العنف ضد النساء في زمن حقوق الانسان



لمسلم رشيد
2006 / 12 / 7

يتسم العالم المعاصر بظاهرة العنف بوجه عام حيث لم تسلم من هذه الظاهرة منطقة أو ثقافة وهذه الظاهرة لا تشكل فقط تهديدا لمنجزات الإنسان المادية والاجتماعية ولكنها حيث تمتد نحو المرآة أي الفئة المستهدفة التي يجب أن تحظى بمزيد من الرعاية والاهتمام حيث يتصاعد العنف ويصل الى المرأة. فالتهديد يكون موجها نحو العقل والضمير الإنساني معا.
وتعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة لكونها ظاهرة عالمية تعاني منها المرأة في كل مكان وأينما كانت. وان اختلفت أشكالها وعلى الرغم من الانتشار الواسع لهذه الظاهرة إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الكافي إلا مؤخرا حيث بدأت الحركة النسائية العالمية, تؤكد على أهمية ربط قضايا المرأة بقضايا حقوق الإنسان.
واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الأساسية وتستقطب ظاهرة العنف ضد المرأة اهتماما عالميا وقد بدا ذلك جليا من خلال الندوات الدولية والأبحاث والدراسات التي طرقت هذا المجال وكذلك ظهرت أشكال عديدة من العنف بدرجات متفاوتة مما حدا بالأكادميين وعلماء النفس والفلاسفة والأخصائيين الإجتماعيين إلى السعي لإيجاد قوانين وتشريعات تحمي المرأة من أشكال العنف المتعددة .
الحديث اليوم عن العنف ضد المرأة ليس بخطاب حديث العهد ولا يمكن تزمينه في اطار تاريخي ما دام أنه أسكن الإنسان منذ وجوده والكلام عن هذا العنف يستحيل أن يضع لنفسه تعبيرا بمعزل عن وجود سلطة الرجل الباترياركية والتي وإن تعددت دوافعها فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه يصب في شاكلة العنف إما عنفا لغويا ( السب والشتم) وإما عنفا فعليا ( الضرب، الجرج والقتل) إلا أن قصر العنف ضد النساء في هذا الإطار قد يبدو غير كاف للإحاطة بمفهوم هذا السلوك الشاذ ويبقى كذلك عاجزا عن إطفاء الشمولية عليه طالما أن هناك إجماع على تطوره وتغييره من سياق سو سيو ثقافي لآخر مع الاحتفاظ بالمرجعية التابتة تتمثل بتحدي الإساءة المعنوية للمرآة فالأكيد أنه من أعرق الحضارات التي شهدها تاريخ البشرية تشترك في تعاملها مع المرأة باعتبارها إما ملكا اروتيكيا لا يجدي إلا في إشباع رغبات الجنسية وإما كائنا شيطانيا يتخطى وراء ملامح انوتيا وإثارة الفتن فيما بينهم ومن تم ألصقت بالجنس الأنتوي صورة المرأة المشؤومة La femme fatale ودونت في حقها مجموعة من الكتابات الميزوجينية ( العداء للمرأة ) المغالية في نعت المرأة بأنكر الأوصاف وقد حرمت من حشر نفسها في كل ما يعتبر حكرا على الرجال.

(1) ابراهيم مبشور: "على هامش الحملة الوطنية لمناهضة العنف" تعبئة دائمة لاجثتات الآفة-

إن الإسهاب في موضوع الإساءة للمرأة يكاد لا يهتدي إلى نهاية إلا أن أهم حكم يمكن استشفافه أن العنف لا يمكن حصره في حدود الضرب والإهانة وما شابههما من أساليب التعسف بل هو سلوك أخذ في التشعب بشكل متواصل وتجرنا هذه التوطئة المتواضعة إلى التعريف بالعنف:
يكاد يكون من الصعب تقديم تعريف موحد للعنف في علم النفس وعلم الاجتماع يختلف عن تعريفه في علم القانون أو علم الإجرام كما أنه يعرف أحيانا بطرق تختلف باختلاف الأغراض التي يكون مرغوبا الوصول إليها.(2)

من الناحية التاريخية فإن كلمة العنف violence مشتقة من الكلمة اللاتينية vis أي القوة وهي ماضي كلمة firo والتي تعني يعمل. وعليه فإن كلمة عنف تعني حمل القوة أو تعمد ممارستها تجاه شخص أو شئ ما، ويشير قاموس راندو هاوس Randon House إلى أن مفهوم العنف يتضمن ثلاث مفاهيم فرعية هي فكرة الشدة والإيذاء والقوة المادية ويرى روبرت اودي أن العنف يعني الهجوم أو الإساءة إلى شخص ما سواء كانت مادية أو معنوية ويتوسع كرافر graverفي تحديد مفهوم العنف هو اعتداء على شخص إنسان إما في جسمه أو سلب حريته. فالاغتصاب مثلا يعد اعتداء على جسم المرأة وهو في الوقت نفسه يؤثر سلبا في نفسيتها.
ويضيف كرافر graver أن مفهوم العنف يتضمن مصادرة أو إلغاء قدرة الشخص وحقه في اتخاذ القرار الذي يخص جسمه أو حياته أو سلوكه، وتشير الموسوعة العلمية universols، إلا أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف فرد أو جماعة ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولا أو فعلا، وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
وذكر قاموس وبستر أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية يفرض الأضرار بالغير وتعني مفهوم العنف في هذا البحث هو تعمد الإضرار بالمرأة وقد يكون شكل هذا الضرر مادي من خلال ممارسة القوة الجسدية بالضرب أو معنوي من خلال تعمد الإهانة المعنوية للمرأة بالسب أو التجريح أو الإهانة.
إذا فهو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية يهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في اطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية (1) فالسلوك أو الفعل الموجه إلى المرأة على وجه الخصوص سواء أكانت زوجة أو أما أو إبنة يخلق معاناة جسدية وجنسية ونفسية وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الخداع أو التهديد أو الإستغلال أو التحرش أو الإكراه أو العقاب أو إجبارها على البغاء أو أية وسيلة أخرى وإنكار وإهانة كرامتها الإنسانية أو سلامتها الأخلاقية أو التقليل من أمن شخصها ومن احترامها لذاتها أو شخصيتها أو للانتفاض من إمكانياتها الذهنية والجسدية.
ويعني مصطلح العنف ضد المرأة اي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتما أن ينجم عنه أدى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة مما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.

(2) قاموس راندوم هاوس - الموسوعة العلمية - قاموس webster Random house dictionary
2. إعلان مؤتمر فينا لحقوق الإنسان 1993


يتبع