التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقية



كاظم حبيب
2003 / 7 / 9

كاظم حبيب

نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام

الحلقة السابعة عشر

التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقية

عندما انتصرت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 امتلأت شوارع العراق كله بالمتظاهرات والمتظاهرين وعمت الفرحة في كل مكان وكانت لهذه الاحتفالات الشعبية الرائعة في الشوارع تأثيرها المباشر على حسم الأمور وإيقاف محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للعراق من قبل القوات الأمريكية التي كانت قد تجمعت في لبنان والقوات البريطانية والأردنية التي كانت تنوي التدخل من الأردن, إضافة إلى القوات البريطانية التي كانت معسكرة في معسكري الحبانية والشعيبة. ورغم سقوط بعض القتلى من العائلة المالكة ونوري السعيد, والتي كان بالإمكان تجنبها, فأن الثورة عموماً كانت بيضاء مسالمة ولم تسجل أعمال عنف أو نهب وسلب كبيرة في ما عدا دار سكن عبد الإله, قصر الرحاب, الذي أطلق عليه فيما بعد قصر النهاية حيث كان البعثيون يعذبون ويقتلون ضحاياهم من شيوعيين وديمقراطيين ومستقلين ومعارضين لانقلابهم المشؤوم في الثامن من شباط/فبراير من عام 1963.
وبعدها شاركت المرأة في كل الفعاليات الجماهيرية وتعزز دورها ودور منظمتها, رابطة المرأة العراقية, في الحياة السياسية وحسم الصراع الذي دام طويلاً حول الكثير من الأمور التي كانت مثار خلاف بشأن المرأة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العراق لصالحها. واحتلت الدكتورة نزيهة الدليمي منصب وزيرة (الشؤون البلدية) لأول مرة في تاريخ العراق والدول العربية. كما صدر قانون الأحوال الشخصية الذي حاول إنصاف المرأة نسبياً ومساواتها في بعض الأمور بالرجل. وبدأت المرأة تضع أكثر فأكثر عباءتها جانباً, هذا السجن المعتم الإضافي الذي لا نجد له مكاناً في القرآن أو في السنة النبوية, بل نجده في عهود الانحطاط السياسي والاجتماعي والثقافي, وتدخل إلى المصانع والمؤسسات لتعمل بجوار الرجل معززة بصورة تدريجية ثقتها بنفسها. لقد كانت ثورة تموز مدخل المرأة الحقيقي للحياة الجديدة, لقد كسرت الكثير من القيود والتقاليد والتركة الثقيلة عمرها مئات السنين دفعة واحدة ولصالحها وصالح المجتمع بأسره. وكانت هذه الظاهرة الرائعة أحدى أجمل وأفضل منجزات ثورة الرابع عشر من تموز والتي تسجل لصالح الثوار حينذاك وفي مقدمتهم عبد الكريم قاسم وكل المناضلين في سبيل حقوق المرأة. وكان المؤمل أن تتطور هذه الحالة لصالح المزيد من مشاركة المرأة في الحياة العامة لولا وقوع الانقلابات المتلاحقة وضياع الكثير من المعايير الديمقراطية والتقدمية في العراق وفقدت المرأة الكثير من حقوقها, رغم اتساع وجودها في الجامعات العراقية وفي دوائر الدولة وفي النشاط الاقتصادي.
وفي أعقاب سقوط النظام العراقي في حرب الخليج الثالثة في العاشر من نيسان/أبريل 2003 لم نجد للمرأة وجوداً في المظاهرات التي هزت شوارع بغداد وحطمت تماثيل رأس النظام وصوره. وكانت المظاهرات كلها إطلاقاً ذكورية, وفي الغالب الأعم كانت الدشداشة والكفية والعقال أو العمامة هي التي تملأ الصور المنقولة عبر أجهزة التلفزة الفضائية إلى العالم. فهل هذا يعني أن المرأة لم تكن سعيدة بسقوط النظام العراقي, أم أن هناك عوامل كثيرة وراء هذه الظاهرة التي ما تزال تعرض للعالم على شاشة التلفزة في ما عدا بعض صور النساء المحجبات بطرق مختلفة؟
علينا أن نقرر ابتداءاً, ووفق تتبعنا لواقع المرأة في عراق النظام الدكتاتوري, بأن المرأة العراقية كانت تنافس الرجل في السعادة لخلاصها من نظام الاستبداد الذي أثقل عليها ومسخ صورتها وشخصيتها وسلبها حقوقها وعرضها للتعذيب والتهجير القسري والتسول والقتل, وعلينا أن نتحرى عن أسباب هذه الظاهرة في طبيعة النظام وفي سياساته إزاء المرأة أولاً وقبل كل شيء. 
