lieu communالمرأة من حيث هي موضع مشترك



سعيد أراق
2006 / 12 / 7

في الوعي الجمعي, يبدو مفهوم المرأة مشبعًا إلى حد التضخم بقيم مضافة وبانتقاصات أو استزادات تنشأ حسب المراد وتُصاغ تحت الطلب. وهذا ما يجعل مفهوم المرأة موضعًا مشتركًا منفتحًا على شتى التمثلات والمقاربات الجاهزة وشتى أنواع القول وفصل الخطاب. لقد غطت كلمة المرأة من حيث هي مفهوم وخطاب على المرأة من حيث هي كائن وكيان. وربما كان التضخم الذي يقترن اليوم بخطاب المرأة وبالخطاب حول المرأة أشبه ما يكون بالتوالدات اللفظية التي تقتات بلاغيًا من الواقع المتمَثَّل بَدَلاً من الواقع المتحَصَّل عينيًا وعيانيًا كتجربة وسياق. إن ربط قضية المرأة بالرهانات التنموية والمطامح الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان, يعتبر–من الناحية المبدئية العامة- أمرًا مقبولاً ومحبذًا بدون أدنى شك. لكن حين يتحول هذا النوع من الخطاب إلى محض خَطابة, وحين تنجلي فورة الشعارات لتنكشف قتامة الحال وحلكة المآل الذين تتردى فيهما فئات النساء الواقعات على الهوامش, والحاضنات لغبنهن بمنطق الغريق الذي لا يعوزه الاستسلام- حينها تتبدى الحقيقة المعتِمة التالية: ليست قضية المرأة في نهاية المطاف سوى بؤرة بلاغية ومحض خطاب. فهي في الخطاب السياسي, رهان انتخابي. وهي في الخطاب الإشهاري, رهان ترويجي. وهي في الخطاب الفني المعمَّم عبر القنوات المائعة, رهان جنسي وغرائزي. وهي في الخطاب الحقوقي, رهان سياسي خارجي. وهي في المشهد الثقافي العام, رهان تزويقي وتزييني. وهي في الخطابات الفكرية الفجة أو المتناضجة, شعار تقدمي وادعاء حداثي. وهي في أغلب الخطاب النسائي, رهان نٍسْوُقْرَاطِي أو كائن مهووس محتقن بتمرده الكئيب أو مجلل باستيهاماته المضنية. وهي خلف كل هذه الواجهات المسرفة في إنتاج الخُطَبِ والخطابات, ليست كينونة ذات دلالة في حد ذاتها وحدود كيانها وصفاتها, بقدر ما هي كينونة خطابية متضخمة ومطوَّعَة أحيانًا لتحقيق مكاسب ماكرة أوتعميم وعي شقي بالظلم والانتفاء. وفي لجة هذه الخطابات التي لا تحمل من الجديد إلا الاستيهامات وفائض الكلام, يتضخم الدال على حساب المدلول, وتتفاقم القيم المضافة لتحجب القيمة البدئية والأصيلة. وبذلك يتم الإبقاء على البعد التجريدي والصوري للمرأة بمجموع قضاياها ومجمل زواياها, فيؤدي ذلك إلى تنويم وتعويم الكيانات المفردة والمتعددة (النساء), واختزالها في كيان صوري وإسقاطي محض يوحي ظاهريًا وإيديولوجيًا بمرجعية دلالية متجانسة (المرأة). لكن واقعنا المغربي الذي يعرفنا ونعرفه, يدل بما لا يدع مجالا للشك أن مفهوم المرأة عندنا لا ينطوي على إحالة متجانسة قمينةٍ اجتماعيًا وثقافيًا بحصر وتغطية كل فئات النساء من مختلف الأوساط الاجتماعية. فحين نتحدث في المغرب عن المرأة, يطرح السؤال التالي: عن أي امرأة نتحدث بالتحديد والضبط والتعيين؟. وذلك بالنظر إلى أن الفرق أحيانًا بين المرأة والمرأة في المغرب, قد يكون أوسعَ وأَشْسَعَ حتى من الفرق بين الرجل والمرأة. يوجد فرق بمقاسات كونية بين المرأة المغربية التي تعيش مطمورة في قرية جبلية نائية لا وجود فيها لأدنى مظاهر المدنية والحضارة, وبين المرأة المغربية التي تحيا وفق الطريقة الفرنسية أو الأمريكية والتي أقصى ما تعرفه عن المغرب والمغاربة لا يصل إلى نصف ما تعرفه عن عشيقتها فرنسا.
إن كلمة (المرأة) لم تعد مجرد "اسم جنس" بالاصطلاح النحوي, بل أصبحت في المنطوقات الخطابية والتدبيرات الثقافية, إحالة صورية على قضية تجريدية واقعة ضمن سياق التوظيف السياسي أو الانتخابي أو الترويجي أو التنفيسي أو التمييعي. وذلك بمعزل عن منطق التدبير الميداني الذي يتيح التعرف فعلا على المرأة من خلال مُتعدِّدِها المتمثل واقعيًا وكيانيًا في (النساء). وحتى حين تتوقف الخطابات مؤقتا لإفساح المجال للعمل الميداني من أجل النساء في الضواحي المهمشة أوالمداشر أوالقرى أو الأحياء, سرعان ما يتحول هذا العمل الميداني نفسه إلى مبادرة إحسانية خاضعة لمنطق التفضل والصدقة واستجلاب الثناء والامتنان بدل ارتهانها للمنطق الحقوقي: الحق في السكن اللائق والطرق المعبدة والعيش الكريم والمستقبل الواعد وتكافؤ الفرص..الخ.