أتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وموقف الشريعة الاسلامية والمشرع العراقي



سحر مهدي الياسري
2006 / 11 / 29

تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1979 إتفاقية القضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة وأصبحت نافذة المفعول عام 1981 ويبلغ عدد الدول المنضمة اليها حاليا 160 دولة وتحدد هذه الاتفاقية 30 مادة بصيغة ملزمة قانونا مبادئ وتدابير معترف بها دوليا لتحقيق مساواة المرأة بالرجل في كل مكان وأنضمت الى هذه الاتفاقية ستة عشر دولية عربية واسلامية من بينها مصر والاردن والجزائر والعراق والكويت وتونس ولبنان وليبيا والمغرب واليمن وتركيا وماليزيا وباكستان .
وتدعوا هذه الاتفاقية الشاملة الى المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة بغض النظر عن حالتها الزوجية في جميع الميادين –السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وتدعوا ايضا الى سن تشريعات وطنية لحظر التمييز ضد المرأة وإتخاذ تدابير للتعجيل بالمساواة وخطوات لتعديل الانماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل التمييز عرفا متماديا .وتنص تدابير أخرى على منح المرأة حق المساواة في الحياة السياسية والعامة وعلى تكافؤ فرص ألتحاقها بالتعليم وحق أختيارها نفس البرامج المقررة للرجل وعلى عدم التمييز في فرص التوظيف والاجر وعلى ضمانات العمل الاجتماعية في حالتي الزواج والامومة وتركز الاتفاقية على ما للرجل والمرأة من مسؤوليات متساوية في إطار حياة الاسرة وهي تبرز على الحاجة الى خدمات إجتماعية ولاسيما مرافق رعاية الاطفال لتمكين الوالدين من الجمع بين إلتزاماتهما الاسرية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة فضلا عن مواد تدعو الى عدم التمييز ضد المرأة عند تقديم الخدمات الصحية بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الاسرة والى منحا أهلية قانونية مماثلة لاهلية الرجل مع موافقة الدول على أعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك التي تحد من أهلية المرأة القانونية باطلة ولاغية وقد أوليت مشكلة المرأة في المناطق الريفية اهتماما خاصا ولتجسيد هذه المبادئ يجب أن تتضمنها الدساتير الوطنية للدول الاعضاء وأي تدابير تشريعية أخرى تفرض جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة سواء بتعديل أو إلغاء القوانين والانظمة والاعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضد المرأة وإلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة وأقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام .
وتمنح الدول الاطراف للمرأة حقا مساويا للرجل في أحتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها وأن لايترتب على الزواج من أجنبي أو تغيير جنسية الزوج أثناء الزواج أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض عليها جنسية الزوج وأن تمنح الدول ايضا حقا للمرأة مساويا للرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها .
وفيما يتعلق بالزواج والعلاقات الاسرية أكدت الاتفاقية على تساوي الرجل والمرأة في عقد الزواج وحرية أختيار الزوج ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه ونفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة وأن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين أنجاب طفل وآخر وكذلك المساواة في الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الاطفال وتبنيهم وتكون مصلحة الاطفال هي الراجحة وأن تكون للمرأة نفس الحقوق الشخصية للزوج في أختيار أسم الاسرة والمهنة والوظيفة وفيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والاشراف عليها وأدارتها والتمتع بها والتصرف فيها بلا مقابل أو مقابل عوض ذي قيمة .ولايكون بموجب هذه الاتفاقية لخطوبة الطفل أوزواجه أي أثر قانوني وتتخذ جميع الاجراءات الضرورية بما فيها التشريع بتحديد الحد الادنى لسن الزواج وجعل التسجيل في سجل رسمي أمرا إلزاميا .