خلال 35 عاماً من حكم الطاغية مورست في العراق سياسات مختلفة إزاء المرأة, بدأت بمنحها الحرية ودخولها على نطاق واسع إلى المدارس والجامعات والوظائف والمؤسسات المختلفة والنشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومكافحة الأمية. ثم بدأت مرحلة خير الله طلفاح الذي بدأت شرطته وشرطة النظام تلاحق النسوة وتصبغ أرجلهن حيثما ظهر القليل من سيقانهن أو قص شعر الرجال حيث ازداد قليلاً عما كان يريده طلفاح. وكانت فترة عصيبة وقاسية على الناس, ثم بدأت الحرب العراقية-الإيرانية وبدأ استخدام المرأة يتسع بسبب سوق الرجال إلى ساحات الحرب المجنونة, ثم انتهت الحرب وبدأت البطالة تلف عشرات ألآلاف من الناس مما دفع بالنظام إلى تسريح النساء على نطاق واسع. ثم تفاقمت هذه الحالة في أعقاب حرب الخليج الثانية وذبح الانتفاضة الشعبية عام 1991 وبدء الحصار الدولي على العراق.
وخلال كل تلك الفترات تعرضت المرأة العراقية, العربية والكردية والآشورية والكلدانية والتركمانية إلى مصاعب كبيرة جداً لا يمكن وصفها بسهولة. فقد تراجع النظام تدريجاً عن علمانيته الشكلية إلى عصر الانحطاط الشديد ومحاولة إضفاء الطابع الديني على سلوكه لكسب قوى الإسلام السياسي والعالم الإسلامي إلى جانبه في منافسته للنظام الإيراني في تشدده على المرأة الإيرانية حيث أعاد بها القهقرى إلى عقود القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكانت المرأة تعاني من خسارة الأب والزوج والابن والأخ وابن العم والخال والأخت والأخ, كانت تفقد يومياً هؤلاء وتترمل أو تتيتم بفعل الحرب وضحاياها من الرجال وبفعل القتل الدائم في سجون ومعتقلات ودهاليز النظام, أو بسبب التشريد والتهجير القسري وحملات الأنفال الدموية في كردستان العراق وعمليات تدمير الأهوار ...الخ. إضافة إلى أن البطالة عمت صفوف النساء أضعاف ما شملته من الرجال. فدفعت هذه الأمور المرأة إلى مواقع خلفية, إلى مواقع لم تكن تريدها أو تسعى إليها, بل كانت تحاربها بكل قوة ويقين. وغالباً ما يلجأ الإنسان, رجلاً كان أم امرأة, إلى الغيبيات ويغوص في أعماق التخلف يتحرى عن منقذ لمصائبه وويلاته, منشطاً ومستخدماً أعمال السحر والشعوذة بأمل الوصول إلى الراحة النفسية والعقلية. وعادت المرأة من جديد إلى سجنها الإضافي, وغرقت تحت سواد الحجاب المعتم بعد أن نزعته نسبة مهمة من نساء العراق, خاصة بين الصبايا والشابات والموظفات والمستخدمات والعاملات وطالبات الجامعات العراقية ...الخ.
لقد مارس نظام صدام حسين قطع رؤوس النساء بالجملة ومارست عصاباته الأمنية وفدائييه اغتصاب  النساء في السجون والمعتقلات أو عند مداهمة البيوت, إضافة إلى اغتصاب الرجال, ودفع بالآلاف منهن إلى مواقع الدعارة بسبب الحاجة المادية وظروف العيش القاسية, كما صدر النساء عنوة إلى الدول العربية وغيرها ليعملن كراقصات وبائعات للهوى بناء على طلبات شركات معينة في تلك الدول. وفي الوقت الذي كان يدفعهن إلى هذه المواقع أصدر قرارات بقطع رؤوس من يلقى القبض عليهن بتهمة الزنى, في حين كان يستخدم هذه الحجة لقتل النسوة العاملات في السياسة والمعارضات لنظامه الاستبدادي. لقد أجبر النظام وبصورة قسرية تهجير مئات الآلاف من النساء العراقيات إلى إيران وإلى غيرها من البلدان بحجة إنهن من تبعية إيرانية شملت الكرديات الفيليات والعربيات من الوسط والجنوب.   
