الحجاب: ناعسة وايوب المصري



احمد زكي
2006 / 12 / 2

احتجاج جاك سترو على نقاب المرأة البريطانية المسلمة، ورفض بعض عمداء الجامعات المصرية قبول استضافة الطالبات المصريات المسلمات المنقبات في المدن الجامعية للطالبات، وهجوم صحافة زين العابدين بن علي صاحب تونس على المنقبات المسلمات التونسيات، تلك هي بعض من ردود الافعال الكثيرة ضد ظاهرة عامة تجتاح ليس فقط هذه البلدان الثلاث ولكنها ظاهرة تجتاح كل مكان على الكوكب توجد فيه نساء وفتيات بل وربما طفلات مسلمات؛ حجبن على الاقل شعورهن عن العلن.

شاهدت على قناة فضائية بأم عيني احتفالا اقيم في الصومال بمناسبة افتتاح ميناء شعبي بسيط كان مغلقا طوال سنوات الحرب الاهلية هناك. افتتح هذا الميناء بعد امتداد سيطرة اتحاد المحاكم الاسلامية على تلك البلدة الصغيرة. وقد أمٌ هذا الاحتفال تقريبا كل البشر الاحياء فيها. كانت نساء وفتيات البلدة كلهن ما بين محجبة ومنقبة! طبعا وسط الفقر المدقع في الصومال، الذي لا ينكره احد، يجب ان يتعجب المرء من اين تأتي المرأة الصومالية بثمن كل هذه الاطوال من القماش، او على حساب اي ضرورة من ضروريات البقاء على قيد الحياة اشترت الام الصومالية او الاخت الصومالية او الابنة الصومالية هذا الكمية الكبيرة من الاقمشة لتحجب نفسها؟

لذا، الشاهد ان الاغلبية الساحقة من النساء المسلمات قد قررت اخفاء شعورهن (اساسا) ان لم يكن جسدهن ايضا عن العلن. من الصومال وافغانستان افقر بلاد المسلمين الى اغناها كدول الخليج. من البلاد التي لم تكد تقطع شوطا واحدا ملموسا بعد للحاق بالمسيرة الانسانية المعاصرة كافغانستان، الى تلك البلدان التي قطعت اشواطا واشواط كتركيا ومصر والشام والعراق والمغرب العربي وايران الخ الخ. بل ان المهاجرات من الجيل الاول او الثاني الى المراكز العالمية للحضارة الانسانية: اوروبا وامريكا الشمالية واستراليا الخ، تتخذ اغلبيتهن نفس القرار.

وقد يسألك سائل لما الاستغراب والدهشة ازاء تلك الظاهرة وانت اذا ما جرت اي انتخابات ديموقراطية نظيفة في بلد اسلامي ستجد اصواتا لها وزنها الملموس تعطي لتيار من تلك التيارات التي يصطلح على تسميتها تيارات الاسلام السياسي. وهي تيارات من اكثرها اعتدالا الى اكثرها تطرفا لا تتبنى اي خطط او برامج ملموسة للتصالح مع العصر وما بات يحمله الفكر البشري الانساني العام من قيم ومثل.

ورغم سلامة هذه العبارة (غلبة التيارات الاسلامية على الشارع في المجتمعات الاسلامية) الا انها ليست اجابة على السؤال؛ بل ربما هي نفس السؤال ولكن بطريقة اخرى. فكما ان قرار النساء المسلمات الجماعي يتنوع بين اخفاء الشعر في صورة حجاب وبين اخفاء الشعر والوجه والجسد في صورة نقاب، كذلك قرار الشعوب الاسلامية، اذا ما ترك لهم القرار، يتنوع بين اختيار تيارات اسلامية معتدلة (مثل الاخوان المسلمين..) او متشددة (الجهادية...)، وكلا الموقفان يعبران في الاخير عن نفس الاحتجاج المتشبس بالماضي والرافض للتعامل مع العصر بما وصل اليه من قيم.