وقد طرحت الدول الاسلامية والعربية عدة تحفظات على هذه الاتفاقية لتعارضها لاحكام عقد الزواج في الاسلام الذي يشترط بالنسبة عقد زواج المرأة موافقة وليها وأن يكون الزوج مكافئا للزوجة أو أكثر منها وحق الصداق وإتحاد الدين بين الزوجين والاتكون المرأة متزوجة بآخر أو معتدة من طلاق أو وفاة أما بالنسبة للرجل فيما يتعلق بعقد الزواج ىيشترط وجود الولي للزوج العاقل الرشيد والالتزام بدفع الصداق وله أن يتزوج بكتابية أو مسلمة ويستطيع كذلك أن يعقد زواجه وفي عصمته زوجة آخرى ولايشترط أن تكون الزوجة مكافئة له .
وكذلك تحفظت الدول الاسلامية على المادة 16 التي تنص على أن يكون للرجل نفس الحقوق والواجبات والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه ومن أسباب التحفظ أن الشريعة الاسلامية قررت مجموعة من الحقوق المشتركة للزوجين ثم حقوق للزوج وآخرى للمرأة فالحقوق المشتركة منها حق العشرة الزوجية وحرمة المصاهرة وحق التوارث وثبوت نسب الطفل والمعاشرة بالمعروف إما حقوق الزوجة ومسئولية الزوج فهي حقوق مالية تتمثل بالمهر والنفقة وحقوق غير مالية حسن المعاشرة وحفظ أسرار الزوجة وعدم تكليفها بخدمة الزوج وإن قامت بهذا فمن باب حسن المعاشرة إما حقوق الزوج ومسئولية الزوجة فهي طاعته في غير معصية وحق الزوج أن لاتخرج من المنزل الابأذنه وحقه بالانتقال بزوجته حيث يشاء وأن تحفظ ماله. أما حقوق الزوج في الطلاق فهو حق مطلق له بسبب ما أنفقه من أموال في سبيل الزواج وما يترتب عليه من نفقة ومسوؤليات مالية للزوجة أما حق المرأة المسلمة بالطلاق فهو يتم أما اذا كانت تملك تفويضا بالطلاق أو بالخلع ولها حق طلب التفريق عن طريق القاضي في الاحوال التي يقررها قانون الاحوال الشخصية
وكذلك تحفظت الدول الاسلامية على ماورد بخصوص حق كل من الاب والام في المسئولية عن الابناء فيما يتعلق بالولاية والوصاية على الاطفال وتبنيهم فالشريعة الاسلامية ليس فيها نظام تبني وليس فيه نص عام في تقديم أحد الابوين مطلقا ولاتخيير بين الابوين مطلقا إنما العلماء متفقون على أن المعتبر في ذلك القدرة على حفظ الطفل وصيانته فأن كان الاب مهملا أو عاجزا والام بخلافه فهي الاولى بالحضانة والعكس بالعكس
ونرجع الان بعد هذا العرض الموجز لاتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المراة والشريعة الاسلامية الى القانون العراقي فيما يتعلق بقانون الاحوال الشخصية حول المشرع في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته التوفيق بين المذاهب الاسلامية وما ورد في أتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتبنى بعض ما ورد فيها بما قد يتعارض في بعض الاحيان مع الشريعة الاسلامية في تحديد سن الزواج وعدم أشتراطه الولي الافي حالة المرأة التي لم تبلغ الثامنة عشر وتشديد القيود الواردة على زواج الرجل بزوجة اخرى واشتراطه موافقة الزوجة الاولى والكفاءة المالية واشترط تسجيل عقد الزواج في سجل المحكمة وأعطاء حق للمرأة مماثل لحق الرجل في طلب التفريق للضرر في المادة 40 من القانون والمادة 41 في حال قيام خلاف بينهما وكذلك أعطى الحق للمرأة في المادة 42 الحق بطلب التفريق اذا سجن الزوج لاكثر من ثلاث سنوات وأذا هجر زوجته سنتين أو لم يطلب زوجته غير المدخول فيها للزواج خلال سنتين واذا وجدت الزوجة أن الزوج عنين أو عقيم أو مبتلى بعلة لايرجى شفائها أو أمتنع الزوج عن الانفاق عليها لمدة شهرين أو لم تحصل على نفقة بسبب تغيبه مدة تزيد