وزاد في الطين بلة تحول الدكتاتور صدام حسين إلى مواقع الردة الفكرية والسياسية والاجتماعية وإلى داعية دين كاذب, إلى مواقع العلاقات الإنتاجية الإقطاعية, حيث فقدت المرأة كل حقوقها وأصدر بذلك قوانين مجحفة جداً بحق النساء اللواتي كان يطلق عليهن اسم "الماجدات" لتضحياتهن بالآباء والأخوة والأزواج والأبناء وأولاد الخال والخالة والعم والعمة, وبحقوقهن المشروعة حتى وفق الشريعة الإسلامية. لقد أصدر صدام حسين قرارات ذات بأس شديد ضد المرأة لا بد لنا من إيراد بعضها لندلل على الواقع المظلم الذي دفع صدام حسين المرأة إليه.
أصدر الدكتاتور صدام حسين القرار رقم 111 في 28 شباط/فبراير 1990 جاء فيه ما يخالف كل لوائح حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية والقوانين الخاصة بمنع كل أنواع التمييز ضد المرأة. وإلى القارئة والقارئ أبرز بنود هذا القرار الذي يتميز بالعنف والإجحاف والرجعية:
[أولاً: لا يسال جزائياً من قتل عمداً أو عمداً مع سبق إصرار:
1. أمه أو أخته أو عمته أو بنت أخيه أو بنت عمه غسلاً للعار.
2. من ارتكب مع إحدى المذكورات في البند 1 من هذه الفقرة الفعل المخل بالأخلاق في دار الزوجية أو دار الأهل إذا كان قتله قد وقع بعد قتلها وكان الباعث لقتلهما واحداً.
ثانياً: إذا كان القتيل قد ارتكب مع إحدى المذكورات في البند 1 من الفقرة أولاً الفعل المخل بالأخلاق في دار الزوجة عد ذلك مخففاً بموجب المادتين 128 و129 من قانون العقوبات.
ثالثاً: يعاقب بالإعدام من اتخذ أحد الأعذار المنصوص عليها في هذا القرار ذريعة لتنفيذ جريمته وظهر كذب ادعاءه.]         
وصدر عن الدكتاتور أكثر من قرار وقانون يجيز فيه ضرب المرأة والحجر عليها بحجة تأديبها دون التعرض لعقوبة قانونية, كما صدر قانوناً يقضي بعقوبة الإعدام ضد المرأة المشتبه في سلوكها وضد من تدير محلاً للدعارة أو من تسهل ذلك .   
واستخدم النظام النساء بشكل واسع لأغراض التجسس ضد عائلاتهن أو إرسالهن للعمل في الدعارة للحصول على معلومات أو لأغراض ابتزاز الرجال بعد التقاط الصور والأفلام أثناء الممارسة الجنسية. ثم سخرهن لأغراض تنظيم المظاهرات التي تساند النظام الاستبدادي أو حتى التظاهر ضد حقوقهن وتأييداً للقوانين التي أصدرها ضد حقوق المرأة.
إن كل ذلك وغيره جعل نسبة عالية من النساء العراقيات بعيدة كل البعد عن السياسة وعن الاهتمام بالأمور السياسية, إذ أن مشاكلهن اليومية كانت فوق طاقة البشر, ابتداءاً من المطب وتأمين الطعام والدواء ومصرف البيت, خاصة إن كن أرامل أو يتيمات ..الخ.
إن كل هذه المصائب والمحن أولاً, ثم الحرب التي كن النساء لا يرغبن فيها, إذ أدركن بأن الضحايا لن تكون غير بنات وأبناء الشعب ذاته, ثانياً, والأوضاع الصعبة وفقدان الأمن والنهب والسلب والسطو والقتل, إضافة إلى انتشار ودور القوى الدينية في تلك التظاهرات بشكل خاص ثالثاً, كانت أبرز الأسباب وراء احتجاب المرأة وعدم ظهورها في المظاهرات التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري ورأسه.