من المعروف انه اذا طرح السؤال بطريقة معينة قد يمكن عندئذ اجابته، والعكس اذا طرح نفس السؤال بطريقة اخري قد تصبح اجابته مستحيلة. من هنا سؤال: "لماذا تخفي النساء المسلمات شعورهن على الاقل (حجاب) ان لم يكن اجسادهن كلها (نقاب)؟" لو طرحناه بطريقة اخرى مثل: "لماذا قررت النساء المسلمات التوقف عن محاولات متابعة المسيرة الانسانية والالتحاق بها؟"، هل يمكننا ان نجد للسؤال اجابة.

مقترح اجابة!

يقص القرآن حكاية نبي الله ايوب من زاوية مختلفة تماما عن الزاوية التي يرويها بها التراث الشعبي المصري.

البطل في القصة القرآنية هو الرجل؛ النبي ايوب، الذي صبر على مرضه الشديد ولم يكفر بدينه وربه. تمسك ايوب بما يؤمن به وثبت عليه، رغم ان البلاء استمر معه زمنا طويلا، ورغم ان البلاء استنفد ماله وجاهه واعوانه حتى بات وحيدا فقيرا لا حول له ولا قوة. وطبعا في نهاية هذا الامتحان العسير الطويل يقول القرآن ان الله كافأه على ثباته وتمسكه بما يؤمن به مكافأة حسنة فرد له صحته وعافيته وماله واعوانه. والله خير الرازقين.

ولكن البطل في القصة الفلكولورية المصرية (التي سجلتها الاذاعة المصرية في صورة اوبريت غنائي شهير كان يذاع كثيرا في الستينات) هي ناعسة امرأة ايوب، التي لم يأت القرآن على ذكرها؟! حقا ذكرت الحكاية الفلكولورية تفاصيل الحياة الجميلة التي كان يحياها ايوب المصري قبل مرضه، بما امتلكه من ضياع وبساتين ومال ودور وماشية واغنام ودجاج وعبيد واعوان. ولكن الحكاية الشعبية ركزت على ان ما كان لدى ايوب من اسباب الحياة الجميلة ايضا زوجته ناعسة.

اعطت الرواية لناعسة غير اسمها الدال على انها صاحبة عيون جميلة ناعسة، اعطت لها شعرا طويلا رائعا كان مثار حسد كل نساء البلدة، يتمنين لو انه لهن.

وحين تصل الرواية المصرية الى نقطة ذروة الدراما القرآنية في قصة ايوب بمرضه وضياع دوره وجاهه واعوانه، مع ثباته على ايمانه وصبره، ينتقل الراوي الشعبي الى ذروة درامية اعلى، حين تحمله زوجته الوفية في قفة على ظهرها وتتنقل به طلبا للعلاج والتداوي، ولا تتركه مثل بقية من كانوا عنده وتركوه.

وبعد ان اعيت السبل ناعسة لقضاء نفقات علاج جسد زوجها المقروح، بدأت تسأل الناس المساعدة. وهنا نصل الى ذروه اعلى واعلى في الدراما الشعبية! طالبت نساء القرية ناعسة ان تبيع شعرها لهن نظير ما تحتاجه من نقود لعلاج زوجها.

باعت ناعسة شعرها لتأتي بالعلاج الذي سوف يشفي زوجها من المرض... تخلت عن اجمل ما لديها لتأتي بنفقات علاج رجلها...

فماذا تستفيده ناعسة من اجمل شعور الارض وزوجها كومة من اللحم والعظام في قفة، مريضا مقروحا ثابتا على ايمانه؟

والان في زمننا الحاضر، لماذا تتخلى نساء المسلمين عن شعورهن؟! لابد ان يبحث الرجال المسلمون عن اجابة وعن حل...

٢٠ اكتوبر ٢٠٠٦.