردار بيوم واحد أي 13 نوفمبر قرأت في وسائل الإعلام خبراً مفاده أن الوزيرة الموريتانية أميانه صو محمد كاتبة الدولة المكلفة بوزارة التقنايات الجديدة قد تعرضت إلى ضرب مبرح من قبل زوجها ، و الغريب في الموضوع أنه يأتي في سياق الخبر أن المجتمع الموريتاني هو من المجتمعات الذي تنعدم فيه تقريباً ظاهرة ضرب النساء ، لكن مع ذلك لم تشفع وزارة التقنيات التي تتولاها أميانه صو محمد لها و لم تخلصها من أنياب رجل يهوى تشويه المرأة جسدياً و ثقافياً و إنسانياً ...ألخ
إذا لا المشاركة السياسية هي نهاية مطاف حقوق المرأة و لا هي المقياس الأوحد لقياس مدى تطور المجتمع ، و لا حتى أن خلو مجتمع مثل المجتمع الموريتاني من ظاهرة ضرب النساء يعني أن الرجال في موريتانيا يحترمون نساءهم ، فهناك مجتمعات لا تخلوا من ظاهرة العنف الأسري و الضرب المبرح للنساء ، و لا حتى أن المشاركة السياسية للمرأة كفيلة بعلاج المجتمع من داء التخلف الحضاري و المد الديني المتخلف ..المشكلة تكمن في عقلية الرجل ، و الفكر الذكوري الذي يحمله المجتمع برجاله و نساءه ، و تجذره و إنتقاله عبر الأجيال ، و الأدهى من ذلك في عقلية البعض من النساء المقتنعات بحتمية سيطرة الرجل على زمام المجتمع أو ربما إستسلامها لهذا الواقع ، كتبرير لعدم قدرتها على القيادة في المجتمع..و ما قبول النساء بنسبة 25% من عضوية البرلمان في الحكومة العراقية إلا إستسلام لواقع رسمه لهن الرجل بريشته الذكورية ..
المهم انني لا أقف ضد ما يقوله الكاتب في مقالته جملة و تفصيلاً إلا أنني أصاب بالذعر فقط من رجل – أي رجل كان- يتكلم خارج منزله و يردد شعارات و ما أن يصل إلى عتبة الدار حتى يخفيها وراء الباب ، حتى يعود ليحملها في طريق خروجه في اليوم الثاني.
المهم أن مقالتي هذه لم تكن إنتقاداً لمقالة سردار عبدالله ، و إنما هو تأكيد على الأقل على أننا نحن معشر النساء لسنا سطحيات في مطالبتنا بحقوقنا و تناولنا لقضية هي من صميم واجبنا الإنساني و الأخلاقي قبل أن يكون واجب رجل لا يؤمن بحرية المرأة حتى في مطالبتها بحقوقها داخل منزلها ، و إنما الرجال هم الذين يطلقون الشعارات السطحية و يقترحون الحلول السطحية لقضية المرأة وفق نظرية التآمر ضد كائن لا يقل عنهم بشيء ، فمقالتي هذه هي تعقيب أو إضافة و تعبير عن مخاوف إمرأة من نظرية رجل شرقي – اي رجل كان - يدافع عن حقوق المرأة..
* هذه المقالة منشورة في العدد 1434 من جردية الإتحاد يوم 30-11-2006