 
وقبل سقوط النظام لجأ صدام حسين إلى تكوين مجموعات من النسوة كلفت بمهمات معينة في حالة سقوط النظام, إذ كان ذلك متوقعاً ولحالات الطوارئ. وإليهن وجه أيضاً خطابه المسجل الذي أذيع بطبيعة الحال من قناة الجزيرة, حين تحدث من جديد عن الماجدات العراقيات ليحثهن على أداء تلك المهمات التي كلفن بها. فما هي المهمات التي كلفن بها قبل سقوط النظام الدموي؟
1. تأمين مخابئ سرية جيدة للكوادر السياسية والأمنية والفدائية السرية التي ستأخذ على عاتقها مهمات معينة للتشويش على الوضع الجديد.
2. تأمين عمليات نقل الرسائل المتبادلة بين أعضاء القيادة السرية وإيصال القرارات والبيانات التي يصدرها صدام حسين إلى من يهمه الأمر.
3. السعي إلى زيارة العوائل المختلفة لحث الرجال على المقاومة والصمود أو إيصال رسائل تهديد ضد من يراد تهديدهم وابتزازهم أو إشاعة الخوف في نفوسهم من انتقام عصابات صدام حسين.
4. استخدام ما تمتلكه قوى النظام السابق من وثائق كثيرة ضد نساء شاركن في أعمال كثيرة, بما فيها العهر, لتهديدهن بالعمل لصالح صدام حسين وإلا ستنشر تلك المعلومات على نطاق واسع وعبر الصحف المحلية أو العربية. ومن بين تلك الأعمال إرسالهن لإقامة علاقات صداقة وحب مع شخصيات سياسية عادت لتوها من الخارج أو كانت مقيمة في العراق لتوريطهم بعلاقات هوى وجنس ثم التقاط الصور والأفلام لهم ووضعهم تحت رحمة الابتزاز للعمل معهم وإلا فستنشر تلك الصور أو الأفلام. علماً بأن هذه القوى قد شكلت فرقاً فنية لأغراض تزوير الوثائق والشهادات والصور وفق حاجتها إليها. 
5. وفي حالات الضرورية مشاركتهن في العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال وضد القوى السياسية العراقية.
6. العناية بجرحى العمليات العسكرية التخريبية ونقلهم إلى مواقع آمنة.
7. التغلغل إلى صفوف الأحزاب السياسية وفي المجالات التي يمكنهن الولوج إليها لتأمين مواقع لهن ولعملهن لصالح صدام حسين.
8. نشر الإشاعات المغرضة والدعائية للنظام ضد قوات الاحتلال ومحاولة تدنيس سمعة البعض لأغراض دنيئة بحجة التعرض بهن.
9. تنظيم التظاهرات الممكنة من الرجال أو المشاركة أيضاً في مظاهرات للاحتجاج على قوات الاحتلال أو المطالبة ببعض المطالب لتعبئة الناس ضدها وضد القوى المتحالفة معها.
10. وفي حالة الضرورة المشاركة في نقل الأسلحة الخفيفة من منطقة إلى أخرى ووضعها تحت العباءة.
11.  القيام بضجة كبيرة في حالات القيام بحملات التحري عن أقطاب وقوى النظام وتفتيش البيوت لمنع قوات الاحتلال من الاستمرار بتلك العمليات, بحجة خرق حرمة البيوت والتجاوز على التقاليد الإسلامية.
12. إرسالهن إلى الخارج كمراسلات لحمل الرسائل والوثائق الضرورية التي يمكن لقوى البعث ومؤيدي النظام استخدامها ضد الوضع الجديد وضد قوات الاحتلال وضد القوى السياسية العراقية وتأمين انسياب المساعدات لها.