على السنة أو اذا أمتنع الزوج عن تسديد النفقة المتراكمة عليه ولها أن تطلب التفريق قيبل الدخول ولها ان تطلب التفريق أذا تغيرت جنسية الزوج وكذلك ازوجة المفقود بعد اربع سنوات على فقده طلب التفريق وكذلك المادة 57 التي نصت على أحقية الام بالحضانة للاطفال وتربيتهم وقد وجد المشرع في الاسباب الموجبة لاصدار القانون أن تعدد مصادر القضاء وأختلاف الاحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الافراد غير مضمونة فكان دافعا للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الاحكام الشرعية وتوحيدها بقانون يجمع المتفق عليه من الاراء لتشمل كل العراقيين الامن استثني بنص خاص وأنه ذهب مذهبا وسط في وضع النصوص وأن تنسجم النصوص القانونية مع ما ورد في قوانين اخرى مثل القانون المدني أما تبريره لوضع قواعد موحدة للمسلمين بمختلف مذاهبهم في الميراث الذي هو سبب من أسباب كسب الملكية فالاختلاف يؤدي أن بعض الورثة بالتحايل على القوانين وقواعد الشريعة بأنتحال الاديان والمذاهب وأن هذه القواعد لاتختلف كثيرا مع الاحكام الشرعية وأضيفت لهذا القانون تعديلات كثيرة بما يتفق مع مبادئ الشريعة الاسلامية على أختلاف مذاهبها الاكثر ملائمة لروح العصر ومع مبادئ العدالة وما أستقر عليه القضاء في العراق
حاول المشرع جاهدا للتوفيق بين المذاهب الاسلامية وترك بعض الامور للمذاهب فالزوجين الحق حين عقد الزواج بتسجيله بأسم المذهب الذين يدينون به بالنسبة للحقوق المسجلة فيه وكذلك أخذ برأي بعض المذاهب في بعض الامور المتعلقة بالطلاق وكذلك حاول المشرع أن يجاري التشريع الدولي المتمثل بالاتفاقيات الدولية التي تمنع أي تمييز ضد المرأة وتدعوا الى رفعه من القوانين وكان موفقا الى حد ما في حماية حقوق المرأة ولو توجد بعض الثغرات التي يمكن معالجتها بالتعديل أو اصدار تشريع جديد يتضمن رفع كل ما يشكل تمييزا ضد المرأة ويرفع الحيف القانوني والمالي الذي يرتبه القانون الحالي عليها ولكن الدستور الذي تم سنه عام 2005 رجع بنا الى ماقبل تاريخ أصدار قانون الاحوال الشخصية الحالي عندما نص في المادة 41 على (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو أختياراتهم وينظم ذلك بقانون ) وهذا يعني الرجوع الى تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية كل حسب مذهبه وكذلك أحكام الديانات الاخرى ولم يبين النص مصير القانون الحالي ولم يفسر لنا أحد كلمة( أختياراتهم ) هل المقصود بها القانون الحالي ام قانون آخر جديد يكون قانونا مدنيا وليس شرعيا للاحوال الشخصية والاخطر في هذه المادة انها تركت للعراقيون الرجال الحق بالاختيار دون ان يرد أي تفسير من المشرع أن المرأة تملك نفس الحق وذهبت الى هذا الظن ان المشرع في الدستور المادة 20 نص على( للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح) وجاءت هذه المادة مفصلة لحقوق المراة والرجل بالنص أما الاحوال الشخصية فلا ويترك ذلك لتفسير القضاء وماجرى عليه العرف وأحكام الشريعة وهنا ينتهي حق المرأة تماما بالاختيار ونفسها كلمة العراقيون هي تشير للذكور وليس للاناث لم نسمع في اللغة العربية سابقا ان جمع المذكر السالم يستخدم ليشمل الاناث أيضا
هذا هو الاخطر في نص المادة أعلاه التي تدس عسل الحرية بسم مصادرة حق المرأة بالاختيار والا فحرية الاختيار امر رائع جدا ومطلوب تماما ولكن يكون أروع متى ما ملكت المرأة نفس حق الرجل بالاختيار للقواعد القانونية التي تنظم حياتها الاسرية