تحرر المرأة والاشتراكية (ترجمة)



مرتضى العبيدي
2024 / 3 / 8

وكما كان انتصار الثورة الروسية عام 1917 بمثابة التأكيد العملي على صحة المقولات الماركسية، فإنه يمكن القول أيضًا إنه أظهر أن تحرر المرأة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الاشتراكية. فعندما أطاح البلاشفة بسلطة البرجوازية وملاك الأراضي، كان وضع المرأة في روسيا مشابهًا، إن لم يكن أسوأ، لما هو موجود في البلدان الأخرى، إذ تم إبعادهن إلى الخلف في جميع مجالات الحياة، وإخضاعهن لنظام التمييز والقمع.
فمنذ أيامها الأولى، أدخلت حكومة العمال والفلاحين الناشئة تغييرات عميقة على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلاد، بهدف تحقيق المساواة الاجتماعية، التي كان من بين أهدافها التغلب على عدم المساواة بين الجنسين، بين الرجال والنساء في تنظيم الاقتصاد، والمشاركة في الجهاز السياسي للدولة، وكذلك في الأسرة والمجال المنزلي، وقد تم اتخاذ عدة تدابير لتحقيق هذه الغاية.
إذ تمت الموافقة على مراسيم مختلفة في هذا الاتجاه، لكن الأداة القانونية والرمزية التي تضمنت المفهوم الماركسي لكيفية التغلب على الوضع الذي كانت عليه المرأة تمثل في قانون الأسرة السوفييتي (1918).
فمن خلاله، ولأول مرة في التاريخ، حصلت نساء أي بلد على مجموعة من القوانين المصممة لضمان المساواة الكاملة لهن أمام الأب والزوج؛ كما أن أطفالهن المولودين خارج إطار الزواج سيكفّون عن المعاناة من الفقر ووصمة العار المتمثلة في عدم الشرعية، فكانت المساواة بين المرأة والرجل وحماية الأطفال السمتين الرئيسيتين لهذا القانون.
كما تم التنصيص عن الزواج والطلاق كمسألة تتم بالتراضي بين الزوج والزوجة، ويمكن أن ينتهي الزواج عندما لا يرغب أحد الزوجين أو كليهما في استمراره؛ ولم تعد المرأة ملزمة بالحصول على جنسية زوجها، ويحق لها الاحتفاظ بلقبها. وقد أثار هذا القانون تساؤلات حول الطابع الأبوي لقانون الأسرة في البلدان الرأسمالية؛ وبعد الموافقة عليه، قامت العديد من الدول الغربية بإدخال عناصر المساواة بين الجنسين تدريجياً في قانون العلاقات الأسرية. وجاء الدستور السوفييتي لعام 1936 للإعلان عن المساواة بين الجنسين. وبالمثل، بعد سنوات، بدأت بلدان أخرى في إدراج المساواة بين الجنسين في تشريعاتها التي نصت على ضمان حصول المرأة على "حقوق متساوية مع حقوق الرجل في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية". وكان الاتحاد السوفييتي أول دولة في العالم تعترف بالحق في الإجهاض.
منحت قوانين العمل السوفييتية للمرأة حقوقًا لم تُمنح لها إلا بعد وقت طويل في بلدان أخرى. وإذا اقتضت الظروف تخفيض عدد الموظفين، فإن الأمهات العازبات اللاتي لديهن أطفال تقلّ أعمارهم عن عام واحد يُمنحن فرصة الاحتفاظ بوظائفهن، وبشكل عام، لن يتم طرد النساء بسهولة أكبر من طرد الرجال. كما مُنحت النساء إجازة أمومة مدفوعة الأجر مع ضمان العودة إلى الوظيفة السابقة بعد ولادة الطفل؛ كما يتم دفع الاستحقاقات للعاملات اليدويات قبل ثمانية أسابيع من الولادة وثمانية أسابيع بعدها، وللعاملات غير اليدويات قبل ستة أسابيع من الولادة وستة أسابيع بعدها.
وتكفل الدولة رعاية الأطفال الرضع بالقرب من مكان إقامة أو عمل الأم؛ ولم يعد يُسمح بنقل النساء الحوامل لأسباب مهنية دون موافقتهن؛ ويحظر العمل الإضافي للعاملات اليدويات اعتباراً من الشهر الخامس من الحمل وأثناء الرضاعة. وفي العلاقات الشغلية، وفقًا للدستور السوفييتي، تتمتع المرأة بنفس الحق الذي يتمتع به الرجل، وبالمساواة في الأجر، وحقوق الإجازات المتساوية، واستحقاقات الضمان الاجتماعي المتساوية؛ كما تم ضمان نفس الفرص التعليمية لهنّ؛ وتستفيد الأمهات العازبات ومَن لديهن العديد من الأطفال من الإعانات الحكومية.
وقد دافع الاتحاد السوفييتي في المحافل الدولية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي ألزمت الحكومات باحترام المساواة بطرق عديدة تضمّنها قانون الأسرة الروسي لعام 1918. وقد أرسى هذا الاقتراح المساواة للمرأة في الحياة العامة كحق من حقوق الإنسان. إلا أنه لم تتم الموافقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز إلا في عام 1979، ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 1981 رغم أنه تم إعدادها ومناقشتها من قبل لجنة وضع المرأة، التي أنشأها المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في عام 1946.
لقد حدثت عملية الاعتراف بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وتنفيذها في نفس الوقت الذي حدثت فيه تحولات كبرى في تنظيم الإنتاج: تصفية ملكية كبار ملاك الأراضي، وتسليم الأراضي إلى الفلاحين، والسيطرة على الإنتاج والإدارة السياسية للمجتمع من قبل السوفييتات، وتأميم الصناعات الكبيرة، فكان هذا هو الأساس المادي الذي قامت عليه عملية تحرر المرأة.
أعلن لينين، في خطابه أمام المؤتمر الأول للنساء العاملات لعموم روسيا (نوفمبر 1918)، أن "القانون ليس هو الشيء الأكثر أهمية"، بل تغيير الظروف الحقيقية لحياة الطبقة العاملة والشعب وهذا ما فعلته السلطة السوفييتية منذ نشأتها، وحتى فترة ازدهار الاشتراكية بقيادة الحزب الشيوعي (البلشفي) في عهد جوزيف ستالين.
في نفس الخطاب، وصف لينين النساء العاملات بأنهن "القطاع النسائي في الجيش البروليتاري"، وبالتالي وضع الرجال والنساء على قدم المساواة في المسؤوليات في النضال من أجل إنهاء الرأسمالية وفي النضال من أجل بناء الاشتراكية. وحذر من أنه "لا يمكن أن تكون هناك ثورة اشتراكية إذا لم تشارك فيها الغالبية العظمى من النساء العاملات بشكل كبير". قال لينين: "في جميع البلدان المتحضرة، حتى الأكثر تقدمًا، تكون النساء في الواقع مجرد عبيد في المنازل. في أي دولة رأسمالية، ولا حتى في أكثر الجمهوريات حرية، لا تتمتع المرأة بحقوق متساوية كاملة. لذلك فإن إحدى المهام الأولى للجمهورية السوفيتية هي إزالة جميع القيود المفروضة على حقوق المرأة".
وفي نهاية خطابه، أعرب لينين في كلمات يتردد صداها كتوجه سياسي صالح تمامًا اليوم: “لقد أظهرت تجربة جميع حركات التحرر أن نجاح الثورة يعتمد على درجة مشاركة المرأة. إن السلطة السوفييتية تبذل كل ما في وسعها حتى تتمكن المرأة من تطوير النشاط الاشتراكي البروليتاري المستقل".