إن القوى السياسية العراقية تواجه اليوم نظاماً دموياً سقط دفعة واحدة, ولكن بعض قواه لم تستسلم ولم تعترف بالانكسار. ومن تابع بعض الفضائيات العربية سيجد أنها ما تزال تتحدث عن الرئيس العراقي, وليس عن الرئيس السابق أو الرئيس المخلوع, ولهذا دلالات غير قليلة على موقف تلك الفضائيات من النظام السابق والوضع الجديد. وأن قوى صدام حسين تمتلك من الأساليب ما يمكن أن يورط الكثير من المناضلين العائدين من الخارج أو المناضلين الذين كانوا في الداخل بعلاقات مع نساء يرسلن من قبل عصاباته لإقامة علاقات جنسية معهم ثم التقاط الصور والأفلام لهم ونشرها في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم في التعاون معهم. إن هذا الاحتمال ينبغي أن لا يغيب عن بال المناضلين في خضم وزحمة العمل.وأساليب الأمن السابقة ذكية ومدروسة جيداً, إذ أنها امتلكت خبرة الأمن في البلدان الرأسمالية والاشتراكية على حد سواء في هذا الصدد.
وجدير بالإشارة إلى أن قوى صدام حسين, وفق ما هو مخطط لها, تدفع بأعضاء حزب البعث غير المعروفين على ولوج الأحزاب السياسية العراقية التي شكلت حديثاً أو قدمت من الخارج إلى الداخل لتحقيق أهداف معروفة. ويبدو لي بأن دخول وقبول النساء البعثيات أو المؤيدات لقوى صدام حسين في الوقت الحاضر أسهل بكثير من ولوج الرجال إلى الأحزاب السياسية العراقية التي ناصبت النظام السابق العداء وما تزال تكافح ضده. وهذا الولوج لا يعني تراجعهن عن تأييد قوى النظام السابق, بل يهدف إلى تأمين انسياب المعلومات الضرورية وحول تحركات تلك الأحزاب إلى  قوى صدام حسين لتنظيم العمليات المضادة لها في وقت لاحق.
وتشير بعض المعلومات إلى أن بعض الأحزاب تستعجل قبول الأعضاء والمؤيدين الجدد إلى صفوفها بسبب عدم وجود قاعدة سياسية لها في العراق أو بسبب وجود أصل سابق واحد أو قرابة فكرية بينها وبين حزب النظام المنهار. ومن خلال تلك القوى يمكن الاحتكاك ببقية القوى أو الاقتراب منها أو حتى الانتقال إليها. ويمكن للنسوة أن يمهدن الطريق لولوج الرجال إلى صفوف تلك الأحزاب عن طريق التزكيات التي تقدم منهن لهم بعد فترة وجيزة من كسب الثقة.
ولدي القناعة بأن بعض النسوة من جماعات البعث السابقة يمكن أن تصل وعبر أساليب مختلفة إلى قوات التحالف أيضاً ويمكنها أن تستخدم الكثير من الجهود والذكاء للوصول إلى ثلاثة أمور مهمة:
1. معرفة تحركات قوات الاحتلال في العراق.
2. الحصول على المراسلات وإيصالها إلى قوى صدام حسين.
3. الحصول على صور خاصة بالأختام لتأمين صنع أختام مماثلة من قبل الجماعات الفنية التي شكلها صدام حسين, أو الحصول على صور من منح الإجازة للجنود والضباط أو للعراقيات والعراقيين العاملين معهم أو أوراق خاصة بحق المرور إلى مواقع معينة.

وتقع على عاتق القوى السياسية العراقية, وخاصة الديمقراطية منها, كما أري, مهمات كبيرة في العمل مع النساء العراقيات في العاصمة وفي جميع المدن العراقية بالاتجاهات الأساسية التي أشير إلى بعضها فيما يلي:
1. البدء بتشجيع المرأة على استعادة الثقة بنفسها والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية والسياسية المختلفة. ويفترض أن ييادر السياسيون والمثقفون العراقيون والعاملون في الحقول الاجتماعية بتشجيع أمهاتهم ونسائهم وبناتهم أو أخواتهم وأقاربهم لخوض هذا الغمار وتقديم النموذج الذي يمكن أن يحتذى به من بقية النساء. كما يمكن للمرء الكردستانية أن تلعب هذا الدور أيضاً بسبب تحررها من ربقة النظام المركزي المستبد قبل حوالي 11 سنة ونشاطها الملموس خلال السنوات الأخيرة في الحياة السياسية والثقافية والعامة.  
2. تشجيعهن على تشكيل جماعات العمل النسائية, أي تشكيل منظمات المجتمع المدني المختلفة وفي مختلف المجالات المتوفرة, التي يمكن أن توفر للمرأة حرية الحركة والمشاركة في الإنتاج والنشاط العام. ويمكن أن تقوم الجماعات النسوية بتقديم الدعم للعوائل التي تحتاج إلى عون متنوع ابتداءاً من المعالجة الطبية إلى مراجعات الدوائر أو توفير المواد الغذائية. 
3. البدء بتنظيم حلقات لمكافحة الأمية المنتشرة بين النساء ودفع العوائل لإرسال بناتهن إلى المدارس.
4. مساعدة المرأة على التخلص من أعباء العباءة والحجاب المتشدد والعودة إلى طبيعتهن السابقة قبل أن تمارس ضدهن همجية النظام الدموي.
5. دعم جهود المرأة للحصول على عمل أو وظيفة أو استخدام حيثما أمكن.
6. العمل من أجل إصدار تشريعات ديمقراطية لصالح مساواة كاملة للمرأة بالرجل, وتجلي ذلك في دستور العراق الدائم وممارسته فعلاً وإلغاء كل القوانين المخلة بحقوق المرأة المثبتة في لائحة حقوق الإنسان وحقوق المرأة الدولية والإقليمية.  
7. السعي التدريجي لاحقاً لتأمين التعليم المختلط بين البنات والأولاد والذي كانت الوجهة نلى تطبيقه في أعقاب ثورة تموز عام 1958.
إن المعركة مع نظام صدام حسين المنهار لم تنته بعد واستعجلت الولايات المتحدة في إعلان نهايتها بسبب حاجة الإدارة الأمريكية إلى ذلك لتسجيل نصر سريع لها لدى الشعب الأمريكي والدول والشعوب الأوروبية وإسكات احتجاجها ضد الحرب. نحن نعرف ذلك من خلال مجرى الأمور في داخل العراق, ونحن نعرف ذلك لأننا نعاني من عواقب ما حصل حتى الآن نتيجة إصرار الإدارة الأمريكية على الانفراد بالسلطة, رغم تراجعها النسبي الأخير والمتوقع بسبب المشكلات والضغوط المتزايدة عليها. ونحن نعرف ذلك أيضاً بسبب استمرار وجود قوى النظام المخلوع في كل مكان ويتحركون بكل حرية ويمارسون الإرهاب في مواقع كثيرة. رغم أننا ندرك أيضاً بأن ما يقومون به لن يوصلهم إلى ما يريدون, ولكن ستكون هناك ضحايا جديدة وستتأخر عملياً فترة الانتقال وسيطول بقاء قوات الاحتلال التي نطمح بأن ندفع بها إلى الخروج بعد استتباب الأمن والاستقرار وقيام حكومة وطنية عراقية على أنقاض الوضع الراهن. ونحن بحاجة ماسة إلى مشاركة المرأة في كل ذلك, فهي النصف المجمد حالياً وعلينا تقع مهمة تحريكه, وسنحقق ذلك قطعاً. 
وإلى ذلك نطمح وله نعمل ونناضل. إلى كل الذين يمارسون العمل الجاد ويناضلون من أجل عراق حر وديمقراطي فيدرالي مزدهر, ومجتمع مدني وعلماني متحرر وخال من التمييز إزاء المرأة وجميع أشكال التمييز الأخرى, وعراق خال من القوات الأجنبية ويستخدم ثرواته لصالح إعادة إعمار البلاد والتنمية الاقتصادية والبشرية, إلى كل الذين يواصلون النضال ضد عصابات صدام حسين ورهطه وكل قوى الإسلام السياسي المتطرفة وضد أولئك الذين ينفخون بأعمال التخريب وإشعال الحرائق وإعطاب الكهرباء والسطو على البيوت وقطع الطرق لأغراض السرقة وأفعال القتل الجارية وكأنها أعمال مقاومة شعبية, نرسل التحية والشد على أيديهم ونرفع وإياهم علامة  النصر على الدكتاتورية والدكتاتور, وليس بعيداً على الاحتلال أيضاً.

برلين في 09/07/2003      كاظم حبيب